الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تخريب وطن غير عكوس

منذر خدام

2020 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


بات كثير من الموالين يحمل النظام مسؤولية عدم إدارة الأزمة بصورة صحيحة، بل صار بعضهم يقول بأنه كان بالإمكان منع تفجرها منذ البداية لو أن قادة النظام كانوا جديين ونفذوا ما وعدوا الناس به في بداية عهدهم الجديد من اجراء إصلاحات عميقة على النظام وسياساته. بعد عشر سنوات من عمر الأزمة لم يعد كثير من الموالين يحسبون أن ما جرى كان حتمياً، وأن سورية بسبب من مواقفها الصامدة والممانعة تدفع الثمن، وهم بذلك بدأوا يقتربون كثيرا من المعارضة الوطنية الديمقراطية في رؤيتها لأسباب الأزمة، ولما كانت تحذر منه من نتائج كارثية على البلد والشعب في حال استمر النظام في نهجه. وهكذا بدأت تنزاح من تحليلاتهم مسألة أن وجود مؤامرة كونية على سورية ونظامها، وأنها هي السبب الوحيد لأزمة سورية، وباتوا يحسبون النظام طرفاً من أطرافها، على الأقل بصورة موضوعية، أي نتيجة لفشله في تحصين البلد والشعب ضدها بداية، وفي منع حصولها تالياً، ومن ثم فشله في إدارتها بعد حصولها.
في الواقع لم يعد الحال يقتصر على الموالين والذين في غالبيتهم من البعثيين او من الأحزاب المتحالفة معه، أو من المستفيدين منه، بل صار صوت قطاعات واسعة من أفراد الشعب مسموعا في نقده للسلطة ولنظام الحكم، بسبب ما صار يعانيه هؤلاء من ضنك العيش، وعدم توافر مقوماته إلا بأسعار عالية لا تتناسب مع القوة الشرائية المتاحة لديهم. ومع ان نقد هؤلاء لا يتعدى السباب على الحكومة والمسؤولين، لكنه في حال استمرار الضغط على مقومات العيش الكريم، قد يتحول إلى نقد سياسي يؤسس لوعي الأزمة وأسبابها والمخارج منها، وهذا مهم جدا كرأسمال يمكن توظيفه سياسيا من قبل المعارضة الوطنية الديمقراطية في أية عملية تغيير مستقبلية.
المشكلة منذ البداية أن النظام اختار الحل العسكري الأمني، وسيطر عليه وهم يفيد بأنه بمجرد انجاز الانتصار العسكري على المجموعات الجهادية المتطرفة، سوف تعيد الدول المتدخلة في الأزمة السورية تقويم مواقفها السياسية، وتنفتح عليه، وتدعمه، وهذا لم يحصل. الذي حصل هو العكس فالدول التي تدخلت في الأزمة السورية عسكريا لصالح المجموعات الجهادية المتطرفة، استمرت في تدخلها سياسيا واقتصادياً في مناطق نفوذها، وهي تريد ثمنا لهذا التدخل على شكل امتيازات سياسية وامنية وربما اقتصادية في المستقبل كنتيجة لأي حل سياسي للأزمة السورية. وحتى الدول التي وقفت إلى جانبه عسكريا صارت تطالب بثمن هذا التدخل على شكل امتيازات سياسية واقتصادية، وحتى عسكرية أمنية. باختصار صارت جميع الأطراف الدولية في الأزمة السورية تتنافس (بل تتصارع) من أجل تحقيق ثمن تدخلها فيها على شكل مكاسب سياسية أو اقتصادية او أمنية، وكل ذلك على حساب مصالح الدولة السورية، ومصالح شعبها. أمام هذا الواقع صار لدى كثير من السوريين من الموالاة والمعارضة قناعة بأن السلطة السورية فاقدة للقدرة على اتخاذ أي قرار وطني مستقل، بسبب هيمنة إيران وروسيا عليها، حالها حال المعارضة الخارجية شريكتها في مسار جنيف التي هي الأخرى لا تملك من زمام امرها شيئاً بسبب هيمنة الدول الداعمة لها عليها أيضاً.
مشهد سورية اليوم هو مشهد لوطن مخرب في العمق، ولشعب ممزق الهوية الوطنية، يصعب عكسه في المستقبل المنظور للأسباب الآتية:
1-الجغرافيا السورية ممزقة إلى مناطق نفوذ وسيطرة لكل من أمريكا وتركيا وروسيا وإيران،
ولكل منها مطالبه الخاصة في أية تسوية سياسية محتملة. بكلام آخر لا يمكن استعادة سيادة الدولة السورية على كامل الجغرافيا السورية بدون تحقيق مصالح هذه ا لدول وهي مصالح لا تتوافق مع مصالح الشعب السوري.
2-بروز الهويات الصغرى على حساب الهوية الوطنية السورية. اليوم للأسف باتت الهويات الطائفية والمذهبية والجهوية من عائلية وقبلية وعشائرية وحتى العشائرية والقبلية هي المهيمنة على المشهد الاجتماعي والسياسي في سورية، مما أضعف كثيرا من الروابط الوطنية.
3-حجم الكارثة الاقتصادية الهائل، إذ تقدر مصادر مختلفة ان الخسائر المباشرة في العمران السوري وفي الطاقات الاقتصادية يزيد عن 400 مليار دولار، وبحاجة لمثلها لإعادة الإعمار، عداك عن تمزيق الروابط الاقتصادية بين مختلف مناطق البلاد.
4-حجم الكارثة الاجتماعية الهائل أيضاً، إذ تسببت الأزمة بمقتل نحو مليون سوري، ولا يقل عن هذا العدد من الجرحى، وبنتيجة ذلك فقدت نحو مليون فرصة زواج، ونحو مليوني طفل خارج المدارس، وسبعين ألف طفل غير شرعي، عداك عن مغادرة نحو نصف سكان البلاد لمواطن عيشهم، سواء في نزوح داخلي او هجرة خارجية.
5-تفاقم الوضع المعيشي للسوريين في الداخل، من جراء الغلاء الفاحش، والقوة الشرائية المتدنية جداً. بحسب العديد من المصادر، رسمية وغير رسمية، صار نحو 85 % من السوريين تحت خط الفقر الدولي (دولارين في اليوم). من المحزن والمؤسف أن بعض السوريين في الداخل وتحت ضغط ظروف الحياة القاسية بدأوا يعملون كمرتزقة لدى الروس.
5-إصرار النظام على النهج ذاته في إدارة الدولة والمجتمع، رغم كل ما حل بسورية والسوريين، ورفضه لأي حل سياسي وفق المرجعيات الدولية، وبصورة خاصة القرار 2254، وبروز خلافات جدية بين حلفاء النظام (أيران وروسيا) وبينهم وبين النظام، مما يؤشر على استمرار معاناة السوريين.
6-إفلاس المعارضة شريكة النظام في مسار جنيف، وتحول قسم منها إلى مرتزقة يرسلهم مشغلوهم إلى ساحات القتال في ليبيا وأذربيجان وربما غيرها.
7-عدم انفتاح النظام على المعارضة الوطنية الديمقراطية، والتي هي بدورها لا تزال مشرذمة، ومتنافسة.
ويبقى السؤال أمام هذا المشهد الكارثي، ما هو رهان السوريين؟!! بحسب بعض المعلومات يفضل السوريون الهجرة لو أتيحت لهم، لكن يوجد رهان آخر أخذ بالوضوح أكثر فأكثر يتعلق بتسوية محتملة مع إسرائيل برعاية روسية أمريكية، يتلوها تطبيع كامل، ومن ثم تسوية سياسية، وانسحاب القوات الأجنبية، وتطبيع للأوضاع في الداخل، ودعم خارجي لإعادة اعمار البلد، بحسب تسريبات بعض المصادر العربية، وألمح إلى ذلك مهدي دخل الله عضو قيادة البعث على قناة تلفزيونية رسمية، أو كما ألمح إلى ذلك الرئيس ذاته في مقابلة مع وسيلة اعلام روسية. كم هو محزن ان قلب العروبة النابض صار الشعب الذي كان يحمله في صدره يريد مخرج من الوضع الكارثي الذي تسبب فيه النظام والإخوان المسلمين والقوى الجهادية المتطرفة، والتدخلات الخارجية، بالتطبيع مع إسرائيل وفق شروطها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا