الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارهاب..المواقف والمواقع

موفق الرفاعي
كاتب وصحفي

(Mowaaffaq Alrefaei)

2006 / 7 / 11
الارهاب, الحرب والسلام


سنوات مرت طويلة وثقيلة على الشعب الأفغاني، اضطُهد فيها على يد عصابات طالبان... صودرت فيها أبسط حرياته الشخصية و مشاعره وأحاسيسه الإنسانية ، وانتمائه التاريخي, وذوقه الفني, قبل أن يستيقظ العالم على دوي انفجارات اصطدام الطائرات ببرجيّ مبنى التجارة العالمية, مخلفة آلاف الضحايا المدنيين الأبرياء، وشرخاً في الشخصية الإنسانية المعاصرة جراء الصدمة النفسية الهائلة التي أفقدته توازنه الوجداني حتى الآن.
فهل الذي حصل كان ضرورياً أن يحصل لتتعرف الإدارة الأمريكية من خلاله على حجم الخطيئة التي ارتكبتها مؤسساتها الإستراتيجية والاستخباراتية بحق شعوبها وبحق الإنسانية حين كانت مختبرات تلك المؤسسات تقوم بتصنيع هذه الروبوتات المعممة, والتي ارتدْت عليها بمجرد أن أنهت مهامها المقدسة التي أوكلت إليها في مواجهة اليسار العالمي؟؟
إن أولى النظريات المتخيلة للروبوت: أنها ربما تجاوز قدرات الإنسان ذاته في السيطرة على أفعالها!! وهذا ما حصل فعلاً بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان, وما تبع ذلك من فكفكته إلى عناصره الأولية وتهاوي ما كان يطلق عليه بالكتلة الاشتراكية تحت ضربات مطارق واقع دولي تجاوز كثيراً مقولات (الماركسية واللينينية).
كان روجيه غارودي من أوائل من حذروا- أواسط الستينات من القرن الماضي- من نتائج الركود الأيديولوجي، غير أن السلفويين (الماركسيون-اللينينيون) لم يصغوا جيداً لتلك التحذيرات، بل اصروا على اعتبار غارودي منشقاً تأثر بالليبرالية الأوربية، وفي أحسن الأحوال: تحريفياً!!
وقتها كانت حركات التحرر العربية والأفريقية والأمريكية اللاتينية منحازة أيديولوجياً وتسليحياً للاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية... كان الجميع يواجه عدواً مشتركاً هو (الإمبريالية العالمية) وأنظمة محلية (يمينية متخلفة)- طبعاً بمقاييس تلك الفترة- وكانت الكتلة الاشتراكية ومعها اليسار العالمي تغمرهم نشوة النصر الذي تحقق على يد الفيتكونغ،وتغمرهم أيضاً مشاعر الشماتة وهم يرون السفير الأمريكي في فيتنام متدلياً من طائرة مروحية تاركاً وراءه كل الفيتناميين (المتعاونين!) في سباق مع الزمن لإيصاله إلى البارجة الأمريكية قبل أن تطاله نيران الثوار.
وفي ذروة تلك النشوة ارتأى قادة الكريملن أن من حقهم بعد كل هذا العناء أن يروّحوا عن نفوسهم ولو قليلاً ويتجاوزا الجدار الحديدي للتنزه في حديقتهم الخلفية والاستحمام قريباً من المياه الدافئة.
وقد ظهر حينها ان (الاشتراكيون) لم يكونوا اقل حيلة من (الامبرياليون)في استخدام المظاهر الدينية ، حين ارسلوا طليعة المحتلين لافغانستان من شعوب الاتحاد السوفييتي المسلمة ، فكانوا يصرون على الصلاة بمحاذاة دباباتهم امام اعين الافغانيين الذين لم تنطل عليهم هذه البروباغاندا المستهلكة.
وقتها أدركت الإدارة الأمريكية أن عليها سريعاً استثمار هذا الخطأ الستراتيجي القاتل فقامت بحشد اليمين العالمي كله لمواجهة اليسار العالمي كله!!
وكان لابد لهذه الحرب من (لوغو) مقدس، وكانت أمريكا لاشك تعلم أن تحالف التاجر، السياسي، ورجل الدين كان منذ القدم هو التحالف الأكثر تماسكاً من بين جميع التحالفات، والاكثر جدوى، وهو إضافة إلى ذلك لا يكلفها سوى القليل:بضع كلمات تقال عن وعود مؤجلة ليقدم الكثير من البسطاء أرواحهم قرابين رخيصة ، وأموالهم في سبيل ذلك بسخاء ليس له حدود، يقوم بالدعوة الى ذلك رجال (مقدسون!) "الراد عليهم كالراد على الله...!" .. أليسوا هم في مواجهة مع (الشياطين الحمر!!)؟
وبمساعدة فاضحة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـCIA تشكلت (الكتيبة الخضراء!) ورُفعت الرايات الخضر ايضا ليشن (الموحدون !) حربهم المقدسة على (الملحدون !) باسم الإسلام، وبدماء المسلمين، وبالبترو دولار العربي الإسلامي،ولأهداف –لاشك- بعيدة كل البعد عن أهدافهم، فكان أن انتصر (الإسلام!) على (الشرك والإلحاد!) وبفضل الدعم الذي قدمه (أهل الكتاب!). ولأن المخابرات الأمريكية وكما يبدو لم تطلع على مفهوم (التقية) الإسلامي فقد وثقت كثيراً بالحركات الإسلامية الأفغانية التي أخذت تقتتل على الحكم فيما بينها حتى استطاعت مجموعة من طلبة المدارس الدينية في كابول (طالبان) مستغلة الإنهاك الذي أصاب الأطراف المتقاتلة لتستولي على كابول وتتوسع شيئاً فشيئاً حتى سيطرت على أكثر من 90% من مساحة أفغانستان. وعلى مرأى ومسمع العالم كله ومن ضمنه طبعاً الولايات المتحدة الأمريكية، أخذت جماعات الطلبة تقدم إسلاماً لا يمت بأي صلة حتى لأسوأ الفترات الإسلاموية عبر التاريخ... حرموا على المرأة الخروج من البيت إلا في حالة الضرورة القصوى فإذا خرجت فعلى أن لا يظهر منها شيء فحرمت تبعاً لذلك من التعليم لأن الذهاب إلى المدارس ليس من الضرورات، وكان يحلو لهم إعدام ضحاياهم من النساء علناً وفي ملاعب كرة القدم التي انتفت الحاجة إليها بعد تحريمهم للرياضة (الكافرة!) وارتدّوا على الشباب فحرّموا عليهم حلاقة لحاهم، والزموهم بلباس يعود إلى قرون موغلة في القدم ،لأن الجينز وغيره من الأقمشة (الغربية!) هو تشبه بالكفار!! فقطعوا الرؤوس ورجموا وجلدوا علناً في الساحات العامة بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية افتآتاً على الله، واستداروا نحو تاريخ البلاد فهشموا شواخص الآثار فيها ونسفوا التماثيل التي أبدعها الإنسان كأرقى ما يكون الإبداع الفني لأنها "أصنام تعود إلى فتراة وثنية سابقة". وفي حين القرآن الكريم يوصي أتباعه بانتهاج الحكمة والموعظة الحسنة بالدعوة إلى الله والى الدين كان طلبة المدارس الدينية في كابول يصرون على التعامل مع المسلمين بالتي هي أسوء، ولا تحلو لهم الدعوة إلا بالعصي وبالهراوات وحتى بالسيف إن لزم الأمر.
وانقلب السحر على الساحر-كما يقولون- وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية العدو رقم واحد لتلك الروبوتات التي تخرجت من مختبراتها والتي فقدت السيطرة عليها.
كانت الحركات الإسلاموية متسقة تماماً مع مفاهيمها في تفسيرها الانتهازي للتقية، فكانت لا ترى حرجاً في هذا الانقلاب على أصدقائها مع شيء من الوهم أنها انتصرت بفضل قدراتها الذاتية وبفضل قدسية القضية التي قاتلت من أجلها حيث استحقت المدد السماوي!!.
وكانت أمريكا تغط في وهم عميق عن الوفاء وعن الديون المستحقة وعن الفضل، ولم تفق من ذلك الوهم إلا على أصوات الانفجارات في نيويورك وواشنطن، عندها فقط قررت الحرب على ما أسمته بالإرهاب مستغلة ما حصل لاستيفاء استحقاقات تراها من حقها وحدها كقوة وحيدة في هذا العالم الصغيرجدا ، ولتخلط الأوراق وتخترع المحاور والأعداء معاً من أجل نهم إمبريالي أصيل وشفاء لما في صدور اليمينيين والمتصهينين الجدد من الإسلام ومن العروبة في أشمل وأشرس حرب صليبية أعلنت عن بدايتها فلتات لسان بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر مباشرة.
كان بوش الابن يحاول أن يضع اللمسات الأخيرة على صورة العالم التي هيئها له أسلافه من اليمينيين خاصة والده الذي فشل في إرهاب دول العالم عن طريق هزيمة الجيش العراقي عام 1991 فقد كان يعتقد "أنه بسبب ما حدث- أي للجيش العراقي فلن نكون بحاجة إلى استخدام قوات الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم في اعتقادي أن الجميع سينصتون حينما نقول عن شيء أنه صحيح". فلماذا إذن احتاج وريثه جورج دبليو بوش إلى استخدام القوة والقوة المفرطة وفي مواجهة نفس (العدو) –العراق-؟ أم أن الحرب عام 1991 لم تحقق إلا نصف أهدافها،حين اقتضت الضرورات الاقليمية والدولية الابقاء على النظام السياسي العراقي؟ أم أن السبب وراء كل ذلك كان عقدة فيتنام أو كما أطلق عليها بوش الأب (لازمة فيتنام) حين ذكر بُعيد (انتصاره) عام 1991: "لقد تخلصنا من لازمة فيتنام" !!
قد لا يكون من المناسب وفي هذا الجو الملتهب أننا قلَبنا الأوراق بحثاً عن منبع الإرهاب وأصوله ،غير أن ما اضطرنا الى ذلك هو العهر الإعلامي الأمريكي حين لا يسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وحين يقلب الحقائق لتتسق وتوجهاته المصلحية المتبدلة والمتغيرة دائما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيع دراجة استخدمها الرئيس الفرنسي السابق لزيارة عشيقته


.. المتحدث باسم الصليب الأحمر للجزيرة: نظام الرعاية الصحية بغزة




.. قصف إسرائيلي يشعل النيران بمخيم في رفح ويصيب الأهالي بحروق


.. بالخريطة التفاعلية.. توضيح لمنطقة مجزرة رفح التي ادعى جيش ال




.. هيئة البث الإسرائيلية: المنظومة الأمنية قد تتعامل مع طلب حما