الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان بين مطرقة الخارج وسندان الداخل

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2020 / 10 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


المشهد السياسي بالسودان قريب الشبه بنظيره في اليمن والى حد كبير مع باقي دول الخريف السياسي ..لكن يبقى للسودان ملمحه المتميز عن باقي الدول العربية وفق نمط الشخصية المتشكلة وفق تلك الجغرافيا النهرية وتاريخها السياسي الاجتماعي .. ومع ذلك فالمشهد الاخير اظهر تشابه وتماثل في مسارات الحراك الشعبي السوداني ونظيره اليمني .. كلا البلدين عاشتا ثلاثة قرون وفق انظمة جلبت البؤس والفساد وتعطيل الدولة والياتها المؤسسية والقانونية وتضخيم دور مراكز القوى وجماعات محددة ارتبطت بالسلطة وفق منطق الغنيمة والمحاصصة وفشلت في ان تتحول الى دولة او ان يتحول قادتها الى رجال دولة ..
دخل السودان في ازمات متتابعة ومتراكمة منذ الاستقلال وتقلبات التوجهات السياسية بين اليسار والاسلام السياسي ومزيج من الليبرالية والتقليدية ثم الانقلاب على مسار ديمقراطي بوصول الاسلام السياسي ومعه تراكمت الازمات عشرات المرات مع تصاعد وتيرة الحرب الاهلية مع الجنوب وصولا الى الانفصال واتهام رئيس الدولة بقرار من المحكمة الجنائية الدولية وتراكم معدلات الفساد والفقر وتكرار الفيضانات المدمرة دون ان تستطع الحكومة تقديم اي مساعدة للمواطنين ..
ومع براجماتية البشير الذي سلم بالانفصال سريعا ظنا ان امريكا ستدعمه دوليا واقليميا كما سلم سابقا قيادي في تنظيم قالت أمريكا انه إرهابي بغية تلميع صورة البشير ونظامه لكن امريكا لم تفعل بل جعلت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب فتزايدت الازمات وهنا اتجه البشير الى السعودية ودفع بجنوده في حرب لا طائل منها وفق تلقي مساعدات مالية جاءت متأخرة جدا لان نظامه كان قد غرق بالأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وان تأخر الوقت قليلا عن ربيع 2011 الا ان حراك السودان الشعبي 2019 استطاع ان يزيح البشير ونظامه باقل تكلفة بشرية وساعد في ذلك انقلاب مجموعة قيادية من داخل نظام البشير الامني والعسكري مع تأييد شعبي وهنا تكمن الاشكالية الراهنة لمسار التغيير .
فالحكومة ومعها قوى التغيير تصطدم بالمجلس العسكري الممسك بزمام التغيير وصناعة القرار اكثر من الحكومة ناهيك طول الفترة الانتقالية تمكن المجلس العسكري وقيادات أخرى من النظام السابق من إعادة تموضعهم في مختلف المكونات السياسية الجديدة . اما الاحزاب السياسية التقليدية مثل نظيرتها في اليمن اقرب الى ديكور سياسي منها الى اليات فاعلة لتحريك الشارع ووضع المبادرات .
ومع تراكم الازمات اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وتصاعد بؤر النزاع مع الحكومة يرى البعض من القادة في المجلس العسكري ان يكون الهروب الى الامام عبر التطبيع مع اسرائيل ظنا انه مسار معه تتلقى السودان دعم مالي من الامارات قد يقلل من تلك الأزمات مع العلم ان السودان وخلال السنوات العشر الأخيرة تلقى دعم مالي كبير لا اثر له في واقع المجتمع او تطور النشاط الاقتصادي العام ، ومن هنا فالهرولة نحو التطبيع سيضيف الى السودان ازمات اخرى ..ولان جماعات ورموز كثيرة من نظام البشير لاتزال فاعلة في الدولة والحكومة لهذا يتعطل مسار التغيير ويتوقف مرارا وفقا لمعوقات تقف امامه دون القدرة على تجاوزها بقوة الثورة التي تحولت الى مرونة سياسية او براغماتية في الادارة للشأن السياسي .
كثير من الشعب السوداني تم تدجينه بواسطة الاحزاب التقليدية والجمعيات الدينية مع ازمات المعيشة يوميا والقمع السياسي ..والمستفيدون من النظام اتسعت الفجوة بينهم وبين العامة في فروقات طبقية كبيرة ، وهنا غرق المثقف السوداني الملتزم بالكتابة عن مشكلات المجتمع وامراضه ودعوته للتغيير دونما انخراط عملي في التغيير ضمن روافع حزبية كانت الثورة من اهم افكارها ومنظوراتها .. وهناك المثقف المدافع عن السلطة القريب منها لتبرير سلوكها السياسي وفق مكاسب انية ماديا ومعنويا وهو نفس الحال في عموم المنطقة العربية ..
والحال ان المجتمع منقسم بين خطاب أسلاموي تقليدي وخطاب صوفي عرفاني وخطاب يساري ثوري وبين قيادات حزبية ونخب سياسية شائخة في العمر لا ترغب في اكثر من تغييرات محدودة فاجأتها المظاهرات الشعبية في مسار حراكي كبير تبلورت معه مواقف القيادات النقابية والشبابية ذات الافق المدني الديمقراطي فكان انقسام العسكر والامن بقفز رموزها نحو الشارع السياسي للامساك بمسار التغيير والتعبير عنه بدلا من ان تجرفهم مسارات التغير الشاملة ..هنا ظهرت العوامل الاقليمية والدولية لتضع التغيير عند مسار محدد لا يتم تجاوزه .. وكلما تغلغل التدخل الخارجي انحرف المسار التغييري في الداخل عن اهدافه وهذا مسار دُفعت اليه كل حركات التغيير الربيعية في اليمن وليبيا والعراق وسوريا ولبنان ، حيث الطبقة السياسية القديمة تكبح حركات التغيير الشعبية بطرق شتى منها تمزيق وحدة قوى التغيير وتقسيمهم الى جماعات ومكونات واستقطاب المتنططين منهم نحو السلطة والمكاسب المادية ..
يرغب السودان بتحقيق التغيير السياسي لكن المسألة تتعدى الرغبات الى حضور قوى التغيير ومشروعها كمعادل موضوعي داخل الشارع السياسي وعموم المجتمع من اجل تحقيق دولة مدنية حديثة والقطع البنيوي مع النظام السابق بكل رموزه وخطابه وتوجهاته ، وهذا لن يتأتى لان المشهد السياسي يقول ان جزء من رموز النظام السابق هم من مكونات الحكومة والمجلس العسكري بل وعموم المشهد السياسي الراهن ، وهناك تعايش بين المجموعتين القديمة والجديدة وفق براجماتية من رجالات النظام السابق ربما لبعض الوقت حتى ينقضون على النظام برمته ويعاد انتاج نظامهم السابق .
تعميم الفوضى في السودان جزء من تعميمها في المنطقة العربية وفق الاجندة الامريكية ولا استطيع الإشارة الى تكتل حزبي وجمعوي متبلور وفق مشروع وطني للتغيير في السودان لان النخب السياسية والحزبية منقسمة على بعضها والكثير منها تريد حصة من السلطة مثلما حصل في اليمن والاقتتال على السلطة في العراق وليبيا ورفض التغيير في لبنان وسوريا . السودان ليس استثناء ليحقق التغيير بسهولة ويسر ، ولا استثناء بظهور نخب قيادية فاعلة دون ارتباطات سابقة داخليا وخارجيا ، فجميعها قيادات محملة بديون كثيرة ضمن علاقاتهم مع مختلف أنظمة الحكم السابقة ومنها نظام البشير وبالتالي تاريخها السياسي يجعلها مدجنة ومشاركة في امور كثيرة من السلبيات التي أعلن الثوار في ساحاتهم رفضا لها وفق تجديد كامل لمنظومة السلطة وتوجهات الدولة .
والاخطر هنا كيف سيكون التعامل مع القيادات العسكرية والامنية والنقابية والجمعوية التي شكلها نظام البشير والتي لاتزال في السلطة بمختلف مكوناتها وبعضها اصبح ذو قوة مالية كبيرة (جماعات برجوازية امتلكت المصارف والشركات التجارية ومصالح كبيرة مع الخارج الاقليمي والدولي ) وماذا عن اسرار انفصال الجنوب وحروب النظام معه سنوات طوال تحت راية الجهاد ثم التسليم بالانفصال سريعا . جميعها قضايا وملفات طالب المتظاهرون بالإجابة عنها وحل اسرارها لكن الواقع السياسي الراهن يقول انها ستظل ملفات مغلقة لوقت طويل وربما لا تنفتح أصلا ..
بشكل عام السودان تحرك خطوة واحدة نحو التغيير وتبقى لديه معرفة ممكنات حماية خطوته التغييرية من خلال مؤسسات وخطاب وتوجهات ورموز سياسية تنتمي لمرحلة التغيير وتؤمن به وصنع سياسات تعزز التوجه الاجتماعي نحو الشعب وليس لمصالح الأقلية والنخب البرجوازية . وهذا يتطلب استقلال القرار السوداني خارجيا وعن مجموعات وقوى النظام السابق التي لاتزال فاعلة في المجتمع .
التغيير السياسي بتعزيز المدنية والنظام الديمقراطي وبتعزيز النمو الاقتصادي ومحاربة الفساد كلها أمور هامة تضع السودان على الطريق الصحيح في بناء الدولة وتنمية المجتمع وتمكين السودان من ان يكون له حضورا إيجابيا في المحيط الإقليمي والدولي . مع العلم ان هناك اطراف أربعة خارجية على الحكومة الجديدة ان تجيد فن التعامل معها دعما لمشروعها التغييري دونما الانفلات نحو محاور خارجية عربية وأفريقية وإقليمية ودولية لها أولويات واجندات ليست ذاتها أولويات السودان في اللحظة الراهنة .فأولوية السودان تتضمن الخروج من مسار الدولة الفاشلة الى دولة اعتيادية تماس وظائفها الإنمائية والسياسية وفق مشروع تغيير وطني دونما ارتباطات خارجية تخل بالوظيفية السياسية في الداخل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة