الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بانوراما السِّحر في سيرة حبّ بليغ

فاطمة ناعوت

2020 / 11 / 1
سيرة ذاتية


عذوبةٌ تشبه السَّيرَ بحذرٍ فوق غيمةٍ علوية رخوة من حليب السماء. تكتمُ أنفاسَك وأنت تترقّب الأغنيةَ القادمة، وعيناكَ على عصا المايسترو "محمد أبو اليزيد" تسألها: "ماذا سوف تمنحيننا الآن من مغارة كنوز بليغ حمدي؟"
لا يليقُ باسم "بلبل الموسيقى" إلا عملٌ أوركسترالي حيّ، ينثرُ أنغامَه الاستثنائية على حناجرَ موهوبةٍ مثل: “رحاب مطاوع"، نهلة خليل"، "هبة محمد"، "تامر سعيد"، "عمرو أصلان"، و"عماد عبد المجيد"، الذين أمتعوا مسامعَنا في "مسرح البالون" على مدار سنوات بأغنيات أم كلثوم، عبد الحليم، وردة، شادية، محمد رشدي، وفردوس السماء المصري: الشيخ سيد النقشبندي، الذين جدل "بليغ حمدي" موسيقاه على أحبال حناجرهم. بديعٌ أن نشاهدَ صبايا وشبابًا يرقصون الباليه على موسيقى "بليغ" يعزفها تختٌ شرقيٌّ عظيم في المسرحية الاستعراضية "سيرة حب"، التي كتبها المبدع "أيمن الحكيم" وأخرجها المخرج ورئيس البيت الفني: "د. عادل عبده"، وأنتجتها وزارة الثقافة والبيت الفني للمسرح وقدمتها الفرقة الغنائية الاستعراضية، ومجموعة ممتازة من النجوم، ليردّوا الاعتبارَ جميعُهم، إلى أحد كبار ملوك الموسيقى المصرية والعربية: “بليغ حمدي".
“سيرة حب"، التي أسدلتْ ستارتَها قبل أيام بعدما أتمّت عامَها الثالث، لتفتح ستائرَ قلوبنا على الأصالة والرقيّ، عملٌ استعراضي غنائي جميل، تجتمع فيه عناصرُ الأوبرا من الفنون السبعة: الموسيقى، الغناء، الشعر، الباليه، الديكور، الفن التشكيلي والنحت والسينوغرافيا، والتمثيل، على شرف أوركسترا حيّ؛ وليس Play Back كما يحدث في معظم الأعمال المسرحية الاستعراضية. وهذا ما يليق بقيمة فنية هادرة مثل "بليغ حمدي" الذي طالما حلُم طيلةَ حياته، القصيرة مهما طالت، بتضفير موسيقاه بالمسرح الغنائي والأوبريت المسرحي. فكانت "سيرة حب"، هذا العملُ الثريّ، هديةً لاسمه الرفيع وردّ اعتبار لهرم مصري شاهق، لم ينل في حياته ما يستحقه من تكريم يليق به، على أنه حصد قلوب متذوّقي النغم الأصيل في جميع أرجاء العالم، وذاك هو التكريمُ الأجلّ.
العمل يخلو من الأحداث والدراما إلى حد بعيد، لأنه مسرح استعراضي أوبرالي بالمقام الأول. لكن جرعة الكوميديا المكثّفة التي قدّمها لنا الفنان "مجدي صبحي" وهو يحاكي شخصية الموسيقار محمد عبد الوهاب، في أسلوب حديثه وجلسته وملابسه وإطراقه وهو يُنصتُ، وخفّة ظلّه في "وسوسته" وهلعه من فكرة العدوى وانتشار الميكروب، كانت كافية لغمر قلوبنا، نحن المشاهدين، بالبهجة والمرح والضحك "الفارْس". جرعةُ الكوميديا تلك، عادلتْ موضوعيًّا جرعةَ الشجن ووخز القلب التي ضربتنا ونحن نُنصت إلى "موال النهار”: "عدّى النهار والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر الشجر/ وعشان نتوه فى السكة/ شالت من ليالينا القمر/ وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها/ جانا نهار مقدرش يدفع مهرها...” التي كتبها العظيم "عبد الرحمن الأبنودي" وموْسَقها "بليغ" على صوت "عبد الحليم حافظ"؛ بكائيةً حزينةً جارحة لهزيمة 67. لكنّ الأملَ عاد ورقصت قلوبُنا على موسيقى الجواب عالي المقام: “أبدًا/ بلدنا للنهار/ بتحبّ موال النهار" فطردنا اليأسَ وحلَّ الأمل.
مشهدُ المحاكمة الفنيّة التي عُقدت للموسيقار بليغ حمدي، بعد عودته من منفاه في باريس، كان المشهدَ الدرامي العمدة. مِنصّةُ المحكمة صمّمها "محمد الغرباوي" على شكل بيانو، كرسالة تقول إن الفنَّ لا يُحاكَم إلا في محكمة الفنّ. وفي المحاكمة استدعى "أيمن الحكيم" أهراماتِ مصر الفنية: ثومة، عبد الوهاب، عبد الحليم، النقشبندي، محمد رشدي، الأبنودي؛ ليكونوا شهودَ نفيّ جاءوا لتبرئة صديقهم "بليغ حمدي" الماثل في قفص الاتهام، ثم استنطقهم، ليطرحوا آراءهم الثرية في بليغ. فقالت ثومة: "هذا الذي جدّد شباب الموسيقى في مصر، لا تليق به قضبانُ القفص.”، وقال عظيم الموسيقى محمد عبد الوهاب: "بليغ حمدي هو أملُ الموسيقى."، وتتوالى الشهاداتُ الثرية التي يقولها الكبارُ عن الكبار، ومع كل شهادة يُقدّم الشاهدُ مقطعًا من فرائد بليغ. وحينما وصلنا إلى صوت النقشبندي شاديًا: “مولاي إني ببابك قد بسطتُّ يدي"، كانت قلوبُنا قد رقّت وشفّت ورهُفَت وذابت مع نغمات هذا اللحن العالمي والصوت السمائي الآسر، فتعطّلت حواسُّنا وغبنا عن الوعي شجوًا. ولم نستعد أنفسَنا إلا مع صوت القاضي يقضي ببراءة "بليغ حمدي"؛ فضجّت القاعةُ بالتصفيق الحارّ وزغاريد النساء وعانقت أرواحُنا روحَ بليغ في سماوات الله لنقول له: “مصرُ لا تُهين مبدعيها، وأنت كبيرُهم الذي عشقها وغنّى لها في النصر والهزيمة.” وهبط علينا بليغ على أرجوحة مفتاح صول ليحتفل معنا ببراءته.
تحية للفنان "إيهاب فهمي" الذي أجاد محاكاة شخصية "بليغ حمدي" بفوضاه وبوهيميته وشروده عن الواقع؛ لأنه مأسورٌ في فضاءات الموسيقى، وتحية احترام لجميع من ساهم في تقديم هذا العمل الماسّ الجميل. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يُجِلُّ عظماءَ بالوطن”.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا تحمل الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية لفرنسا؟| #ا


.. روسيا.. اشتعال النيران في مستودعات نفط بعد هجمات بمسيرات أوك




.. حزب الله يستهدف مبنى عسكري إسرائيلي بالجليل الغربي| #الظهيرة


.. وزير الداخلية الإيراني: الشعب الإيراني اختار مسعود بزشكيان ا




.. واصف عريقات: الجيش الإسرائيلي ينقصه المعنويات والروح القتالي