الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبق حيث الغناء 17

آرام كربيت

2020 / 10 / 23
الادب والفن


ربما كان رأي البعض أو الكثير من الكتاب الاردنيين أن يد النظام السوري تطال حياة الكثير من المعارضين السوريين ولديه الكثير من المخبرين الذين يراقبون كل شاردة وواردة.
وكان الأردني ينظر إلى سوريا كبلد عملاق وكبير بقدراته وطاقاته وامكانته المادية والبشرية، وأعجابهم بالإنسان السوري، بيد أن الكثير منهم كان يستهزئ من تسيب الدولة وسماحها لموظفيها بالرشوة في كل كل مجالات الحياة ابتداءًا من الشرطة إلى أصغر موظف.
ثم كان هناك الكثير من المستفيدين من النظام السوري على الصعيد المادي، وهناك حزب البعث الأردني المرتبط بنهج النظام السوري، والعلاقات بينهما كانت قوية ووشيجة.
ويستطيع المستفيد من النظام المرتبط به أن يرسل أبنه إلى دمشق ليدرس في الجامعات السورية على حساب الدولة، وأن يأخذ منحة لبعض أقاربه، وأن يساعدوه ماديًا.
أثناء وجودي في المكتبة وكنت برفقة نجيب، سأل نجيب البائع أثناء إحدى زياراتنا إلى هذا المكان لشراء بعض الكتب والدردشة معه:
ـ هل تحتاج إلى عامل في مكتبك، الأخ سوري ويريد أن يسافر، صديقي يريد الحصول على عمل مؤقت، أنه سجين سياسي سابق، ومحتاج جدًا للعمل، هل لديك القدرة على تأمين عمل له؟
قال لنا، لحظة صغيرة، سأسال العين. وكان في المكتبة رجل طويل القامة عليه هيئة الوجاهة والنعمة، مرتديًا طقمًا جميلًا كاريه، وعلى عنقه ربطة عنق منتقاة بدقة، والوسامة مرسومة بدقة على ملامحه، وكبير في السن ربما تجاوز السبعين في العمر في ذلك الوقت:
ـ سيدي العين، وهذا الأسم ينسب إلى الأعيان الأردنيين القريبين من الملك، يشكلهم على مقاسه في المملكة كرديف للبرلمان، وهذا النوع من البشر لديهم مكانتهم وأموالهم وعلاقاتهم، وهم وجاهة، هذا الشاب من سوريا، لجأ إلى الأدرن وسيسافر إلى خارج وطننا ويحتاج إلى العمل، وسجين سياسي سابق.
نظر الرجل في شكلي، درس ملامحي بدقة من أخمص القدمين إلى الرأس والشعر والعينين والأذنين. قال:
ـ هل تعرف أحد ما من سوريا في الأردن؟
ـ لا.. لا أعرف إلا صديقي نجيب، هذا هو.
قال نجيب:
لقد لجأ إلي، وهو صديقي وطيب القلب والمعشر، وصلته معي وحدي.
قال العين:
ـ يوجد الكثير من الأردنيين المحسوبين على النظام السوري ولديهم مصالح وتداخل معه، ويعملون لتنفيذ مصالحه، ويوجد منهم الكثير من الفاسدين والمخبرين، ألم تسمع بهم.
ـ لا.. ليس لدي أي احتكاك مع السوريين، ولم أقل لأي إنسان سوري بوجودي هنا. لا أمارس أي نشاط سياسي هنا، لعلمي السابق أن علاقات الدول العربية متداخلة.
السياسة في الدول العربية فخ عميق إذا دخله المرء لن يخرج منه سالمًا وأمامك عينة فريدة من نوعها، مشرد دون ودون بيت أو مال، هو أنا.
ـ جميل جدًا. لماذا سجنت، وإلى حزب كنت منتميًا؟
ـ الحزب الشيوعي السوري ـ المكتب السياسي. سجنت لأني منتميًا إلى هذا الحزب، هذا هو جرمي
ـ رياض الترك؟
ـ نعم.
أخرج كرت صغير من جيبه وأعطاها لي، قال:
ـ في الكرت الذي في يدك رقم تلفوني وعنوان مكتبي يمكنك الاتصال بي ونتقابل في الوقت الذي نحدده معًا. تعال ولا تتأخر.

طبعًا كلام هذا العين لم يكن يخلوا من الفوقية والإحساس بالمكانة والقوة والرفعة. هذه الدونيات القذرة هي من السيئات التي ابتلت بها بلادنا المريضة المجنونة، أحدنا بمجرد أن يصبح له مكانة ما يتحول إلى زبالة فوق ما هو زبالة.
لم يسأل عني أسمي، مملوء ثقة بالنفس الفارغة، كأنه كان يعتبر نفسه خارج السياق الزمني للبشر أو خارج السياق المكاني، وكأنه عين أو نائب في دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية.
عندما خرجنا من المكتبة وودعنا الرجلين، طار نجيب من الفرح، وبارك لي حصولي على لقاء ربما يتوج بالحصول على العمل وأعود لأعيش في واقع مقبول من حيث المعيشة.
قلت للأخ والصديق الجميل نجيب:
ـ هذا اللقاء بيني وبين هذا العين سياسي يا نجيب، سيشغلني كمخبر وربما يؤمن لي إقامة ويلمعني لأكون بوقًا للنظام الأردني، وهذا لن أقبل به. سأبقى فقيرًا محتاجًا معدمًا، هذا قدر سوريا التي تبحث عن مكانها في هذا العالم السياسي.
لن أذهب إليه ولن أتوج نفسي بنفسي كإنسان نذل ومبتذل، لم اسجن في سوريا لأصبح تابعًا ذليلًا للغير، للأنظمة العربية العفنة. سأكمل حياتي بهذا الوضع العاجز والفقير، الذي أنا فيه، سأعيش بمئة دولار في الشهر ستين دولارًا منه أجار البيت وأعيش بأربعين. الحياة موقف ولم أتعود أن أكسر رأسي أو أوطي قامتي لأحد.
سأبقى مرفوع الرأس أمام رأسي ونفسي ولن اتخاذل وأهزم أمام نفسي. الحياة كلها لعبة مؤقتة أما أن تهزم أو تكمل. لا حيادية في المواقف.
نجيب لم يكن سياسيًا ولم يعمل في السياسة، أنه فنان ولم يخلط بين الفن والسياسة، وبدأ يدخل المجال الثقافي بثقة كبيرة وشغف للمعرفة، يستعير الكتب من مكتبة شومان كما كنت استعير، ونمشي معًا من بيته بالقرب من حدائق الملك عبد الله باتجاه جبل عمان، ونعود معًا، واحيانًا يأخذني إلى المطعم نتغذى، لم يكن يدخل إلا المطاعم الفاخرة. فهو شاب لديه عمل ويعمل في مطعم فخم ومشهور اسمه الفردوس لصاحبه اللبناني، ودخله مقبول جدًا قياسًا لدخل المواطنين الأردنيين.
واحيانا كنّا نذهب إلى أشهر المطعم في عمان، في السوق، نأكل الفول أو الحمص، ثم نتجول في السوق والمحلات أو نشتري السمك أو نأكل في مطعم السمك البحري، هذا السمك يجلبوه من مدينة العقبة الذي يطل على البحر الأحمر أو يستورد.
في الأردن كل شيء متوفر، والنظام فيه مستقر إلى حد كبير نتيجة علاقاته المتوازنة مع الدول الفاعلة في العالم، بعيد عن الجعجعة والثورية الفارغة، وليس لديه مشاكل مع الجوار ولا العالم الغربي.
لقد صاغ الملك حسين علاقات دولية قيمة جنب الأردن هزات وطنية قاسية. الثوريون أو الانقلابيون الذين وصلوا إلى السلطة في البلدان العربية، دخلوا في أزمة ذاتية مع أوطانهم، أزمة خانقة وفي أزمة مع جوارهم.
هذه الأنظمة ولدت مأزومة لديها خوف شديد على وجودها لأنها استولت على الحكم بطريقة المافيا في هجومها على بنك ما، لهذا تخاف على قلقها الذاتي والوجودي، أنها أنظمة قلقة خائفة جبانة تعلم أن لا جذور لها في الدولة والمجتمع،
تخاف من صوت الفرد، من كلامه البسيط، ولهذا تسجن مواطنها على الشك مثلما فعلت الفاشية والنازية، كل الناس أعداء بالنسبة لها إلى أن يثبت العكس.
ثبت بالدليل القاطع ان الأنظمة الملكية أنها أقل سوءًا من هؤلاء الذين لم يرو المدينة في حياتهم إلا عندما دخلوا الجيش وأصبحوا ضباطًا. وبين ليلة وضحاها استولوا على السلطة، وأصبحت البلاد كلها في أيديهم، بما فيها السجون والمعتقلات والدساتير والمكانة، وبدأوا نهب الدولة والمجتمع تحت حجج محاربة اسرائيل وإعادة الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان والقدس وغيرها.
الكوارث حلت بالمنطقة بعد وصول العسكر إلى السلطة، ومنها سوريا، بوجود نظام منفصل عن نفسه وبلده، بل حول سوريا إلى رافعة لتنفيذ مآربه الشخصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع