الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرحبا أيتها الطوباوية المضادة !

حميد زناز

2020 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ظهرت أصناف كثيرة من الناس، يتحدثون بإطناب عما يحدث و يصفون لنا ما يجري كأنهم في سوق فارسي منذرين بالخطر المحدق :" أنا سبق و أن قلت لكم ، نبهتكم !" هذا نوع جديد الانتهازيين يتكاثر بين الصحفيين، الاقتصاديين، علماء الاجتماع، "فلاسفة الفكر الجاهز"، سياسيين و سياسيات من اليمين المتطرف، كلهم أصبحوا خبراء يشتركون في نفس الصفة : مهارة فطرية كبيرة في علم التنبؤ بالماضي. إن صانعي الرأي هؤلاء يعرفون دائمًا كل شيء ولكن بعديًا، بعد مرور الأحداث. فهم يعرفون مدى الكارثة ولديهم جميع أنواع الحلول للمشكلات ... طبعا تلك التي تم حلها بالفعل.
و من جهة أخرى يحدثنا الفيلسوفان المتسرعان دوما سلافوي جيجيك و جورجيو أغامبين عن حالة استثنائية جديدة تنقلنا إلى عهد نهاية الرأسمالية.. تلك هي ما بعد الحداثة المفزعة: كل هراء ومبالغة، من الامور الجيدة إذا كان ذلك يقود إلى نجاحهما الشخصي. وداعا للتحليل النقدي ، وداعا لتلك الفلسفة التي تؤدي مهمتها أمام المجتمع مع السماح لنفسها بالرضوخ للجديد في نفس الوقت. مع هؤلاء، يجب أن يكون كل شيء فوريًا ومباشرا ، وبما أن اليوم عفا عنه الزمن ، فعلينا أن نخترع غدًا. هكذا يتجاوز الواقع الخيال والمعتقدات الدينية الزائفة. مرحبًا أيتها الطوباوية المضادة.
من بن لادن إلى كوفيد19، من قنابل مدريد ، باريس و لندن المدمرة ، مررنا في غضون سنوات قليلة إلى مواجهة عدو غير مرئي و صامت ، بدون وجه و كلي الحضور. الحرب ضد الحشرة ، ضد الفيروس ، مجاز يعبث به و يسيء إليه الجميع، و على وجه الخصوص وسائل الاعلام. و لئن كان الاستعمال الصحفي للمجاز مقبولا فإن للمماثلة حدودها إذ لا علاقة لهذا الفيروس بالحرب. إنها عودة البلاغة الزائفة. لقد ضاعت القدرة على التحليل و الدقة في التحري الاعلامي و نقل المعلومات إذ معظم الصحفيين يلهثون وراء السبق الاعلامي اليومي ، فالأمس جيفة لا تثير اهتمام أحد. جنون لا يؤدي سوى إلى انتشار الاخبار الكاذبة و نظريات الذعر المؤمراتي، لأن هذا هو ما يضمن مبيعات أكثر و ربحا أوفر. و إذا ما أضفنا إلى كل هذا عدد المجانين و الهائمين و الجهلة الذين يحتلون مواقع التواصل الاجتماعي، فنحن أمام منظر فظيع لا يتجاوزه سوى الواقع الأفظع.
الديستوفيا، الطوباوية المضادة ، تمّثلٌ خيالي لمجتمع مستقبلي بخصائص سلبية، تقود الانسان إلى اغترابه ، هي هنا ممثلة بموت عشرات الآلاف من النساء و الرجال . أسوأ من ذلك فكأن حال الانسان يقول : "أنا مستلب إذًا أنا موجود".
لا أحد على استعداد لوقف هذا الوباء، إنه آفة عالمية تجتاح إيطاليا، إسبانيا، المكسيك، بيرو ، الولايات المتحدة و المملكة المتحدة إلخ. لن أخوض في التفاصيل هنا حول النظريات المختلفة حول مصدر الفيروس و من أين انطلق و إنما سألتزم بسرد الحقائق: لقد خدعت الصين بقية العالم وأجرت أول اتصال دولي رسمي بعد ثلاثة أشهر من تأكيد الإصابة الأولى بكوفيد 19 .
لقد بسّط النظام الديكتاتوري الصيني هذه المهمة إلى حد كبير: لم يُعقد هناك أي مؤتمر صحفي يومي ، و لم تُقدّم أية معلومات هامة . وكل شيء في الصين قد مرّ تحت عباءة الدولة بما في ذلك كل ما هو رقمي.
ادعى الفيلسوف الكوري الجنوبي بيونغ يونغ تشول هان ، الأستاذ في جامعة برلين ، في مقال مرتبك و متناقض (الطوارئ الفيروسية وعالم الغد ، جريدة البايس الاسبانية ، 22 مارس) ، أن للدول الآسيوية "عقلية استبدادية تنبع من تقاليدها الثقافية (الكونفوشيوسية)، فالناس هناك أقل ممانعة وأكثر طاعة للأوامر منه في أوروبا، و الثقة في الدولة أكبر أيضًا . و لذلك يعتمد الآسيويون على المراقبة الرقمية في مواجهة الفيروس ". وإذ استطاعوا مكافحة الفيروس التاجي بشكل فعال، فذلك يعود فقط إلى انتهاكهم لحقوق الإنسان و إلى البيو- سياسية الرقمية التي تتحكم في كل شيء عبر الهواتف الذكية والطائرات بدون طيار علاوة على انتفاء "المجال الخاص" الخ. أوروبا الديمقراطية التي تحمي حدودها و دولة القانون ، أوروبا التي تدافع عن الحرية، ستكون مهددة في أمنها مستقبلا.
على أوروبا أن تستوعب الدرس جيدا ! سارة ز. ترجمة ح.ز








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث