الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


* مقدمة كتاب انخيدوإنا شاعرة تراتيل المعبد السومري، للكاتب والشاعر العراقي عدنان جمعة الصادر حديثاً /سبتمبر/عن دار المتن في بغداد

عدنان جمعة

2020 / 10 / 27
الادب والفن


سيدة الشعر الأولى في العالم كتبت القصيدة النثرية..
انخيدوإنا كاهنة المعبد السومريّ، أميرة أكد، ومبدعة عصرها*

سعد الساعدي

ليس غريباً في بلدٍ ظهرت فيه أولى الحضارات والكتابة، وجود تنوعٍ يختلف عن كل ما موجود في المعمورة، ومنه الأدب والشعر وفنونٍ أخرى أرّخَ لها علماء الآثار الغربيين قبل غيرهم وهم يكتشفون أسرار الحضارة السومرية ومنجزاتها قبل آلاف السنين .
واحدة من مآثر التاريخ السومري، وحضارته الراقية شاعرة قيل أنها أول امرأة في التاريخ كتبت الشعر وغيره من كتابات، وبعضهم صنّفها كأول ناشطة نسوية مدنية تحاكي قصائدها واقعنا اليومي وهي تصف بوجدانها إنسانية الوجود، ومآسي الحروب، وما يتعرّض له إنساننا اليوم، وربما كل يوم قادم ؛ إنها ابنة الملك العراقي سرجون الأكدي، كبيرة كاهنات معبد أور، ومساعدة ملك المملكة، سرجون، من أمٍّ سومرية الأصل إحدى حافظات المعبد المقدس حينذاك ؛ كاهنة وزوجة الملك ؛ لذا يمكن معرفة حجم تأثير الأسرة على ما وصلت إليه انخيدوإنا، وما تأثرت به من عشقها لآلهتها انانا .
من هنا يحق لنا الوقوف والتأمل عند قصيدة النثر مع ما كتبه الشاعر والكاتب عدنان جمعة وهو يتجول بين ثنايا الأدب والشعر السومري، ومن الأنصاف القول أن الشعر عراقيٌّ، وقصيدة النثر لم تكن لقيطة رميت قرب جوانب الشعر، لتمحو آثاره المجيدة وروائعه الخالدة كما يقول البعض، وبعيداً عن ذكر الأسماء ممن تطاولوا بشكل ماحق على قصيدة النثر، وبعيداً أيضاً عن معايير الخليل أبن أحمد الفراهيدي وبحوره الستة عشر التي أراد بها وضع منهج صحيح لكتابة القصيدة العمودية، فإن قصيدة النثر ولدت قبل أكثر من أربعة آلاف سنة، وليست مع بدايات القرن العشرين كما يصنفها البعض ممن لم يقروا التاريخ جيداً، وقد تكون الهجمة عشوائية من قبل من أسموا أنفسهم نقاداً وهم لا يعرفون غير تسليط السيوف على كل أبداع؛ سواء الجديد منه أو الماضي .
لا يمكن لمدعي نكران جمالية ما كتب المتنبي، وأبو فراس الحمداني والفرزدق وأبو العلاء؛ لكن في ذات الوقت لا يمكن الجمود عند قوانين لم تعرف رؤيا مستقبلية، وما تأتي بها الحضارة اللاحقة مما نشاهده اليوم في عصر العولمة وكتابات ما بعد الحداثة التجديدية التي انطلقت معها من جديد القصيدة النثرية، وليس ابتكاراً وجدانياً ولد معها بعد نسف القواعد الخليلة وظهور قصيدة التفعيلة وما أسسته الشاعرة نازك الملائكة وكتبه السياب وغيرهما.
لم يعلم الفراهيدي أن الحياة تتغير وتتجدد كل يوم وساعة، وربما كل دقيقة؛ فلو علم ساعتها أن الانترنت والفضائيات ستغزو العالم لقال: أضع قوانين الشعر، ودستوره اليوم، على أمل تصحيح المسيرة إن احتاجت ذلك، ولن اعترض على كل قادم يخدم الإنسانية ويسعدها، ويمتعها بالجمال .
إن كانت القصيدة العمودية تزينت بموسيقاها الرنانة، وبيانها وبديعها وبلاغتها ؛ فلن يمنع ذلك القصيدة النثرية من حمل نغمات موسيقية مضمرة بلا قافية ووزن خليلي، ولكلٍ صورة لون خاص بها، ولكل شيء أداة وزنه كالمثقال عند صائغ الذهب، والكيلوغرام مع بائع الحبوب . لقد تشكلت القصيدة النثرية العربية من رحم اللغة الأم، واكتسبت رونقها وجمالها من اشتقاقات اللغة وانزياحاتها، وما رافق ذلك بالكناية والتشبيه الذي تشترك به مع القصيدة الموزونة فراهيدياً، الصادحة غنائياً مع أن قلة من قصائد النثر مغنّاة لولا ما سنجده في هذا الكتاب من أناشيد تراتيلية كتبتها انخيدوإنا لتُرتّل في المعابد الأكدية بعموم المملكة بما تحمله من أحساس صادق نابع من وجدان امرأة لم يفارقها الوجع، مع ما إنها أبنه سيد المملكة . وكما يقول عنها عدنان جمعة في كتابه هذا: ” قدمت قصائدها الحقائق الروحية المتضمنة أوجه الحياة كلها” مضيفاً عن معاناتها: “كذلك الفزع نفسه الذي وشح نصوصها وإحساسها بالوحشة والغربة والوجع الذي سببته الأحقاد وإغراءات السلطة ”
قال بعض من أرّخ للأدب المعاصر أن قصيدة النثر ولدت مع الشاعر العراقي د. مراد ميخائيل كما يذكر الكاتب عبد الأمير الربيعي في مقاله (مراد ميخائيل .. الشاعر الذي أول من كتب قصائد النثر) المنشور في موقع الحوار المتمدن نقلاً عن الروائي العراقي سمير نقاش مؤكداً بأن الشاعر معروف الرصافي أطلق على شعره (الشعر المنثور) وتعد من أغرب قصائده قصيدة (نحن الشعراء) التي شارك فيها بمهرجان مبايعة أحمد شوقي أميراً للشعراء عام 1927 ولم يعترض عليها معترض وقتها حسب ما ذكر الكاتب بمقاله. ما يعني أن القصيدة النثرية ليست وليدة ما بعد الحداثة أو الحداثة التجديدية اللاحقة، بل هي أقدم من ذلك، وكل القِدَم يعود لشاعرتنا انخيدوإنا التي سبقت الجميع كتوثيق تاريخي، وربما سبقها من هو أقدم لكن لم يُعرف اسمه، كما يؤكد ذلك عدنان جمعة وفق الأدلة التاريخية .
والقصدية التاريخية التي سار عليها المؤلف هنا كشفت، أو ساعدت بصورة غير مباشرة على حلّ الإشكالية العالقة، أو جزء منها بين قصيدة النثر وحتى القصيدة التجديدية التي يسميها البعض قصيدة السرد التعبيري، مع أن مفهوم السرد والتعبير خارجان بعيداً عن المفهوم الشعري والقصيدة الشعرية الموزونة المتمسك بها البعض بأنها هي الشعر وغيره لا يمتّ إلى الشعر بصلة .
التاريخ هو من كشف جذور القصيدة النثرية، وعمقها وسلاسة كلماتها منذ أكثر من ألفين وثلاثمائة عام قبل الميلاد؛ أي قبل ثبات الشعر العمودي في كل العصور الجاهلية اذا سلمنا جدلاً أن أول من قال الشعر هو سيدنا آدم عليه السلام حسبما ورد عن الشجيري في أماليه عن ابن عباس حيث ينسب اليه قوله بعد أن قتل قابيل أخاه هابيل:
تغيرت البلاد ومن عليها .. فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم ..وقل بشاشة الوجه الصبيح
وفي رواية أخرى أنه رثى هابيل قائلاً :
وجاورنا عدواً ليس يفنى .. لعين ألا يموت فنستريح
أهابل إن قتلت فإن قلبي .. عليك اليوم مكتئب جريح
علماً أن البحوث التاريخية تؤكد صراحة بأن الأنبياء لا يقولون الشعر، ولم ينطقوه أبداً، فيما يرى البعض أن من قاله أولاً هو الشاعر العنبر بن تميم ؛ لكن تحديداً ليس هناك زمن تاريخي بعيد للقصيدة الموزونة شعرياً وفق قوانين الفراهيدي سبقت قصيدة النثر التي لابد من الإشارة بأنها ترتكز على مقومات ثلاث تمتاز بها أيضاً وهي : الجمال، واللغة الوصفية والمعنى.
لكن الحقيقة أنها عادت وتجددت ربما من خلال مراد ميخائيل أو غيره، ومن كتب بعده لاحقاً، فلقد سبقتهم شاعرتنا الأكدية السومرية انخيدوإنا بأكثر من عشرات القرون وهي تسطر تراتيلها اللاهوتية بعشرات القصائد من أجمل ما كتب الى الآن في قصائد النثر التي نعُّدها حداثوية مائزة بالتجديد .
وهذا ما سيجده القارئ في هذا الكتاب بعد التعرف على سيرة انخيدوإنا وكتاباتها التي سبقت الغرب بكتاباتها انطلاقاً من بؤرة حضارية واسعة المدى صنعت المجد لأهلها الذين أضاعوه لاحقاً، وتكدس كركام تمرّ عليه الرياح بلا تحية أو سلام، وشكراً لعلماء آثار الغرب الذين كشفوا لنا جزءاً من تاريخينا المغمور، ومنه شاعرتنا انخيدوإنا، ولعدنان جمعة الذي سلط الضوء عليها وعلى أشعارها وتاريخها بشكل متماسك في حزمة واحدة بعد أن كان مشتتاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا