الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نتنياهو المعتدل

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2020 / 10 / 30
القضية الفلسطينية


من اللافت أن مواقف قادة أجهزة أمن وجيش الاحتلال تبدو أقل تطرفا من مواقف الساسة الإسرائيليين من الوزراء وقادة الأحزاب وأعضاء الكنيست. ظهر ذلك جليا في عديد محطات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كالموقف من قضية الضم: توقيته ومداه، والمواقف من سلسلة الحروب العدوانية على قطاع غزة، وتفسير أسباب الانتفاضة الشبابية. حيث تميل مواقف السياسيين الإسرائيليين إلى الحلول الأمنية والعسكرية، واستخدام مزيد من القوة والبطش والعقوبات الجماعية، بينما تلحظ تقارير الأجهزة الأمنية والجيش الأسباب السياسية والاجتماعية، وانعدام الأمل لدى الفلسطينيين، وانسداد آفاق التسوية، وتَخلُص إلى استحالة حل الصراع بالوسائل العسكرية وحدها.
قد تبدو هذه المعادلة غريبة بالنظر إلى أن الأجهزة الأمنية تأسست وتربّت على عقيدة القتل، واستباحة حياة غير اليهود ( الغوييم/ الأغيار) ، بينما يفترض بالسياسيين أن يُطَعمّوا كلامهم بعبارات عن الحرية وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، ولكن ذلك يصحّ في أي بلد إلا في إسرائيل التي تجنح يوما بعد يوم نحو مزيد من التطرف، وهي تستكمل الآن تحولها الواقعي والرسمي إلى دولة تمييز عنصري كما شخّصت ذلك عديد المؤسسات الدولية المهنية والمتخصصة، مثل التقدير الموضوعي الذي أصدرته مؤسسة (الاسكوا) ورئيستها السابقة الدكتورة ريما خلف، وهي حقيقة يعرفها الفلسطينيون ويتلمسونها يوميا على جلودهم نفسهم ونمط حياتهم وحياة أبنائهم.

قادة الأمن يعتمدون على تقارير وأبحاث ودراسات، وربما تُحَتّم عليهم وظيفتهم استقراء النتائج البعيدة المدى لما يجري على الأرض، بينما السياسيون وقادة الأحزاب يراقبون استطلاعات الرأي، ويتركز اهتمامهم على اللحظة التي يعيشونها، عيونهم شاخصة نحو الانتخابات المقبلة وصناديق الاقتراع، ولا يحفلون كثيرا بما ستؤول إليه الأحوال في المستقبل طالما أن جمهور الناخبين يصفّق للأكثر تطرفا.
على امتداد تاريخ إسرائيل، وجدت جماعات يمينية متطرفة تجاهر بمواقفها العنصرية، نجح بعضها في الوصول إلى الكنيست على غرار حزب "هتحيا" غيئولا كوهين، وحزب "موليدت" لداعية الترانسفير رحبعام زئيفي، حتى أن المتطرف مئير كهانا نجح ذات مرة في الوصول للكنيست. لكن هذه الأحزاب كانت تُصنّف خارج التيار المركزي للحركة الصهيونية، ويُنظر لها على أنها مجموعات من المهووسين الذين لا يمكن ائتمانهم على قيادة دولة تدعي أنها واحة الديمقراطية، وتنسب نفسها إلى ثقافة الغرب الأوروبي.

الآن بات تلاميذ هؤلاء في قلب الخارطة السياسية الإسرائيلية، وفي مراكز صنع القرار. فالمتطرفة أييلت شاكيد شغلت موقع وزيرة العدل بل تحكمت لسنوات في تشكيل محكمة العدل العيا وإعداد التشريعات، والمتطرفة البلهاء كما يصفونها ميري ريغف ( صاحبة الصورة الشهيرة في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي) شغلت عدة حقائب وزارية من بينها وزيرة الثقافة، ونفتالي بينيت وزير للتربية والتعليم، وهو الذي تضعه بعض الاستطلاعات في موقع المنافس الجدي لبنيامين نتنياهو، وإلى جانبهم يتولى متطرفون آخرون رئاسة لجان مهمة في الكنيست، ومناصب نائب وزير لحقائب مهمة كالدفاع والخارجية. ووسط هؤلاء يستطيع بنيامين نتنياهو التبجح بأنه سياسي معتدل، بل إن أفيغدور ليبرمان، وهو من دعاة التهجير والترانسفير، يقول من كل عقله أن لديه مبادرات لتحريك العملية السياسية!
لم تعد هذه الصورة تعبرعن حالة شاذة أو استثنائية، بل هي من علامات استقرار الحياة السياسية في إسرائيل على وضع يكون فيه لليمين أغلبية حاسمة، في حين يتواصل تدهور حزب العمل ومعسكر "السلام" التقليدي، ولذلك أسباب عديدة من بينها ما رسخ في وعي الإسرائيليين عن الكلفة الزهيدة لاحتلال الأراضي الفلسطينية، وأن دولتهم هي دولة فوق القانون وبإمكانها أن تفعل ما تشاء دون أن يحاسبها أحد، وأن العرب يتهافتون سرّا وعلانية على خطب ودّها، وأن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم وأقصى ما يمكن أن يفعلوه مواصلة الشكوى ومناشدة مجلس الأمن التدخل لإنقاذ عملية السلام.
كل ما سبق يؤكد الحاجة إلى مقاربة فلسطينية مختلفة نوعيا عما ساد خلال ربع القرن المنصرم، ومراجعة شاملة للخطاب السياسي، وبرامج وأدوات واساليب العمل سواء على الأرض وفي الميدان أو في المحافل الدولية، رهانات الحاضر والمستقبل، وتغييرا في طريقة إدارة الشؤون الداخلية والشأن الوطني العام، وحبذا لو شمل التغيير قيادات استنفذت ما لديها وآن لها أن تسلم الراية للأجيال التالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل