الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجريمة في ظل انعدام تقدير الذات العربية

نهى نعيم الطوباسي

2020 / 10 / 24
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الجريمة في ظل انعدام تقدير الذات العربية
نهى نعيم الطوباسي*
سـادت فـي الآونة الأخـیرة حـالـة مـن الإسـتھجان والـصدمـة فـي الـشارع الـعربـي، لـزیـادة انـتشار الجـرائـم بـصور غـریـبة وبـشعة، لأن تـلك الجـرائـم لا تـمت إنـسانـیا ولا أخـلاقـيا ولا دیـنیا لمجتمعاتـنا الـعربـیة وقيمنا بصلة، ولـقد كـثرت التحـلیلات والأبـحاث الـتي رصـدت تفشـي الجـریـمة فـي الـمجتمعات الـعربـیة كـما ونـوعـا. ھـناك مـن ربـط ازدياد الجـریـمة بالحالة الاقـتصادية، والـمشاكـل الاجـتماعـیة الـناتجـة عـنھا كـالـفقر والـبطالـة، أو ضـعف سـیادة الـقانـون. إنـھا أسـباب جـوھـریـة، ولـكن إذا كـانـت تـلك الأسـباب الـرئیسـیة، فـلماذا تنتشـر الجـریـمة أیـضا فـي الـدول الـغنیة، والـمتقدمـة عـلمیا واقـتصادیـا؟
ومـن الـملاحـظ ارتفاع الأصوات والمناشدات بـسن قوانـین صـارمـة بـحق المجـرمـین، بـعد كـل إعـلان عـن جـریـمة، ھـذا مـطلب طـبیعي بـديھـي، أمـلا بـوضـع حـد لھـذا الانـتشار، ولـكن الـسؤال يبقى: ھـل ھـذا الـقانـون وحـده كـفیل بأن یـمنع انتشار الجریمة؟ إذا اعتقدنا ذلك، نكون قد بالغنا في توقعاتنا ، لأننا سنفاجأ بعد فترة بجریمة جدیدة ترتكب، وقد تكون أبشع من التي سبقتھا.
ربما ھنالك مجتمعات تربت على قیم ومعتقدات خاطئة لفترة طویلة من الزمن، مثل أن الثأر بطولة، أو أن ضرب الرجل لزوجته، قد یصل لحد القتل رجولة. إن وجود مجتمعات صغیرة داخل مجتمعات كبیرة، تبث لأفرادھا ھذه المعتقدات الخاطئة، والمشاعر السلبیة كالتعصب سواء الدیني أو الاجتماعي أو السیاسي أو الفكري، والتربیة غیر السویة، والتعلیم الذي يهمل الثقة بالنفس وتقدير الذات للفرد كركیزة من ركائز بناء الإنسان والشخصیة المجتمعیة، واعتبار ذلك تحصیل حاصل أثناء العملیة التعلیمیة، كلھا عوامل ساھمت في انتشار الجریمة أیضا.
إن من يراقب المجتمعات العربية اليوم، يلاحظ حالة الإغتراب التي يعيشها المواطن في وطنه، وضعف تقدير الذات، وغياب الشخصية العربية الحقيقية، نتيجة فكرة التخلف التي سيطرت لسنوات طويلة، كمحصل أساسي لما أفرزته العولمة، و الانفتاح غير المضبوط، وتشويه حضارة وفكر الأمة العربية من قبل قوى عالمية. هذه الأيام نلاحظ تلك العبارات التي نسمعها مثل " والله قليلون أمثالك هذه الأيام، أو الصدق ، أو الشهامة صار شيئا نادرا" إنها حالة مؤلمه ، أن يعتقد المواطن أن الخير والقيم السامية أصبحت استثناء في الوقت الحاضر!
إن حالة الصراع التي يعيشها المواطن العربي في قرارة نفسه، بين إيمانه بذلك المجتمع، و بين الرفض له. أدت إلى حالة عدم الاتزان الداخلي، التي يعيشها الوطن العربي وهزيمة الذات العربية، وبالتأكيد هي عامل أساسي لتفاقم الجريمة، والحل قد يكون بالتوازي بين سن قوانين عقوبات أكثر صرامة بالتعامل مع تلك الجرائم، ومواجهة المؤثرات الداخلية على الشخصية العربية، من أجل التصدي لتفشي الجريمة، وأثرها النفسي والاجتماعي وحماية المجتمع من التفسخ والانكسار.
إن الرادع الأخلاقي يجب أن لا يكون سببه الخوف من عقاب القانون، بل أن ينبع من الضمير الحي، ومن الحرص على الذات الإنسانية. ولا بد من إعادة بناء ثقة الإنسان العربي بنفسه وبعروبته ومجتمعه وحضارته، وتعزيز روح المواطنة والإنتماء للوطن، أن يؤمن الإنسان العربي بقيمته الحقيقية كأهم ركيزة للبناء، وتكريس أن ذات الوطن هي جزء من ذاته، وأن الوطن هو الحاضنة الأساسية له. لذلك إن نشر الأمن والحفاظ على استقرار المجتمع ، ليس فقط مسؤولية السلطة، و إنما مسؤولية تشاركية وشاملة، تقع على عاتق الجميع، مؤسسات وأفرادا، جامعات ومساجد وكنائس.
إن الاستقرار الاجتماعي، والرقي الأخلاقي، هي طريقنا للابتكار والتقدم. وفكرة التخلف هي خرافة، فضعفنا الاقتصادي لا يعني تخلفنا، بل التخلف الحقيقي عندما تنهار القيم، ويسود الجهل بما تمتلكه ذواتنا من إمكانيات، التخلف أن يساهم البعض بزعزعة استقرار مجتمعاتنا، تخيلوا كيف يمكن أن ننشئ أجيالا تعيش في حالة القلق والخوف، كيف يمكن لأطفالنا الذين مرت عليهم الفيديوهات المروعة لتلك الجرائم، أن يناموا ليلتهم بهدوء دون أي قلق، كيف ستخطط أجيال بأكملها للمستقبل في ظل واقع مربك تعيشه على كافة الأصعدة، يجب أن نبدأ بمعالجة جذرية لحالة تفشي الجريمة وتداعياتها، بحيث تبدأ من إعادة الإعتبار للقيم التي تراجعت بمجتمعاتنا كالتسامح والتـآخي والتكافل الاجتماعي، أي برمجة العقل المجتمعي العربي على خطاب الحب والإنتماء لا على خطاب الفرقة والكراهية، وعلى القيم الإنسانية الأصيلة التي امتازت بها الشخصية العربية، من أجل الخروج من المأزق الذي تعيشه مجتمعاتنا اليوم.
فمساهمة الفرد بالتغيير نحو الأفضل، ليست بحاجة إلى مرسوم، إنه منهج رباني و إنساني وحضاري، قال تعالى" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ". ما تحتاجه مجتمعاتنا للنهوض والرقي، هو حب حقيقي وفعلي لأوطاننا، لنربي أبناءنا على الثقة بأنفسهم، والإيمان بقدراتهم. وأنهم ثروة الوطن الحقيقية، لنتغنى بقصص المروءة والأمانة والصدق التي امتازت بها العروبة، ونذكر أن هذه هي بذرتنا الحقيقية، فلنسق تلك البذرة بالحب والانتماء والخير. فلنحصن بيوتنا، وذواتنا بالحب والانتماء للوطن. مؤلم أن نروج للشخصية العربية على أنها شخصية غير سوية، وعنيفة ومتخلفة، لا بد أن نكون حذرين أننا نبث في لحظة غضب و استهجان، مقولات تزيد من حالة الإغتراب والإرباك التي يعيشها المواطن العربي، تحريض غير واع للهجرة والتخلي عن إيمان الفرد بمجتمعه.
إننا جسد واحد، وما يجمعنا أقوى من كل الحدود، إنه الدين والتاريخ والقيم والحضارة العريقة، لا يجب أن نسمح بأن يمزق نسيجنا العربي، وقوة مجتمعاتنا، وتماسكنا واستقرارنا. وإن أي جريمة في أي مدينة في مجتمعاتنا العربية، تهدد أمن و استقرار كل المجتمع العربي، والجريمة الكبرى أن نقف متفرجين أمام انهيار حضارتنا، والتشويه الذي يمس عروبتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ