الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تيفولي - ايطاليا

دينا سليم حنحن

2020 / 11 / 1
الادب والفن


تيفولي إيطاليا، قصور وسرايا وتاريخ عريق.

انزلقتْ أطرافِي في كُوّةٍ بعيدةٍ لا تشبهُ أيَّ قَعرٍ، حين عَزمتُ على الذهابِ إلى إحدى المدنِ الإيطاليةِ الجميلةِ والعريقةِ، والتي تُدعى تيفولي، وتقعُ على نهرِ أنييني، على بعدِ 30 كم شرقَ العاصمةِ الإيطاليةِ.
استخدمتُ حواسِّي جميعَها لأَحظَى بالمزيدِ من الرؤيةِ، فمُهمةِ السفرِ تتطلّبُ، أن تستيقظَ على عزيمةِ التّجوالِ والاكتشافِ، وجمعِ ما تستطيعُ جمعَهُ من مُشاهداتٍ ومعايناتٍ نادرةٍ.
بدأت مُهمةَ اكتشافِ المدينةِ من محطةِ قطارِ روما المتجهِ نحوَ الهدفِ، لم يكنِ القطارُ حديثا ولا مُريحا، مقاعدُ خشبيةٌ يابسةٌ وضيقةٌ، تدلتْ منه دَرفاتُ النوافذِ التي بقيتْ مفتوحةً مما دعا الريحَ إلى التفرعنِ، والتجبرِ داخلَ المقطورتين، وكلما اخترقَ القطارُ، وتوغّلَ في إقليمِ لاتسيو تكشّفَ للعينِ المزيدُ من الضواحي الفقيرةِ، لكنْ قبلَ الوصولِ إلى المحطةِ الأخيرةِ ظهرت من بعيد قلعةٌ تاريخيةٌ ضخمةٌ، استُخدِمت سجنا، وتحوّلت فيما بعدُ إلى متحفٍ، وقد قامت تلك القلعةُ على تلةٍ ارتفعت 250 مترا عن سطحِ البحرِ، وشهدتْ على تاريخٍ عريقٍ من التمّردِ والعصيانِ زمنَ الخصومِ في الدولةِ اللاتينيةِ، ثم إنّ المدينةَ أُخضِعَتِ في النهايةِ واعتُبِرَت حليفا لروما. يمكن اعتبارُ مدينةِ تيفولي أبعدَ بعدةِ قرونٍ من روما.
نشأ بيني وبينَ محطةِ القطارِ إحساسٌ غيرُ مريحٍ، بدايةً أردتُ العودةِ من حيثُ وصلتُ، لكنّ أحدَهم وقفَ أمامي، وحثّنِي على الاستمرارِ في رحلتِي قائلا: اخرُجي من المحطةِ المُهملَةِ، واسلُكِي طريقَ النهرِ، وعند عودتِكِ مساءً أخبريني عن انطباعاتِكِ، وللعلمِ، فإنّ آخرَ قطارٍ يعودُ إلى روما في الثامنةِ مساءً.
عبَرتُ جسرا مُعلّقا، تسَرّبَ إلى مَسامِعِي صوتُ كمانٍ، بحثتُ عن العازفِ فلم أجدْهُ، وإذ بصبيٍّ يُلوّحُ لي من بعيد يدعُوني إلى الاقترابِ، كان قد اعتمرَ قبعةً صُنِعت من القَشِّ، وحملَ بعضَ المِظلاتِ، أخبرني أنني قد أصبحتُ داخلَ مِنطقةِ ( سوق البرغوث )، سوقٍ شعبيٍّ أسبوعيٍّ عُرِضَت فيه جميعُ ما تشتهِيهِ العينُ، وقال لي: لقد حجزتُ لك مكانا، وها هي الشمسيةُ، وثمنُ المَقعدِ صورتان لأوريليوس، (قصد فئة 50 سنتا، مرسومٌ عليهما تمثالُ الإمبراطورِ ماركوس أوريليوس وهو على ظهرِ الخيلِ)، حسابُكِ الكُليُّ كما تريدين من دافنشي، قصدَ يورو، (اعتمد عمل من دافنشي على اليورو).
نَقدتُ الصبيَّ بيدِهِ ما أرادَ واستمررتُ في رحلةِ الاكتشافِ، سلَكتُ طريقا اكتظّت بفيلاتٍ رائعةِ الجمالِ زُوِّدت بحدائقَ مُورِقةٍ، وأخِذْتُ بمشاهدِ الشلالاتِ، والجداولِ، والبِركِ، والقصورِ المُكتنزةِ بالتُّحفِ والنوافيرِ القَيمةِ، وعرفتُ خلال ذلك التَّجوالِ أنَّ الإمبراطورَ الحاكمَ قد أقامَ في قصرٍ من تلك القصورِ.
شُيّدَتْ كنائسُ تاريخيةٌ عديدةٌ بمُحاذاةِ بيوتِ الأثرياءِ، وتحولتْ بعضُ القصورِ إلى قاعاتِ أفراحٍ تُطِلُّ شُرفاتُها المُشرَعةُ على حقولِ الزيتونِ التي أحاطت بالأماكنِ الأثريةِ الرومانيةِ.
عندما وصلتُ إلى فيلا المحاربِ أدريانو، بدا لي وكأنني دخلتُ الجنةَ المَوعودةَ التي يتحدّثونَ عنها، ففي كلِّ جدارٍ ارتسمت حِقبةٌ من التاريخِ، وفي كلِّ سقفٍ نُقشتِ الصورُ العريقةُ التي تروي أحداثًا كثيرةً حصلتْ.
في نهايةِ النهارِ عزَمتُ على تناولِ طعامِ العَشاءِ، فاحترتُ بانتقاءِ المطعمِ من سلسلةِ مطاعمَ أقِيمَتْ في المِنطقةِ الأثريةِ للمدينةِ، ببنائِها القديمِ الذي يعودُ إلى أكثرَ من 300 سنةٍ قبلَ الميلادِ، جلستُ في مكانٍ أثريٍّ امتدّ فوقَ قمةِ الوادي العميقِ، وكان المكان يضجُّ بالسّياحِ، وبخريرِ الشلالاتِ، والينابيعِ المتدفقةِ الرائعةِ.
من يزُرْ إيطاليا ويُفوّتْ زيارةَ تيفولي، يخسرْ كثيرا من المشاهدِ الحضاريةِ والتاريخيةِ التي تُعرف بها أوروبا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل