الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخطار مخاتلة على النمو العقلي للطفل

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2020 / 10 / 29
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تعتبر العطلة من المدرسة، فرصة على درجة عالية من المكانة عند الطفل، وعند الأهل على حد سواء، لكونها تضع الطفل على تماس مباشر مع رغباته التي يهدف إلى تحقيقها والتي قد تعاق بواقع الوقت المضبوط خلال فترة الدراسة في المدرسة، لتبدو بذلك الإجازة من المدرسة المدخل الأساسي للطفل للسعي لتحقيق أمانيه الطفولية، والتي تمثل عملية السعي لإنجازها واحدة من المهمات الضرورية لبناء شخصية الطفل وتعلمه فن تلبية الطموحات الشخصية في سياقات تختلف عن تلك المحددة الأطر والأهداف كما في المدرسة تحديداً.

وبالنسبة للأهل، تبدو الإجازة من المدرسة، مدخلاً ملائماً لتنفيذ الرؤى التربوية المتعلقة بتنمية مهارات الطفل وتدريبه وفق المنهج الخاص الذي يتبناه المربي في العائلة، ليتمكن الطفل من اكتساب معارف وخبرات ضرورية قد يكون من الصعب إدراكها خلال فترة الدراسة في المدرسة.

وإنّ تلك الأهمية المرهفة التي تتمتع بها العطلة من المدرسة عند الطفل نفسه وعند الأهل تحدونا لتلمس بعض الأخطار النوعية التي تحدق بالطفل وبتطوره النفسي والفكري والحركي والتي أصبحت شائعة في السنين الأخيرة، وأصبحت تهدد الأطفال وبشكل غير مباشر لا يمكّننا من إدراك تأثيرها النوعي الذي يتسلل إلى الطفل خلسة ويقود في نهاية الأمر إلى عواقب سيئة أهمها سوء الأداء الذكائي والعقلي والإدراكي عند الطفل، وسوء التواصل الاجتماعي مع الوسط المحيط، وسنعرج فيما يلي على بعض من أهم تلك الأخطار:

أولاً :المتابعة المفرطة للتلفاز:
وتكمن الخطورة هنا في مجموعة من العناصر أولها هو الوقت الطويل الذي يقضيه الطفل في متابعة التلفاز، يشكل عائقاً نوعياً تجاه تعلم الطفل لشروط التعامل والاندماج مع الوسط المحيط به، أي أنّ نقص الوقت الذي يقضيه الطفل في التماس مع المحيط الاجتماعي الذي ينتمي إليه يعود عليه بنقص الخبرات التي يجب أن يراكمها في المراحل الأولى لحياته، والتي تعتبر ذخيرة للمستقبل الذي يتطلب من الطفل الاندماج بالوسط المحيط به والتفاعل معه، و يعيق عملية إدراك الخبرات الضرورية التي من الصعب اكتسابها لاحقاً في الأعمار المتقدمة، لكون البنية الأساسية للمكونات الأولية للشخصية قد تكوّنت وتآلفت فيما بينها وأصبح من الصعب توليفها مع معطيات جديدة.

ومن ناحية أخرى تشكل المتابعة المطولة للتلفاز خطراً محدقاً بالطاقات الإبداعية والخلاّقة عند الطفل، إذ أثبتت الدراسات أنّ الأطفال الذين يكثرون من متابعة التلفاز تتدنى لديهم القدرات على الإبداع والتخيل عموماً، وذلك كنتيجة مبسطة لكون التلفاز وسيلة تقدم للطفل معظم العناصر التي يحتاجها في عملية لعبه اليومي و المفاهيم التي تحكم العلاقة بين عناصر اللعب التي يلعبها، والتي تتمثل في شبكة العلاقات الموجودة بين الأشياء التي يشاهدها في التلفاز، فيصبح الطفل دون حاجة لتخيل صورة ذلك البطل المقدام وتخيل طاقاته وإنجازاته، لأنّه يستطيع جلب ذلك النموذج الذي شاهده في التلفاز وتلبيسه بما يريد من مقولات وأفعال جديدة دون الحاجة إلى كثير من التخيل، وهذا ما حدا بأحد أهم علماء التطور العقلي للطفل عند الأطفال إلى الدعوة إلى إنقاص عدد ساعات مشاهدة التلفاز عند الأطفال لتصبح 90 دقيقة على الأكثر يومياً، والدعوة إلى عودة اللعب بالألعاب البسيطة التي تنمي طاقات التخيل عند الطفل كاللعب بعيدان الكبريت، والمكعبات والألعاب المصغرة على شكل الجنود والحيوانات.


ثانياً :المتابعة المفرطة للألعاب الإلكترونية بأشكالها المختلفة:
قد تكون هذه القضية من أهم عناصر الخطورة التي يمكن أن تهدد تطور الطفل النفسي والحركي، وذلك لعلة أنّها تنطوي وبشكل شبه متطابق مع جميع الأخطار المتعلقة بالمتابعة المطولة للتلفاز والتي عرجنا على ذكرها آنفاً، بالإضافة إلى خطر مهم وهو إمكانية حدوث ما يدعى صرع الألعاب الإلكترونية عند الأطفال، الذي ينجم عن التفعيل الشديد و المطول لبؤرتي السيطرة العضلية الحركية و الاستقبال البصري في الدماغ، وإهمال كل الوظائف الأخرى للنسيج القشري الدماغي، وهذا ما يلاحظ من خلال اندماج الطفل المطلق باللعبة الحاسوبية، و إهمال الوسط المحيط به بشكل كلي تقريباً لصالح تركيزه فقط على اللعبة الحاسوبية، ويقود ذلك في نهاية الأمر، وعند تكرر العملية لفترة طويلة، إلى حدوث تغيرات بنيوية ضمن بنية هذه الخلايا المسؤولة عن التنسيق العضلي الحركي المتعلق باللعبة الحاسوبية، ويؤدي بالنتيجة إلى وجود بؤرة تفعيل كهربائي زائد تكون نقطة الانطلاق لإصابة الطفل بما يدعى الصرع المتعلق بالألعاب الإلكترونية، والذي يتجلى بإصابة الطفل بنوب حركية-حسية تشابه نموذج داء الصرع المألوف عند البالغين. وتتزايد إمكانية الإصابة بهذا النموذج من الصرع في حال وجود استعداد وراثي لدى الطفل من خلال استعداد عائلي معروف للإصابة بداء الصرع.

وفي الختام لا بد لنا من تكرار التشديد على أهمية إيلاء الكثير من الانتباه لأطفالنا خلال فترة العطلات من المدرسة، مع التركيز على السعي لتأمين استمتاع أطفالنا و أحفادنا بطرق أكثر سلامة على الصعيدين الجسدي والنفسي، حيث أننا يجب أن نتذكر دائماً أن مستقبل أي مجتمع، متضمناً بالتأكيد مستقبل كل البالغين راهناً فيه، سيكون أمانة في أعناق أطفال ذلك المجتمع في قابل الأيام، فالأولى أن نكون معطاءين أوفياء معهم ليستطيعوا مستقبلاً أن يكونوا كذلك مع مجتمعهم؛ إذ أن الحقيقة السرمدية في المجال الإنساني هي أن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار