الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العاطفة الدينيّة وتناقُضات العقلِ العربي

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


مِن أكثر أنماط التجارة شيوعًا في هذه الأيّام ؛ هو نمَط التجارة بالدّين، فكثيرًا ما نرى حاكمًا يحتَضن كتابًا مُقدّسًا، أو ينصبَ لهُ نصبًا أمامَ مسجدٍ أو كنيسةٍ أو معبَدٍ حتى، مع أنّ قلبهُ وفكره تجاه الدين الذي ينتمي إليه، يكونا كدُميةٍ راكدة في قاعِ بركةٍ مِن الماء . لكن، لا يكون ذلك إلّا مِن أجلِ إستدراج واستقطاب الشعوب التي تُجر وفقًا لعواطِفٍ دينيّة مُشتعلة، تملِك مِن زمامِ السيطرة على الشّعوب ما لا تملكهُ عواطِف أُخرى ..

إنّ كُلّ حملاتِ المُقاطعة التي تتِم الآن على مواقع ما أُسمّيه " التراشُق الإجتماعي"، والتي جاءت على أساس أنّها نُصرةً لرسولنا الكريم، هي بوجهةِ نظري المتواضِعة، حملاتٌ لَن تُجدي نفعًا، ولَن يكون لها بالغُ التأثير على تلكَ البُلدان التي أساءت للرسول - سواء أكانَ ذلك بالرّسوم الكاريكتيريّة، أو بالكلمات والخطابات المنبرية-، كما لها -أي تلكَ البُلدان- بالغ التأثيرِ على سياستنا والتحكّم بأنماط وأشكال وطبيعة عيشنا، إذ أنّها ومِن خلالِ استعمارها لنا، هي مَن أوجدَت الدساتير التي قامَت عليها أوطاننا، وسارَت عليها منذ قيامها، وما زالَت إلى يومنا هذا تسير عليها . وأرى مِن خلال الخارطة السياسية المرسومة للمنطقة برمّتها، بأنّها ستستَمِر إلى زمنٍ ربما سيكون زمنًا طويلًا جدًا ؛ والسّبب في ذلك ؛ أنّ أبناء المنطقة اعتادوا على الإكتفاء بالكتابة والقول، بينما قياداتهم اختباؤوا في كهوفِ الشّجبِ والاستنكار، والتحفوا لحاف التّنديد لموجات العداء الصارخة التي تضّرب شؤاطئهم، وعلى الوجه الآخر كانوا وما زالوا جهابذَة تلكَ البُلدان، لَم يعرفوا إلّا السّير في طريقِ الأفعال التي يرومونَ لها، فكَم مِن التحزّبات والتحالفات التي لاقَت نجاحًا واسعًا في محيطنا العربيّ والاسلاميّ، كان وراءها قُطبينِ مِن أقطابِ القوّة في العالَم، وصُنّاع القرار السياسي والتّاريخي، ليس فقطَ في الدول الأوروبيّة، بل على مستوى أضيقِ الرّقع على مُستوى العالمِ أجمَع، وكانَ مِن أحد القُطبين ؛ فرنسا التي تروّج ضدّها اليوم كُل حملاتِ المُقاطعة .

ليسَ ربطًا بينَ قضيّةٍ وأُخرى، حتى لو كُنّا نعتَرِف ونُقِر بأنّ قضيّة الإساءة لرسولنا الكريم، لا تسقُط في فخّ المُقاربة والمُقارنة بقضيّةٍ أُخرى، بصرفِ النظرِ عن ظروف وما ستؤول إليهِ هذه القضيّة الأُخرى . لكن، ولربّما مُصادفةً، ما جعلني أتحدّث بالجمعِ والقيامِ بعملِ مُقارنة بين قضيّة الإساءة للرسولِ وأحداث لُبنان التي جرَت مؤخرًا ؛ هو أن الطرَف الثاني في هاتينِ القضيّتينِ، قد تمثّلَ بالقيادة الفرنسيّة، التي استعمرَت هذه البلاد لعقود، والتي لاقَت ترحيبًا واسعًا مِن بعضِ الشعوب العربيّة، وفي مُقدّمتها الشّعب اللُّبناني، إذ كانَ هذا التّرحيب قد ولِد نتيجة العقليات الاستبدادية والقمعيّة التي تُفرَض على الشّعوب العربية، وترزَح تحت وطأتها، وتجسّدَ هذا التّرحيب في زيارةِ ماكرون -الذي كانَ رجُلًا سياسيًا مُقرّبًا مِن الشّعوب قبل أسابيع، بل مطلبًا هو واستعمارِه، وأصبحَ اليوم مُعتليًا قائمة الإرهابيين القذرينَ في نظرِ العرَب- لفيروز التي تُعتبَر رمزًا للفنِ العربيّ، ويعتقد الكثير مِن أبناء الشّرق أنّها منارته . ما ساقني إلى السّيرِ في طريقِ هذه المُقارنة، هي أنّ هذه الإساءة الماكرونيّة لرسولنا الكريم، لَم تكُن الأولى ولن تكون الأخيرة، فكيفَ لاقَت زيارتهُ الأخيرة إلى الأراضي اللُبنانية ترحيبًا وسعًا، وصدًا ما زالَ يتردّد إلى اليوم، وهو وقيادات بلادهِ السابِقة، كانوا قَد انتهجوا هذا النّهج فيما سبَق . أليسَ بهذا سوء تصرُّف، وقلّة فِطنة، تتّبعها الشعوب العربية، وهي بذاتها اليوم تدعوا لحملات مُقاطعة ؟!

لذا، أؤكِد على قولي، بأنّ نَصر الرّسول -صلّ-، لا يكون بسحب الجُبن الفرنسي مِن الأسواق، ولا بمُقاطعة كازيّات " توتال"، ولا حتى بكسرِ عُبوات العطور الفرنسيّة . فالمُقاطعة بمُختلفِ أشكالها، تقريبًا، والتي أؤمِن بتأثيرها في الكثيرِ مِن الصراعات والنّزالات، لَن تؤلِم كُل مَن أقدمَ على الإساءة لما هو بالنسبة لنا مُحرمٌ الإساءة إليه، وخاصّة أنّهُ كان قَد دُعيَ لمثلِ هذه الحملات سابقًا، ولَم تكُن مبنيّة على منهجيّة مُستقبليّة . فلَن تدفَع هذه المُقاطعات المُسيء على الكَف عَن إساءته والتَراجع، إن لَم يكُن الإعتذار منّهجهُ .

فثمّة أمورٌ أكثر أهميّة، ولديها مِن النجاعة ما لا تملكهُ حملات المُقاطعة التي تُقتصر على ما ذُكِر آنفًا، ولربّما مِن هذه الأمور، ما يستطيع أن يتّخذهُ كُل مَن تنطبق عليه:

- سحِب كافة الأرصدة مِن البنوك التي تنتَهج نهج الإساءة .
- بيع كُل الإستثمارات الشخصيّة العربية على تلك الأراضي .
- إيقاف كُل الرحلات العلاجية إلى تلكَ البلاد .
- تجميد أي مُعاملات ماليّة، بصرفِ عن العوائد المالية المتعلقة بهوامش الرّبح .
- تعطيل كافّة رحل السياحة والإستجمام .
- توقيف كُل الاتفاقيات مع تلك البُلدان .

وهُناك ما هو أكثر أهَميّة مِن ما ذُكر، ألا وهو كيفيّة الرّد والتصدّى، ومواجهة التغوّل لقيادات تلكَ البُلدان، والوقوف أيضًا في وجهِ الدور السياسي الذي تلعبهُ، بل تتحكّم به قيادات تلكَ البُلدان في المنطقة، ولربّما، سأخصّص لهُ مقالًا فيما هو قادِم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج