الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس عشر/ 3

دلور ميقري

2020 / 10 / 28
الادب والفن


بعد عدة قرون من العزلة، بدا أن الحي الكرديّ قد خرجَ تماماً من شرنقة العزلة. أزمة السويس، برهنت على ذلك، سياسياً، بما كان من هبوب شباب الحي للتضامن مع الشعب المصريّ ضد الغزو والتدخل الأجنبيّ. من ناحية أخرى، فإن حي الأكراد، الذي يلوحُ للعين عن بُعد كما لو أنه ذيل لمدينة دمشق، تبوأ مكانة مرموقة بين الأحياء الأخرى نتيجة إنجابه لعدد من أبرز الأعلام في جميع مناحي الحياة. إلى تسنّم أبناء جلدتهم أعلى المناصب العسكرية والحكومية، وذلك برغم إعلان العديد من هؤلاء إنتماءهم للعروبة كيلا يصبحوا هدفاً للدعاية المعادية من لدُن العناصر البعثية والقومية السورية. الحي نفسه، انفتح على الأغراب ممن رغبوا بالاستئجار أو شراء البيوت. فيما سبق، كان ذلك من المحرّمات مهما كانت الحاجة المادية ملحّة بالنسبة للأهالي.
أول مَن حلّ مِنَ الغرباء في زقاق الحج حسين، بغية شراء عقار، كانت امرأة من الميدان، عُرفت بلقب " الشاميّة ". شخصيتها القوية، طغت على اسم رجل الأسرة، وكان يعمل في صنعة الدباغة بمركز المدينة. اشتروا من ديبو، ابن موسي، ذلك الجزء من منزله، الكائن بلصق منزل أمين؛ زوج زهرة. لم يكن في الوسع معرفة عُمر هذه المالكة الجديدة، إلا عندما حضرت ابنتها المتزوجة للزيارة، وكانت تبدو من جيل بيان. وفي حين أن رجل الأسرة ما كان يظهر في الزقاق إلا عند ذهابه وإيابه من العمل، فإن امرأته سرعان ما وطدت صداقتها مع كل من جارتيها، زهرة ورودا. في إبّان حلولها بالزقاق، كان للمرأة الشامية خمسة أولاد، منهم تلك الابنة البكر، المتزوجة في حيّ الميدان. بيان، وعن طريق أختها رودا، أضحت في بعض المناسبات تلتقي مع الجارة الجديدة، المتّسمة بالهدوء والاعتدال والتحفّظ.

***
لكنّ أسرة أخرى من الأغراب، حلّت في الزقاق هرباً من فضيحة ـ كما تبيّنَ في وقتٍ متأخّر. بدأت الحكاية مع " قوّاص "، رجل الأسرة المكوّنة من امرأته وطفلها. اشترى من شقيقة زوجته قسماً من منزلها، وكان العقار برمّته، فيما سبق، من أملاك الرجل، المدعو كَوتشي، ويقع بأسفل منزله الكبير. المالكة، كانت معروفة بالحارة باسم " الحلبية "، نسبةً لمسقط رأس الزوج. هذا الأخير، هوَ مَن تولى لاحقاً كشفَ سرّ شقيقة امرأته، عقبَ خلاف نشأ بينهما لسببٍ من الأسباب. في الأثناء، كان الرجلُ قد تصادق مع بعض جيرانه من أولاد علكي، كونه يعمل في حرفة النسيج مذ أوان صباه في مدينة حلب.
قوّاص، كان بالأصل من حي الصالحية، شأن امرأته الأولى. لما اقترن بها، كانت أرملة ولديها ولدٌ بلغَ سنّ الرشد. حياتهم عُدّت ميسورة، بالنظر إلى أنّ رب الأسرة الجديد كان يملكُ محلَّ بيع أحذية في أحد أسواق المدينة. وما لبث ابنُ الزوجة أن التحقَ بالعمل لدى الرجل، لتغدو علاقتهما طيبة مع مرور الأيام. إلى أن خطبت الأم لابنها فتاةً من نفس الحي، حازت على رضاه عقبَ رؤيته لها. ثم تم الاتفاق على موعد كتب الكتاب وحفل الزواج. بحسَب العادات المحلية، كان على وليّ أمر العريس أن يقوده من تلبيسة الرجال إلى عرس النساء، المقام في منزل آخر. لما وقعت عينُ قوّاص على عروس ربيبه، تبلبل داخله وامتقع لونه. بيد أنّ أحداً لم ينتبه لحالته، في غمرة الزغاريد والهتافات والموسيقى الصاخبة؛ اللهم إلا العروس، ما لو حكمنا على ذلك من سَيْر الحكاية.

***
العروس، واسمها " صفيّة "، ما كان عبثاً أن تُبهرَ رجلاً وقوراً مثل حميها؛ هيَ من تمتعت بجمال أخاذ، بالأخص لون بشرتها، وكأنه مستلّ من الماس، إلى ملامحها المتناسقة باتقان؛ كما لو أنها مرسومة بريشة فنان من عصر النهضة الأوروبيّ. ثم كشفت سريعاً عن طبيعةٍ وثّابة، جريئة وطموحة وعلى شيء وافر من المرح. بتوالي الأيام، راحَ كل ذلك يخبو، حدّ أن الوردة كادت أن تذبل من حزن شفبف وغامض. حماتها، وكانت امرأة طيبة القلب لدرجة السذاجة، كانت تحيطها بالرعاية أكثر من اللازم، مثلما أنهما اعتادتا على الاختلاء في حجرة النوم عقبَ تناول الفطور. في ذلك التوقيت، يكون رجلا الدار قد مضيا إلى العمل. لكن قوّاص انتبه لتلك الخلوات بين المرأتين، بعدما تسنى له مراقبتها جمعة تلو جمعة.
" ابني أصابته العين، كونه اقترن من فتاةٍ شبيهة بحوريات الجنّة "، ابتدأت الأم تعترف لزوجها بعدما ضغط قليلاً عليها بإلحاحه. ثم أوضحت بالقول: " لم يدخل على عروسه إلى اليوم، وقد مضى على زواجهما شهران ". عندئذٍ طمأن الرجلُ امرأته، بأنه سيلجأ لحيل العطّارين، الموصوفة لهكذا حالاتٍ مرضيّة. برغم أن الفتاة ظهرت عليها علاماتُ الحمل بعد بضعة أسابيع، إلا أن ملامحها بقيت على حالٍ من الكآبة والشرود. شقيقتها الكبيرة، وكانت كما علمنا تعيشُ في الحارة مع أسرتها، تزايدت زياراتها لها. وبحَسَب رواية زوج هذه الشقيقة، المتولّي فضحَ السر، أنه في خلال تلك الزيارات تم الاتفاق على خطةٍ محددة: عقبَ ولادة صفية ببضعة أشهر، أختفت فجأةً مع طفلها وحميها، ليظهروا لاحقاً في زقاق الحج حسين كأسرةٍ سعيدة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع