الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأعلام العربي وصورة الحاضر

عواد احمد صالح

2006 / 7 / 11
الصحافة والاعلام


الأعلام في اللغة مشتق من لفظة علم .. وفي اشتقاقاتها الكثيرة تنتهي الى معنى ايصال الخبر او المعلومة بقصد الأفهام او التوضيح وقد ورد في مختار الصحاح : علم الشيء تعلمة (علما ) عرفه ... وعلمه الشيء تعليما فتعلم ... والأعلام بمعنى الأخبار والأحاطة بما يحدث للناس من امور .
والأعلام الحديث وسيلة من وسائل المجتمع لتوجيه الرأي العام .. وثمة فرق بين الأعلام بمعنى المادة المتنوعة السمعية- البصرية –الخبرية والتقنيات المستخدمة لايصال تلك المادة الى ذهن المتلقي ، التي تعرف اليوم بإسم بوسائل الأعلام . وهي متعددة ومتنوعة ، سنذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر : التلفزيون ، الأذاعة ، الصحافة ، المطبوعة والمرئية وفي عصر العولمة حدثت ثورة هائلة في وسائل الأعلام والأتصال ، الفضائيات وشبكة الأنترنيت وشبكات الهاتف النقال . ان عصرنا يعد بحق عصر الأنتشار الأعلامي والأحاطة بكل مايحدث على كوكب الأرض .
الذي يهمنا هنا ان نقول في حدود ماهو عام وشامل ان دور الأعلام اصبح كبيرا وخطيرا في التحكم بحياة الناس وعقولهم وقولبتها وفق المنطق الذي يريد بوعي من القائمين عليه او بدون وعي . ان الأعلام عموما في تقاطعاته وتوجهاته المتباينة هو اعلام غرضي وهادف حتى لو ادعى غير ذلك ، انه يريد ايصال وجهة نظر الجهة او الكيان او الجماعة او الدولة التي تقف خلف المصدر الإعلامي ، لذا وانطلاقا من هذه الحقيقة لا تسعى وسائل الأعلام على تعددها وتنوعها واختلاف وسائلها - باستثناءات محدودة – الى تكوين وعي اجتماعي- ثقافي- سياسي يخلق قدرا كبيرا من التوازن الأجتماعي والحس السليم ، بل ان وسائل الأعلام قد تعمل باتجاهات ضارة وغير صحية منها تعبئة الناس ودفعهم باتجاهات مضللة لخدمة اغراض سياسية او فكرية او سلوكية او لأغراض التعبئة العسكرية زمن الحروب او لتأليه الأشخاص والرموز من القادة والزعماء والشخصيات الدينية والاجتماعية .
ومن وجهة نظر معينة فان الأعلام اصبح سلطة مضافة لمجموعة السلطات الموجهة وهي عديدة منها سلطة الدولة سلطة الدين والقيم والأعراف سلطة الأب وسلطة العائلة وسلطة الموروث وسلطة العشيرة ...الخ وهو بمعنى ما سلطة قهرية تختزل الوعي الانساني في الحدود التي تريدها ووفق ما تقدم من معطيات وهي في حالات كثيرة تمثل نفيا لشروط الحرية الانسانية وتكريسا لسلطة الانسان على الانسان بهيمنتها على العقل والوعي . والأعلام ميدان يعقد وسائل الحياة بقدر ما يتوسع فيها .. أنه يوجه ويعلم ينقش ويمحو يمسخ ويغذي عناصر متناقضة في الشخصية الأنسانية ، انه النفي والأيجاب الأفصاح والإيهام الحقيقة ونقيضها وفي كثير من المواقف يستبيح البراءة والفطرة وحين يستقضي ما هو مجهول يتجاوز في احيان كثيرة ما هو معقول ..!!
اريد ان ان اقول ان الأعلام في عالمنا العربي في الغالب يقدم صورة الحاضر خارج جذورها العميقة يتناول القشرة بدل ان يغوص الى العمق ، يضخم الأحداث ويعطيها بعدا بؤريا ، ينكأ الجروح بدل ان يعالجها ،يشوه الواقع بدل ان يرسم صورة واضحة له ، يثير اكثر مما ينير ، انه اعلام غير متوازن وغير موضوعي ، اعلام الدولة يجاهد لتحسين صورة النظام والطبقة السائدة اعلام الأفراد والمنظمات يسقط في العشوائية او التعميم يتلاعب بالعواطف الساذجة ويمسخ الحس السليم . ينمي النزعات العدوانية والمدمرة في الشخصية .
الأرتباك والأنشطار والحيرة سمة تلازم المتلقي العربي فهو في احيان كثيرة لا يستطيع التمييز لايتمكن ان يحدد لنفسه هدفا ، اتجاها ، طريقا يدرك من خلاله ما هو ايجابي ، ماهو تربوي ونافع ، هذا التعدد والتنوع في الفضاء الأعلامي العربي عمق ازمة الأنتماء والهوية لدى المواطن خاصة في خضم الأزمة الاجتماعية والحضارية العميقة في عالمنا العربي ، الأزمة تتوسع افقيا لتشمل كل مجال ،الأقتصاد القيم الدين الانتماء القومي العلاقة مع الموروث ، العلاقة مع الآخر المتقدم علينا صناعيا وحضاريا الأشكال العميق في البحث عن التغيير ، بين ماهو كائن وما ينبغي ان يكون .
ان الأعلام العربي بلهاثه وراء الحدث والمعلومة والخبر حتى عندما تكون غير مجدية وغير ذات اهمية وفائدة انما يقدم صورة قهرية للحاضر صورة تعمق دائرة الهم الفردي والجمعي يوسع هوة اللانسجام واللاتوازن مع الذات ومع العالم ، وغالبا ما تبدو العلاقة بين الأعلام والمتلقي علاقة تجاذب وتنافر وليست علاقة حوار وتفاعل ، انه يشوش العالم الداخلي للمتلقي العربي يضعه في تناقض دائم مع متطلباته ورغباته ومع المحيط ..بمعنى ان وسائل الأعلام بدل ان تساعد الناس على ترتيب وتنظيم وعيهم تساهم في تشويش الوعي وتعميم الغموض ، تشدهم بقوة الى الخارج الذي يموج بالتصارع والتنافر . ان هذا الكم الهائل من الأعلام وخاصة " الفضائيات " الوسيلة الأسهل للتلقي والمعاينة وضعت المتلقي في متاهات الأختيار والمتابعة الجادة جعلته مشدودا ومأخوذا بهاجس الكشف والأطلاع ومصارعة الزمن للحاق بكل ماهو جديد والمرور العابر والسطحي على كل ما هو معروض امام ناظريه دون تعمق او استقصاء او تحليل ما يشاهد ويسمع ... لمجرد متعة النظر في احيان كثيرة .
وفي خضم التنافس المحموم الذي يشهده عالمنا في شتى المجالات صارت الوسيلة الأعلامية اشبه ببضاعة قيمتها الأستعمالية عابرة ومؤقتة واثرها محدود لا يعلم ولا ينظم ، ومن شدة هذا التواتر والتلاحق المعلوماتي والخبري حدثت انزياحات وفجوات متتالية في الذاكرة الفردية والجماعية للمتلقين صار ميدان الجمع والحصر ميدان جذب ولفظ وليس احتواء وانتفاع . وصورة الأعلام في عمقها الباطن والخفي انعكاس لتشظي الميول الفردية والجمعية في كل الميادين السياسة ، الدين ، التجارة تأكيد الذات حتى في نطاق ضيق ومحدود واسباغ التعظيم وابراز ماهو محلي واحيانا تافه .لمجرد الظهور وحب الأنتشار في عالم جعل الباطن ظاهرا واظهر كل ما كان مستورا حتى صار الخفاء مائلا في كيان كل ما هو ظاهر ومعلن .
ولا بد ان نعرج على الأعلام الفضائي العراقي في المرحلة الجديدة التي يعيشها العراق ، فقد توسع هذا الأعلام كثيرا وتوزع باتجاهات مختلفة انه يعكس بهذا القدر او ذاك صورة التنوع الأثني والمذهبي والقومي والديني لمكونات الشعب العراقي ، كل مجموعة تريد تأكيد نوع من خصوصية اجتماعية او عقائدية تحفر في الماضي لأعادة قولبة الوعي المكون لمحيطها بما يبعده غالبا عن الفضاء الوطني والأنساني الشامل . ان روافد التنوع الثقافي والخصوصيات المحلية يجب ان تؤكد هوية الأنسان الواسعة ويجب ان يصب الخاص اغناء وتطويرا في رافد العام وتفاعلا وتكاملا وليس انعزالا وتقوقعا .
ولابد من الأشارة اخيرا الى ان دور الأعلام العربي في تشكيل الوعي الأجتماعي كبير وخطير جدا ففي عصر العولمة بعيش العالم العربي ازمة ثقة مع الآخر ، انها ازمة ذات وجوه متعددة ناجمة عن الأختلال وعدم الأنسجام في العلاقة ومع معطيات عالمنا ومع قيم الآخر ومنظوراته الفكرية والحياتية ، وتعمل فضائيات عربية معينة على تعميق هوة التوتر الاجتماعي العقائدي والفكري مستغلة وجود قصور مريع في مستوى الوعي الأجتماعي والثقافي وانغماس الغالبية في معمان الحياة اليومية والتخلف والأنغلاق ومصاحبة ذلك عند بعض القطاعات بوهم احتكار الحقيقة او التميز والأفضلية ، ولا بد ان يعي الأعلاميون ضرورة مداواة عذابات الضمير الاجتماعي العربي المنجرح وتسكين آلامه وتضميد جروحه في مواجهة تناقضات وصراعات عالمنا ، وضرورة اعطاءه جرع من الهدوء والأسترخاء بما يؤدي الى تعزيز الثقة بالذات وبطرق شتى منها عدم "تضخيم" الأحداث والأخفاقات واعطاءها ابعادا من المبالغة والتهويل ، ونشر ثقافة التسامح واحترام الرأي الآخر ونقد الذات والنظر الى الأمور بمرونة وصبر وتروي ومواجهة المعضلات بصبر وثبات وثقة بالنفس والتعاطي الإيجابي مع المحيط والآخر .
8-2-2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز