الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكبار يكذبون..

علجية عيش
(aldjia aiche)

2020 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الكذب ظاهرة اجتماعية متفشية ، تولدت في نفوس البعض من ضعاف الشخصية و المرضى نفسيا، أو الذين لا يعانون من اي مرض عضوي أو نفسي و لكن النفاق تَمَلَكَّهُمْ لتحقيق غاية ما، كلٌّ و دوافعه التي يبني عليها حجته، تجرد الإنسان من كل القيم الإنسانية من أجل "المصلحة"، و أصبح المجتمع موبوء و مريض، يقول أحد المفكرين التنويريين أن الكذب مؤسسة اجتماعية قائمة بذاتها، الأغلبية من الناس يكذبون، الأب يكذب على أولاده و كذلك الأم، الصديق يكذب على صديقه، الجار يكذب على جاره، الراعي يكذب على رعيته، و المُشَرِّعُ يكذب على الشعب، المعلم يكذب على تلامذته، و المسؤول المحلي يكذب على المواطنين، يخادع و يماطل و لا يقوم بواجبه، السكرتير يكذب، و الحارس يكذب، التاجر يكذب و يغش في الميزان، الإمام يكذب أحيانا على المصلين لأنه يتكلم بلسان السلطة لا بشرع الله، من أجل أن يدفع بهم لإنتخاب مرشح ما، و عن طريقهم يمرر مشروع ما، و الكاتب أيضا يكذب أحيانا على قرائه، ينشر لهم ما لا علاقة له بالواقع، هذا ما تجلىَّ لنا، و في كل هذا و ذاك الكذاب خائن لا يؤتمن عليه.

الكذابون أو الكَذَبَة كُثُرْ و هم "مبدعون"، يبتكرون الكِذْبَةَ و يرددونها حتى تتحول إلى حقيقة، يؤمن بها الناس، الكذاب يتراءى لك بالخير و الصلاح حتى تطمئن له ، و من ثم ينال مأربه و يحقق مطلبه، و الكذابون لا يخدعونك بالكلام فقط بل حتى بابتسامة تبدو أنها بريئة ، و من هذا المنطلق وجب ان نطرح السؤال التالي: هل الكذب حالة تولد مع الإنسان أم هو مكتسب؟ ، ومتى يبدأ الطفل الكذب؟ و من وراء تعلمه الكذب؟ هذا الطفل الذي نشأ في أسرة جعلت من الكذب قيمة إنسانية تعيش بـ: "الهف" و تشبع بما يحيطه و تاثر به، لماذا نعاقب الصغار على كذبهم و نحن نرى الكبار يكذبون؟ هو سؤال موجه للمختصين في علم الإجتماعي التربوي و علم النفس، ليسلطوا الضوء على هذه الظاهرة التي أفسدت المجتمع و أطاحت بأنظمة و حضارات ، يحاول البعض أن يبرر كذبنه بأنها كذبة بيضاء.

الواقع هو أنه لا توجد كذبة بيضاء و أخرى سوداء، أو كذبة ملوّنة ، يتلون فيها الكذّاب كالحرباء كلما حلت مناسبة ما، ستمعت إلى كثير من الناس وجدتهم يكذبون، و كان الكذب مرسوم في عيونهم ، و هم يتلعثمون في الكلام، يحاولون تصوير الأشياء بصورة مثالية، و الكذابون طبعا أنواع، فهناك الكذاب الذي يشكف نفسه من الوهلة الأولى، و هناك الكذاب الذي يخادع و يراوغ و يستمر في مراوغته، و لكن أخطرهم أولئك الذين يرتدون ثوب الإستقامة، فهذا يرتدي رداء التديّن، و ذاك يضع ربطة عنق و يحمل في يده حقيبة دبلوماسية، و آخر يمشي و خلفه حراس مسلحون، الغريب أن عامة الناس تصدق الإنسان الكاذب أو الكذاب، و لا يراعون من يكون صادقا في كلامه، الأول يعرف كيف ينمق كلامه بأسلوب خبيث مخادع، و الثاني جريئ صريح و لا ينافق، إنالضخص الأول ( الكاذب) لا يمكنه أن ياتي بشيئ قد يفيد المجتمع، لأنه يعتمد على الدعاية المزيفة، و يسوق الأكاذيب، و لأن "التبعيون" نفخوه كما ينفخ البالون و أعطوه حجما أصغر من حجمه و رفعوه إلى مرتبة لا يستحقها فباعوا أنفسهم و هم لا يشعرون.

في الحياة إثنان فقط يجوز لهم الكذب، الطبيب حين يكذب على المريض لكي لا يجعله يقلق أو يدفعه إلى الإنتحار عندما يكون في حالة ميئوس منها، و الكذب في وقت الحروب، و نقف هنا مع أحد المفكرين التنويريين و هو المفكر السوري ندرة اليازجي، فقد تحدث عن الكذب و من هم الكذابون ( الكَذَبَة)، و قال أن الكذب عامل من أهم عوامل تقويض الحضارة و تهديم عرش الفضيلة، فالكذب يؤدي إلى تحقير الشخصية الإنسانية، و يزرع الشك في الناس، فلا يصدق الواحد منّا الآخر، و الكذابون ممثلون بارعون، يؤلفون لك مسرحية وهمية صامتة و على خشبة المسرح يمررونها أمام أناس ( صمٌّ بكمٌ عميٌ) لا يفقهون أو أنهم يلبسون لباس الجبن و الخوف، المشكلة فينا نحن طبعا و نتحمل مسؤولية ما نبتلعه من كذب، لأننا نرى بعض الناس يحدثوننا بأشياء وهمية كاذبة و لكننا نوافقهم ، وقد نندفع مع أكاذيبهم لنُشِيدَ بهم و نضعهم في مرتبة الأنبياء أو الآلهة، هو الصراع الذي يشل المجتمع و يثضي على كل القيم النبيلة لأن نزعة المال و الجاه لعبت دورا كبيرا في حياتنا، و اصبح البريئ متهما و المجرم حر طليق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في