الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


... -الغزو عشقا- عناق الفن والفكر فى رواية التاريخ

إبراهيم محمد حمزة

2006 / 7 / 10
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


رغم اتساع رقعة مقاومة المصريين للحملة الفرنسية ، حتى اشتعلت الأرض ثورة ، فإن الكاتبة "نجلاء محمود مِحْرِم " قد اختارت بقعة واحدة من الضوء ؛ الذى أشعلته مقاومة أهالى الدقهلية للفرنسيين ، سواء فى المطرية والمنزلة أوالمنصورة أو ميت العامل ، وذلك لتدور عليها أحداث روايتها الثالثة " الغزو عشقا " .
حيث تبدأ الرواية بـ " طه الزعيم " المخلط من أصل غربى وجد عربى ، الذى يعودإلى قريته باحثا عن تاريخ جده الزعيم "أبو قورة " الذى قاد يوما ما حركة المقاومة ضد الفرنسيين ، وتعود الرواية إلى الوراء حيث أبو قورة يستقبل رجلين بدويين يحملان له شابة فرنسية صغيرة أسروها وقتلوا أمها لأنها بصقت على وجه احدهما ، فيشتريها الزعيم أبو قورة ، ويهيىء لها مقاما كريما بين اهله ، ورغم ذلك تظل " جوليا " او الفرنسية الصغيرة كما كان يسميها ..
وتعيش الفتاة فى كنف الرجل ولكنها تتأبى عليه ، وهو لا يرغمها على شىء ويوفر لها حياة تليق بأميرة
ومع التئام خيوط العمل دراميا تلتئم خيوط نفسها وتركن إلى الرجل الكريم وتقبل الزواج منه وتنجب " طه " هذا العائد ليبحث عن جذوره …وذلك رغم زواجه من فرنسية ، ورغم حياته بعيدا عن مصر إلا أنه يعةد راغبا فى الفعل العكسى ،، فكما ذابت جدته " الفرنسية " فى المجتمع المصرى ، يود هو أن يذوب أولاده " المصريون فى المجتمع الذى عاشوا بعيدا عنه ،، وتنتهى الرواية بكلمات كاشفة ملخصة للعمل ككل :
" وفى الصباح كنا اسرة كبيرة جدا تتناول إفطارها ! ولم احاول تمييز " وضاح " من " عائشة " .
- بين الفن والتاريخ :
والرواية تعتمد على واقعة حقيقية ، أوردها الرافعى فى كتابه : " تاريخ الحركة القومية " فصل 15ونقل فقرة طويلة من كتاب " كلوت بك " ( لمحة عامة إلى مصر ) حين التقى "كلوت بك " بالسيدة جوليا سنة 1834م وذلك بعد وفاة زوجها بما يقارب ربع قرن _ توفى أبو قورة عام 1808م وقد قصت عليه المراة أنها من أصل إيطالى ، ولدت بالبندقية ووالدها بائع قبعات اسمه بارتولى ، وامها مارجريت وأن العربان سبوها وباعوها إلى الرجل ذى الحرام الأبيض ، ثم تحدثه عن السيد أبى قورة ومظاهر كرمه وعطفه وكم كانت دائمة التذذمر …." صـ322
هذه الصورة الرومانسية العابرة لتى التقطتها الكاتبة لتتكىء عليها فى روايتها ، والحق انها تعاملت بحساسية شديدة مع التاريخ ، فالتزمت الحدث العام ، وتصرفت فى المشاعر بدون أن تجور على الواقع التاريخى المسجل ؛ ربما باستثناء أنها صارت أما بعد أقل من عام من وجودها لدى الشيخ أبى قورة وهو ما يعنى وجود علاقة بينهما منذ وجودها ,,
فالُمطالع للعمل سيجد الكاتبة لم تدهس التاريخ بعربة الفن ، ولم تجر عليه ، وكان التصرف يظل مشدودا فىحبال المشاعر فقط ، ثم يأتى العصرالحالى ، ليصنع تواصلا طبعت آثاره الحياة المعاصرة ، حيث قضية الهوية تتجلى ببساطة أخاذة وهادئة ، غير أن الرواية احيانا تتعجل البوح فتظهر آثاره غير فنية :
" بلى يا طـــه .. يكون قدنال صك الوطنية والإخلاص ، لكننى عجينة أفكار هذه الأمة ..
فمهما مضت الأيام ، نظل نبحث عن أصولنا كتمنين أن تكون كما نريد …. "
وتبدو الرواية واضحة إلى درجة تفوق قدرة الفن على تحمل الوضوح بهذه الكيفية التى ترفض بها الاحتفال بذكرى الحملة الفرنسية بعد مائتى عام من رحيلها ، هنا لم تلجم الكاتبة فرس افكارها فسبقها فى ميدان الرواية بل أعلن عن نفسه بقوة .
- البنـــية والمفارقة :
تقدم الكاتبة روايتها فى مائتى صفحة وفى 32فصلا قصيرا ، فضلا عن فصول غير مرقمة تحمل منشورات وأوامر عسكرية فرنسية أفردت هلا الكاتبة صفحات غير معنونة وكتبتها بخط " كوفى " ساهم فى وضع القارىء فى جو تاريخى مناسب لمضمون الكلام ..
والرواية قائمة على بنية المفارقة ، بداية من العنوان " الغزو عشقا " فالمجال الدلالى للغزو بما يشير إلى القتل والعنف والكراهية ، يتناقض مع العشق بما يفتح مجال دلالات الهوى والحب .. ثم تؤسس الرواية بنيتها على مفارقة كبرى بين الماضى والحاضر وبين سلوكيات كريمة لشعوب متخلفة وسلوكيات حقيرة لشعوب متقدمة ، هذه المفارقة أساسية فى المجمل العام للعمل ، وبنية المفارقة أيضا بين " طه " و" احمد " أبناء العم المختلفين فى كل شىء .. بل المافرقة والتضادداخل شخصية أحمد ذاته :
" غريب أمرى .. أحب ارتداء الجلباب ، وأرتدى القميص والبنطال ، أقدس الجد ولا أبذل جهدا فى رعاية آثاره ؛ واقتفاء خطاه … "
- رواية أصوات "
لجات الكاتبة إلى بعض التجديدات الشكلية المتميزة فى العمل ، وكان من أشدها وضوحا الاعتماد على تعدد الأصوات داخل الرواية ، فكل فصل ينطق بلسان شخصية من شخصيات العمل ، وهوما يمنح الرواية حركة داخلية دائمة دائبة ، ويمنح القارىء يسرا فى التعرف على دواخل أبطال العمل ، وذلك رغم ما تمـــنحه " الهو " من إمكانات هائلة كتمرير فكرة ما دون دون تدخل صارخ من ذات المؤلف ، وعدم السقوط فى فخ الأنا ، وكذا حماية ذات السارد من " إثم الكذب " كما يقول " رولان بارت " …
رغم ذلك وغيره وجدنا الرواية تفضل أسلوب تعدد الأصوات الذى يسمح بأكبر قدر من مناجاة الذات ، بدلا من سيطرة الحوار ، فى الفصل الخامس عشر نستمع إلى " أحمد "
" ها قد زرتك يا " طــــــه " كما كنت تريد .. وكالعادة وجدت ان المسألة أبسط وأيسر مما تصورت ، لكن ماذا تفعل مع رجل يتشكك فى كل شىء "
وتستمر هذه المناجاة الطويلة حتى نهاية الفصل كاشفة عن مواجع لدى شخصية احمد ، ومدى معاناته من عدم ثقته فى نفسه ؛وهو كبطل غير فاعل فى الرواية ، يجد ذاته مفضوحة امامه فقط ، فمثلما تعبر الكاتبة عن دواخل عميقة لأبطالها ، فهى أحيانا تعبر ببساطة تقع فى وهدة المباشرة قليلا … غير أننا نجد الأسلوب ذاته يكشف بعمق نفسية المرأة البطلة فى الرواية ، فنجد "جوليا " تسرد الفصل الثامن :
" لو هاجمنى هذا الرجل سألقى بنفسى من النافذة ، ! لن ادعه يمسنى .. أعرف لم اشترانى .. ولن أمكنه من تحقيق مأربه ،يدعى النبل والشهامة ، يتظاهر بالعطف علىّ "
إن هذا الأسلوب النعتمد على أصوات كثيرة يؤكد أن عصر أيديولوجية الجماعة " massideology” " قد استقر تماما _ بتعبير الناقد ايرفنج هاو –
ولا شك أن الأفكار المجردة لدى الكاتبة ، قد أوشكت أن تفسد شيئا من تلقائية الفن وجماله ، ورغم ذلك فهذه الأفكار هى التى تمنح الرواية " حمولات من العاطفة لا حصر لها " .
- منزلق الرواية التاريخية :
فى معرض طرحه لأهمية الكتابة التاريخية ينبه الكاتب الكبير محمد فريد أبو حديد لمزية هامة للكتابة التاريخية ، حيث " الحادثة تؤخذ من التاريخ ، ولذا فمصائر الأبطال تقررت والحيوات انتهت ، والعظات وقعت ، عندئذ يمكن للفنان أن يجوس فى اناة ولطف وعمق خلال العلاقات البشرية فى التاريخ "
وعلى الرغم من حديث أبى حديد عن مزية ، فإنها مزية " مفخخة " حيث الحدث قد صيغ والمصائروالنهايات ، فماذا يتبقى للروائى لكى يكتب ؟ ولذا لا يسلك الدكتور عبد الحميد إبراهيم روايات الكاتب جورجى زيدان فى عقد الرواية التاريخية الخالدة إذ أنه ( يقصد زيدان ) قد حولها إلى جو من التسلية والمتعة ،أشبه بروايات المغامرات – كما يقول فى كتابه " الرواية العربية والبحث عن جذور )
ولذا تخرج الكاتبة وقد نجت من منزلق الرواية التاريخية حين ربطت الماضى بالحاضر لتفسح لذاتها المبدعة مجالا للتعبير ، وقد جاء الربط ناعما متصلا غير متعسف ، وقد جاء الطفل – وضاح – ليعيد ملامح الهوية المصرية لأهله ، حيث هو ابن الفرنسية أشد انتماء وبساطة من الجميع ،حتى انه يرفض كل ما أعد له ، ويخلد إلى المصطبة التى رأى فيها حلا عبقريا ٌمكانية الجلوس فى عرض الشارع دون الخوف من سرقة الكراسى …
بهذا الغوص فى نفوس شخصياتها ،والقدرة على استحداث أدوار جديدة ،تتماس مع الحدث الفعلى ، قدمت لنا الكاتبة نجلاء محمود محرم رواية تضيف بلا شك لتاريخها الإبداعى كثيرا …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا