الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزمن لا يرحم احد … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 10 / 25
الادب والفن


تفتحت سميّة كوردة في ربيعها ، واكتمل نضجها … شابة ممشوقة القوام ذات جمال خلاب يأسر القلوب ، ويوقظ الاحلام ، وينعش الامال في قلوب الشباب التواق الى الارتماء في احضان الحب بلا كلل ، ولا ملل … تبدو للناظر ، وكأنها جذوة من نار لا يجروء احد على لمسها … اعتادت ان تنظر في المرآة صباح مساء ترى فيها جمالها الاخاذ فتهيم غرورا ، وخيلاءً ، وتمتلئ كبرياءً ، وضمئاً للحياة ، وجنونها … ثم قالت لنفسها من هو سعيد الحظ الذي سيقطف هذه الوردة الرائعة ، ويستنشق شذا عطرها ، ويمتص رحيقها … ؟ واقسمتْ إلا ان يكون ذا مواصفات لا تقل عنها … من وسامة ، وظرف ، وغنى ، وجاه ، وحسب ، ونسب !
وهكذا تشرنقت على هذه الشروط الصعبة لمن ارادوا من الشباب التودد اليها ، وخطبتها طمعا في الزواج من حورية الحي الجميلة الساحرة … ولكن السنين لا تمهل احدا فتمر مسرعة كالسحاب ايام الخريف … وتحركت بها الايام لتلقي بها الى ما بعد الثلاثين ، وهي ترفض هذا ، وترفض ذاك لاسباب ، وحجج واهية ، ولم يستطع احد ان يرخي قبضتها على شروطها بالزوج ، ورجل الاحلام …
ومع ذلك لم تفقد سميّة روعة جمالها ، ولم تهدهد السنين شيئاً من كبرياءها ، وغرورها حتى اصاب اليأس شباب الحي من محبيها ، وعشاقها ، وتبعثروا بين متزوج ، وراحل الى مدينة اخرى او مهاجر الى بلاد ثانية … وحل محلهم جيل جديد لم يكن ينظر الى سميّة نظرة من سبقوه … وهي غافلة عما يسرقه الزمن من اشهر ، وسنين العمر … !
ولم يبقى من ذلك الجيل الا … عرفان … شاب وسيم الطلة كريم الاخلاق لا ينقصه شئ الا فقره ، ولكنه مع ذلك بعيد كل البعد عن شروط سميّة المتعجرفة في الزواج … رغم هيامه بها حبا ، وعشقا … فهو لا يزال يذكر ذلك اليوم المحفور في الذاكرة ، والذي تقدم لها مجربا حظه كبقية شباب الحي … يدفعه حبه الجارف لها ، وصدق نواياه ، وكيف استقبلته بعينيها اللامعتين ، وهي تحدق به ، ولسان حالها يقول كيف تجرأت ، وتجاوزت حدودك … ثم تطرده شر طردة محمِّلةً كلماتها رنةً ثقيلة ، ومؤلمة من السخرية اللاذعة … وانزوى بعد ذلك بعيدا مؤثرا الحفاظ على ما تبقى له من كرامة ، وعزة نفس … !
ولكن عدّاد السنوات يعمل دون توقف … ودفع رفضها المتكرر الشباب الى العزوف عنها خوفا من الرفض … ولم تستيقظ من غفوتها الا وهي قد شارفت على الاربعين ، وتبدء تلك الوردة الريانة بالذبول شيئاً فشيئاً ، ويتبخر الكثير من سحرها ، وجمالها ، وبدءت قبضتها تلين ، وشروطها تتبعثر ، وتسقط هنا ، وهناك حتى لم يبقى منها شئ … ولكن بعد فوات الاوان … فلا احد يطرق الباب ! وبدءت تشعر بالوحدة القاتلة ، وبحاجتها الى انيس ، وحبيب يدفيء فراشها ، ويبعث في روحها ، وجسدها انفاس الحياة … !
تشعر سميّة بالخوف ، وهي تنظر في المرآة ، فلا تجد في صورتها تلك الفتاة الجميلة التي اعتادت ان تراها قبل سنين … كل ما كانت تراه امرأة تعلو وجهها تجاعيد ، واخاديد السنين ، وشحوب قابض على محياها ، وكل امارات الحسن التي فتنت بها الشباب يوما قد ولت الى الابد … وكم شق عليها المنظر ، وعصر قلبها حتى بكت ، وبكت ، وكأنها تغسل بدموعها ما اعتراها من ندم ، وخوف ، وياس … فاصبحت تعيش فزعا لا يسكن الا ليثور … وادركت انها ضحية غرورها وكبريائها … ثم حركت راسها ، وكأنها تطرد ذكرى ايام لا تريد ان تتذكرها … !
اين كانت في تلك السنين التي ضاعت من العمر ، واين كان عقلها … ؟ الم تحسب يوما حساب هذا اليوم … ما هذه اللعنة التي سلطتها المقادير عليها ، والتهمت خير سنين حياتها … كم كانت تتصور ان الجمال نعمة ، وهبة الاهية … ! ولكنها تمادت وطغت في تفاخرها بذلك الجمال ، ونسيت بان لكل شئ نهاية … ولم تحسب انه سيأتي يوم ، ويتلاشى … كالوهم بعد ان تعريه الحقيقة !
واليوم بدت وكأن عديد السنين يطبق عليها ، ويكاد يخنقها حتى باتت تشعر ، وكأنها تنوء بحمل عمرٍ طويل … وتضخم إحساسها بالهزيمة ، والانكسار … وبانها دفعت ثمنا باهضا من حياتها لا يعوض … رغم محاولات بعضا من صديقاتها بعث الامل في روحها مدعيات بانها لاتزال جميلة ، ومقبولة … وبعد ان بدءت ظلمة اليأس ، والاحباط يتسللان الى نفسها ، وتسقط امامها اسطورة جمال كان ، ومضى … كما يمضي الحلم ويتلاشى بعد لحظات من الاستيقاظ … بدءت تنظر هنا ، وهناك ، وتبحث في الوجوه ، وتستطلع النوايا ، وتشمشم الاخبار ، وكأنها تتسول رجلا فلا تجده … عريسا بدون شروطٍ مسبقة هذه المرة … !
ويوما هجمت على خاطرها ذكرى ذلك الشاب الفقير الذي طردته يوما دون ان تسأله حتى عن اسمه ، ولم تعد تراه منذ سنين لا تذكر عددها ، وقد انساها الزمن حتى ملامح وجهه ، ولا تعرف له مكانا في هذه المدينة المكتظة ، والصاخبة …
وفي يوم يكون فيه للقدر كلمة … تذهب فيه سميّة بصحبة اهلها الى احد المتنزهات ، وكان المكان مزدحما بالمتنزهين وعوائلهم ، والمساء رائعا ، والجو مائلا قليلا الى البرودة يعابثه نسيم رقيق منعش يبعث النشاط في الجسم ، والامل في الروح ، والسعادة في قلوب الزوار ، واذا بها امام رجل لا تعرفه ، ولم ترى سحنته في حياتها او هكذا خيل لها يقف امامها ، وكأنه قد عرفها … يضمها بعينيه مبتسما بود صادق … خفق قلبها خفقة مفاجئة … ثم ساد بينهما صمت يكاد ينطق ، وبعد ان القى التحية ذكرها بنفسه … اقتلعت الدهشة قلبها ، ولم تجد ما تقوله … تذكرته ، وتذكرت ما كان بينهما عندما اعمى الغرور بصرها ، وقلبها يوما … ثم سألها عن صحتها ، واخبارها… حتى بدت له بصورة ما كاد يصدقها … عندما اعتذرت له عما بدر منها ذلك اليوم … !
ابتسم بخجل ، وهو يستقبل اعتذارها بتواضع جم … واثناء حديثهما جاء طفل ابن الرابعة او الخامسة راكضا ضاحكا متشوقا لعناق والده فتعلق بالرجل … تعانقا ، وقبّل الاب الطفل ثم داعبه … بدت على الاثنين فرحة صافية ، ومرت لحظات حتى تبعته امرأة ، وهي تنادي باسم ولدها ضاحكة ً، والسعادة تكاد تفر من عينيها … ابتسم عرفان ، وقال لها انها زوجته ، وهذا ابنه … كانت تبدو عليه سعادة هو الاخر لا يمكن ان تخفى على احد … ثم القى تحية الوداع ، وغادروا جميعا ، وهم يتضاحكون ، ويتقافزون حتى تواروا بين الزحام …
ذهب عرفان تاركا صمتا ثقيلا في المكان … لاحقتهم سميّة بنظراتها ، والدموع تتجمع في عينيها … شعرت بعضات من الندم ، وبماء دافيء ينحدر من مقلتيها ، ويبلل وجنتيها ، وينحدر حتى لامس اطراف فمها … اخرجت منديلا ، ومسحت وجهها … ثم استسلمت لاشجانها ، وتركت دموعها تواصل الجريان … !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان