الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستنطاق الصحراء

حيدر سالم

2020 / 10 / 23
الادب والفن


لا يكتب إبراهم الكوني رواية قدرما يحاول تجسيد الصحراء بكلمات!، لم أنتبه للصحراء من قبل، كانت مكانا مقفرا، أما بعد تعرفي على الكوني منذ سنوات؛ صارت رمزا، ممتلئة بالحكمة، و تختزل الوجود!!

التبر، رواية صغير الحجم، أتَمّها عام ١٩٨٩، تدور بين أوخيّد و صديقه الأبلق، بعيرٌ يكاد ينطق، يبكي، و يضحك، يغضب و حكيم، أو إختصارا للألقاب إنه رسول" ما أندرُ مثل هؤلاء الرسل" !، في الصحراء كل شيء يختبئ خلف غمامة صمت،واضحة ساكتة، باطنة صاخبة! ، لذا و بعد أن إرتكبت الحضارة واحدة من مساوءها التي لاتحصى؛ أنها قتلت التأمُل، و صرنا مطيةَ أفكارٌ جاهزة، يعلبها لنا أبطال أوربا!، لا ينكرُ أحدنا لما لأوربا من فضلٍ كبير،لكنها مسخت كل الأفكار و حولتها إلى مجرد أضحوكة لا قيمة لها، و بات تاريخها تأريخ الفكر البشري!، و من المهزلة ألا نعود بتأريخ الفلسفة إلى بوذا، ألأن الرجلَ طالب بالتأمل و جعله شرطا للخلاص؟ ، من هنا ينطلقُ الكوني، يستنطق التراث، محملاً بالأساطير، شخوصهُ تسمع همهمات الجن، و تتكلم مع الودّان و البعير،تصمت فنسمعها، ندخل للصحراء فنراها مكتظة، فيكشف أول سر أمامنا" الصحراء رمز الوجود " ! ، و في رواية نداء ما كان بعيدا، يفكك المكان و يفلسفه ، أن الصحراء بحرٌ من رمال، و البحر صحراءٌ من ماء؟ ..... أول شفرة يجب أن نفكها أن الكوني يتحدث عن مكان أسطوري، و زمن فالت من قوانين الزمان، و من ثم أن الخلف إذا ما مال عن قوانين الشيخ، تبتلعه دوامة التيه، إذن نحن نعيش في مكان و زمان خارجان عن قوانينهما في مدننا، و أننا نعيش في فكر بكر، لم تلوثه أصابع عولمة،نحن مع أساطير تمشي حرة طليقة لا تمكث في مكان،و لسنا أمام كائناتٍ مدجنة، يصلها الأكل و التفكير في علب صفيح، يعيشون كما أكلهم في علب جاهزة!.

الأسماء في روايات الكوني غير مألوفة، فهو يحمل تراث الطوارق الخصب لنا، فلن نفهم النص إلا بالإعتكاز على الهامش، شارحاً لنا أساطيرهم و ملاحمهم الغائبة عنا، ندخل معه عالماً جديداً، و فور دخولك تخلع عنك رداء الآيدلوجيات التي يراها مدمرة تحارب الطبيعة، نقرأ إقتباسات من سائر الملل، فالكوني ينهل من كل ماء عذب، لا تلوثه جرثومة التحزب المديني، فهو متملص من طابع المدن، أن يكون له إسم يحمله، و يركن داخل تبويبات لاتحصى يحملها فرد المدينة على ظهره حتى حتفه، إسم مدينته، ثم منطقة فزقاق، ورقم هوية، فرقم جواز سفر، إنسان الصحراء يعيش حرا من أرقام السجلات، كما هو حرٌ من وسمه داخل خندق فكر واحد.

تناقش الرواية فكرة التملك، نحن أمام كتاب أنجلس ذاته لكن على وتر آخر، يعزف الكوني بطريقته الخاصة، يتلاعب بالكلمات العربية ( لغته الثانية )، و يأخذها معه مطواعة إلى حيث عمقها، فهو عالم باللغات له كتاب في سبع مجلدات ( بيان في لغة اللاهوت )... يتحدث حوالي ٩ لغات، لذا فهو يبحث في الكلمة، يستنطق سرها و مخابئها اللاهوتية القديمة، تقرأ لغة تراثية حداثوية ، هذا المزيج هو مصدر ما ذكرناه أولاً ؛ التأمل، أجزم أن أغلب الكتاب العرب لم يعرفوا عمق لغتهمو تراثهم، فهم أبناء دولٍ خطت حدودها من غيرهم، تبدلت ثيابهم و طعامهم و لغتهم، فلا ننتظر منهم كتاباً بلغتهم، بل إنهم يكتبون مرغمين بلغة يعتبرونها ميتة، عن واقع مجمعة أوصاله من ركام غير مستعمل خارج حدودهم، يحيي رجلٌ لغةً هي ليست لغته و يعتبرها من أكبر اللغات ثروة و عمقا و يرفض أن يكتب بالروسية التي يجيدها مثل العربية.

لماذا أركز على التأمل و المكان و اللغة؟ لأنهن فاتحة كبيرة لأعمال الكوني، أما الرواية نفسها فهي كنزٌ آمل أن يحصل عليها من يقرأ ما كتبته هنا، و يعيش مع الأبلق، صديق أوخيّد، فإنني متأكدٌ أنه سيصبح صديقه....

إشارة أخيرة .... روايات الكوني تحمل على أغلفتها آثار أسلافه، فهن عبارة عن معرض عظيم خارج أسوار المعارض العالمية التي تعتاش على سرقة تراثنا.... ذلك التراث الذي يحتاج أن نعود إلى كنوزه، و لن نعود......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا