الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناص الديني في ديوان (بقايا امرأة ) للشاعرة الدكتورة كريمة نور عيساوي

محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)

2020 / 10 / 23
الادب والفن


التناص الديني في ديوان (بقايا امرأة)
للدكتورة كريمة نور عيساوي من( المغرب )

(بقايا امرأة ) ديوان جديد للشاعرة المغربية الدكتورة كريمة نور العيساوي ضم بين طياته مجموعة من القصائد التي تتحدث عن الإنسان والوطن والحياة والوجود ومفردات أخرى ومرفق في الديوان قراءة نقدية للدكتور جمال خضير الجنابي تناول فيها موضوع عملية الخلق الشعري ركز فيها على الخيال والفكر ودورهما في عملية الخلق الشعري .
تنوعت المواضيع التي تناولتها الشاعرة الدكتورة كريمة العيساوي في ديوانها (بقايا امرأة ) ، الذي جاء عنوانه من عنوان احدى قصائد الديوان ، فقدد ضم هذا الديوان بين دفتيه خمساً وعشرين قصيدة تنوعت في أطوالها كما تنوعت في مواضيعها وأفكارها ومضامينها وقد برزت في هذه القصائد الكثير من الملامح الفنية التي ترقى بالقصيدة وتجعل منها قطعاً فسيفسائية تملأها الحركة والموسيقى والصور الشعرية المبتكرة الجميلة .
أن من الآليات الجمالية التي برزت في ديوان (بقايا امرأة ) وأضافت لهذا العمل الأدبي الشعري المزيد من الإتقان والجمال والعناصر والدلائل الجمالية خاصية التناص التي نادرا ما يخلو منها نصّ أدبي فقد فُطرت النفس البشرية وجُبلت على ما يسمى بالتعالق ، وشاعرتنا الدكتورة كريمة تحمل في جعبتها مخزوناً ثقافياً متنوعاً بحكم عملها ونشاطها الثقافي متعدد الجوانب ، ودائما يعلق في النفس ما استحسن من الكلام ، وقد عرّف الدكتور أحمد الزعبي التناص فقال " إن التناص – في أبسط صوره – يعني أن يتضمن نص أدبي ما نصوصاً أو أفكاراً أخرى سابقة عليه، عن طريق الاقتباس أو التضمين أو الإشارة أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدى الأديب، بحيث تندمج هذه النصوص أو الأفكار مع النص الأصلي، وتمتزج فيه ليتشكل نص جديد واحد متكامل"
أما عن رائدة هذا المصطلح الفرنسية جوليا كرستيفا فتقول " أن التناص هو النقل لتغييرات سابقة أو متزامنة ،وهو اقتطاع أو تحويل وهو عينة تركيبية تجمع لتنظم نصي معطى بالتعبير المتضمن فيه أو الذي يميل إليه "
وقد لا يسمح المجال في هذه العجالة أن نسترسل في ذكر المزيد من المعلومات لمن تناولوا التناص ، ولكن نستطيع القول أنّ كل ما قيل عن التناص ينبع ويصب في إناء واحد لا غير .
والناظر والمتتبع لديوان الشاعرة الدكتورة كريمة عيساوي ، يرى أنّ الشاعرة قد ضمّنت ديوانها الكثير من أنواع التناص مما أضفى على الديوان المزيد من الجمال والدلالة الفنية ، ويشفع للشاعرة ثقافتها الواسعة واطلاعها على كل جديد وقديم ، وقد أضفى التناص وتوظيف الرموز الفلسفية الجمال على قصائد الديوان .
وعندما نقرأ ديوان الشاعرة الدكتورة كريمة العيساوي (بقايا امرأة ) نرى أن التناص الديني والأسطوري من أكثر أنواع التناص انتشاراً في هذا العمل الأدبي.
التناص الديني :
يظلّ القرآن الكريم بإعجازه وبيانه ومعانيه ودقة وصفه وبلاغته المعين الذي لا ينضب والبحر الذي لا يجف ، ففيه الكثير الكثير من الموضوعات التي تهم الإنسان في كل زمانٍ ومكان ، وفيه الكثير من الحلول لما يواجه الإنسان في حياته من مشكلات ، لذا وجدنا الشعراء ينهلون من معينه ويستلهمون ويقتبسون من آياته لمعالجة قضاياهم المعاصرة .
وشاعرتنا الدكتورة كريمة العيساوي من الذين يعتبرون الثقافة والاطلاع زادهم اليومي بالإضافة للتربية والنشأة الإسلامية التي نشأت عليها الشاعرة ، كل هذا ترك أثراً واضحاً في عملها الأدبي ، ومن خلال ديوانها الذي بين أيدينا نرى كيف استطاعت الشاعرة توظيف المخزون الثقافي الكبير في شعرها ، وكيف استلهمت آيات القرآن الكريم في أكثر من موقع في ديوانها .
ففي قصيدة (سفر القلب ) تتناص الشاعرة في قولها :
"تعال نلتقي على أهرامات الاعتراف
تعال
نأوي لجبل...
يعصمنا من سيول الأنانية
نستلقي على سرير الإنسانية،
حياتنا عقد لازوردي...
حباته صقلتها لعنة شيطانية،"
مع الآية 45 من سورة هود " قَالَ سَ‍َٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ"٤٣
فالشاعرة تريد الفرار وعدم المكوث وتنادي للاختباء من سيول الأنانية فهي تكره الأنانية التي ملأت قلب الطرف الآخر ، فقلبها لم يعد يتسع لهذا الحب وهذه الأنانية فقلبها كما عنونت القصيدة (القلب في سفر )
وفي نهاية القصيد تتناص الشاعرة مع مفردة أخرى من القرآن الكريم - البحار اللجية – في قولها :
"الآن
أعلنها صرخة....
مدوية...
أغلقت سفر قلبي،
وأضعت المفاتيح في البحور اللجية"
وقد تناصت الشاعرة في الأبيات السابقة مع الجملة القرآنية (البحور اللجية ) في سورة النور قال تعالى : " أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ" ٤٠
فالشاعرة تريد أن توضح شدة الإغلاق ومنعة أبواب قلبها ، فقد أغلقت هذا القلب ، وهي لا تكتفي بالإغلاق وحده بل عمدت إلى إضاعة هذه المفاتيح في بحار مظلمة بل شديدة الظلمة .
وفي قصيدة (هيعة التوجس) تتناص الشاعرة مع قصة التيه لبني إسرائيل ، وذلك أن سيدنا موسى عليه السلام غضب على قومه عندما دعاهم لقتال الجبارين ورفضوا فدعا عليهم ، فعاقبهم الله بالتيه ، وحكم بأنهم لا يخرجون منه إلى أربعين سنة .
"اقتربت مني أخذتني من يدي
استلقينا فوق سرير الرؤيا
أربعون سنة من التيه العظيم
اليوم أحن لأناي القديم،
طرقنا ديجور البرايا
ولجنا أفول شروقي
وجدت حروفي القديمة
توسدت حجرا في كهف الغياب"
فالشاعرة في ذكرها (أربعون سنة من التيه العظيم ) تتناص مع قوله تعالى في سورة المائدة
"قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ٢٦"
وفي قصيدة ( ذرني أرفل في صرحي)
ذرني أرفل في صرحي
أرنو إليك...
وأنت...
على عرشك المهزوز
تجلس رافعا عنانك للأرض،
تبحث عن ملكة ورقية
نجمة حرفها عاقر
في عكاظ الحياة ...
نرى أن هناك تناص مع مفردة قرآنية وردت في سورة المدثر والآيات نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي " ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا١١ وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالٗا مَّمۡدُودٗا١٢ وَبَنِينَ شُهُودٗا١٣ وَمَهَّدتُّ لَهُۥ تَمۡهِيدٗا١٤ ثُمَّ يَطۡمَعُ أَنۡ أَزِيدَ١٥ كَلَّآۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِأٓيَٰتِنَا عَنِيدٗا ١٦ "
من المفردات التي وظفتها الشاعرة في ديوانها (بقايا امرأة ) مفردة عرجون ، فقد ظهرت هذه المفردة في أكثر من مكان من الديوان ففي قصيدة (غيث السماء) تقول الشاعرة :
"المعلقين في غضروف الهروب
الحالمين بعرجون الحياة
أنا المعلقة بحبلي السري
تهزني رياح الخماسين
انتظر قدوم غيث السماء
أنشد اشتعال ربيع البوح
على أبواب مواسم الحصاد"
وفي قصيدة أخرى بعنوان (عرجون الاختناق) تكررت مفردة عرجون في أكثر من موقع داخل هذه القصيدة ، فهي عنوان للقصيدة وتظهر أكثر من مرة في متن القصيدة :
"الهجر إثم في بنود النثر،
يُؤرقني هذا الحرف المسهد
في حضن عرجون الاختناق
صُلبت الأمنيات على وتر البعد
هيامك انسل
من بُردة الذاكرة
واستوطن الحنين "
"مزقت عرجون الخوف
وكشفت تجاعيد الخيانة،
تمشي رافعة سَعفها للسماء
كبرياء كستناء برية ... نهلت من عروق فلسطين الآبية،
تحتضِن قبة الصخرة
من مُقل الأعداء "
فالشاعرة قد تناصت مع المفردة القرآنية (عرجون) في سورة يس قال تعالى : " وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ٣٩ "
وكلمة عرجون تعني عذق النخلة الذي يحمل الشماريخ التي تحمل البلح ، فهو بطبعه مقوس شيئاً ما ، فإذا أصبح قديما وتيبَّس سقطت منه الشماريخ وصار أكثر تقوُّساً
اصبح اسمها عرجونا قديما لهذا كانت العرب تتخذ منه القوس الذي تُرمى به السهام ، فالآية المباركة تُشبِّه هيئة القمر حين يكون هلالاً في أول الشهر وآخره بالعرجون القديم ، و وجه الشبه هو التقوُّس الذي يكون عليه القمر في مرحلة الهلال ، ويكون عليه عذق النخلة بعد أن يُصبح قديماً
فكلمة عرجون عند الشاعرة كان لها أكثر من دلالة وتحمل أكثر من معنى ، فهي تحمل معنى القدم ومعنى الزوال والانتهاء ، فعدما تقول الشاعر أنها مزقت عرجون الخوف ، فكأنها تقصد ما بقي من الخوف ولكن كلمة عرجون أضافت للمعنى العامل الزمني .
بقي أن نقول أن التناص الذي وظفته الشاعرة قد أضفى على القصائد الكثير من سمات الجمال وقد استطاعت الشاعرة بثقافتها الواسعة والمتعددة ، وبلغتها القوية الجزلة أن تصل إلى قلب القارئ الذي يبحث عن الجديد والجمال من أفواه الشعراء . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي