الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالمية في قصيدة القرن كميل أبو حنيش

رائد الحواري

2020 / 11 / 2
أوراق كتبت في وعن السجن


إذا تعمقنا في القرآن الكريم سنجد أن سورة العصر من السور القصار، ولا تتجاوز السطرين، وهي تتحدث عن العصر، وافعال الإنسان، "وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)" تلتقي القصيدة مع السورة القرآنية في أنها تبين عيوب الإنسان، فالشاعر لا يتحدث عن أمة/قوم/جماعة بعينها، بل يتحدث عن كل من في الكون، كما أنه يربط (خراب) العصر/القرن بفعال الناس، لهذا سنجده يخاطب أشياء كثيرة وكبيرة وعظيمة، وبما أنه (ناقم) على العصر/القرن وغير منسجم مع ما يجري فيه، فخطابه تماثل مع خطاب (لير) عندما فقد ملكه وعلم خيانة بناته له، فحجم الخراب والفجيعة ترفع كلمات الإنسان لتخاطب الكون وما فيه/عليه.
يفتتح الشاعر القصيدة:
*** "مِنْ أينَ نَبدأ في
قِراءتِنا الحثيثةِ للزَّمانِ
و سبرِ أغوارِ الوجودِ
ولا يهمُّ إذا تنوَّعَتِ القراءاتُ العديدةُ
عن يدٍ أهدَتْ إلينا
كلَّ هذا الكونِ


كي نرِثَ الفضولْ"
دائما صيغة السؤال تستوقف القارئ، كما أن (الحيرة) في من "أين نبدأ" تشير إلى كثيرة الأشياء أمامنا، وبما أن الشاعر استخدم صيغة الجمع نحن "نبدأ، نرث" فهذا أيضا يخدم فكرة الكثرة، كما أن ألفاظ الجمع في: "قراءتنا، الحثيثة، القراءات، العديدة" تعطينا مدلول الكثرة، ورغم وجود ألفاظ مفردة مثل: "للزمان، الوجود، الكون" إلا أنها تشير إلى أشياء عظيمة وكبيرة، وهذا ينسجم مع مضمون القصيدة "القرن" فهو شيء كبير وعظيم وهائل، فكان لا بد من استخدام ألفاظ تناسبه.
يأخذنا الشاعر إلى خلق الكون وما فيه مستخدما صيغة السؤال، ل
" أيُّ طيرٍ باضَ هذي الأرضَ
كي تلِدَ الحياةَ.....
و أيُّ دربٍ نقتفيهِ
لكي نعيشَ كما يليقُ "
أيضا يثيرنا الشاعر بسؤاله عن خلق الأرض، وبسعينا نحو الحياة السوية، والجميل في هذا المقطع أنه قارب صورة الأرض بصورة البيضة، وهي الصورة الحقيقية للأرض، فهي ليست كروية، بل اقرب إلى شكل البيضة.
هاجس الشاعر الأسير يتمثل في الزمن/الوقت الذي يمضي ولا يمضي، فهو يتعامل مع الزمن بطريقته الخاصة، ويقدره بغير طريقتنا، فهو يراه زمن ألم وصلب وعذاب:

"مِن محنةِ التَّاريخِ ...
مِن ذكرى يسوعَ يُؤرِّخونَ زَمانَنا
و كأنّنا نحنُ اللّذينَ على الصَّليبِ مُسمَّرينَ"
الجميل في هذا التقديم أنه جعل حدث حقيقي/بداية التاريخ الميلادي رمزيا لاستمرار الألم والصلب، فمنذ زمن صلب يسوع الفلسطيني إلى غاية الساعة ما زال يسوع/الفلسطيني "مسمرا".
وعندما أقرننا بآلامه اشارة بطريقة غير مباشرة إلى الأذى الذي يتعرض له المسيح/الفلسطيني الآن، وأيضا ربط من قاموا وأسهموا في صلبه قديما بمن يصلبونه الآن، وبهذا يكون الشاعر قد اشار إلى من هو المصلوب/المظلوم ومن هو الصالب/الظالم.

"لا نزالُ مُكبَّلينَ
و سائرينَ إلى الوراءِ"
الشاعر يرى العالم ويرانا نحن/شعبه/أمته من خلال واقع الأسير الذي يثقل كاهله، لكنه (يخفي) المه الخاص ويقدم ألم شعبه/أمته، ورغم قسوة الصورة "مكبلين، إلى الوراء" إلا أن الحركة العكسية جملت المشهد، وخففت/قللت من الأذى الذي يسببه للقارئ.
"فَسِرْ بنا يا قرنَنا الأعمى...
سريعاً...
نحوَ أبوابِ الخروجِ
مِن التَّعاقُبِ و الفصولْ"
في هذا الخطاب/النداء/الأمر يبن الشاعر حنقه على العصر/القرن من خلال "الأعمى"، واللافت أن الشاعر يخاطب "القرن/العصر" بعين اللغة التي يفهما، مستخدما ألفاظا: "سريعا، تعاقب، الفصول" فكل هذه الألفاظ لها علاقة بالزمن/بالوقت/بالعصر/بالقرن، كما أنه يربط الزمن بالمكان من خلال "أبواب، الخروج" وأيضا هنا (يخفي) الشاعر ألمه/مشاعره تجاه الزمن والمكان وينسبها لشعبه/لأمته، فهو يرى نفسه وامته بعين المنظار والصورة.
يكشف الشاعر حقيقة ما يجري في منطقتنا، مبينا أحداثا (حقيقة) جرت، لكنها في حقيقتها مجرد مسرحية:
"والقرنُ يفتحُ بابهُ بقيامةِ البرجَين
و الغزوِ السَّريعِ ...
إلى الرُّقاقاتِ الذَّكيَّةِ
و إزدهارِ الطِّبِّ و التَّحويلِ،
و الثَّوراتُ تُشعِلُ عصرَنا
نصحوا لنلهَثَ باحثينَ
عن الغوايةِ و المرَحْ لكنَّنا
لا نستريحُ ، و لا نُحسُّ سعادةَ
الكسبِ الوفيرِ مِن اللَّذائِذِ و الفرَحْ"
إذا ما توقفنا عند من (المتكلم) نجده من منطقتنا ومن خارجها، فهناك اشارات على أنه من الشرق الأوسط: "البرجين، الغزو، الثورات"، واشارات على أنه من خارجه: "السريع، ازدهار، التحول، عصرنا، نصحوا، نلهث، الغواية، المرح، لا نستريح، السعادة، الكسب، الوفير" فكل هذه الالفاظ تشير إلى أن المتحدث هو إنسان غربي، فالهموم المطروحة هموم (مترف) وليست همومنا نحن في المنطقة العربي، التي تعاني الفقر والقمع والتخلف.
وهذا ما يجعل القصيدة تأخذ بعدا عالميا، يتجاوز فلسطينية الشاعر وحتى منطقتنا العربية، فقد استطاع الشاعر أن يتحدث عن هموم الناس في أكثر من مكان، لكنه يحدد الزمن/العصر/القرن، الذي أصبح فيه الإنسان يعاني من الضياع، بعد أن أمسى مرتبطا بزمن/بقرن أعمى.


"والقرنُ أعمى ...
راكِضاً فينا
على أكتافِهِ ومُسمّرينَ
يسيرُ فينا مُسرعاً
نحوَ النِّهاياتِ الفَظيعَةِ و الفناءْ
يا قرنُ ... مهلاً ... لا تُسرِّعْ في قيامتِنا
و امشِ الهُوينى كي نراكَ
مُبشِّراً برخائِنا و هنائِنا،
نحتاجُ أنْ نعتادَ هذا السَّهلَ فيكَ
و نَهضِمُ الفرحَ الوفيرَ...
فَسِرْ بنا،
نحنُ الحيارى البائسينَ
إلى النِّهاياتِ الظَّليلَةْ،
و املأ خَلايانا العليلةَ بالحياةِ
لعلَّنا نحيا قليلاً
أو نعودَ - بحُلمِنا -
نحوَ البداياتِ السَّحيقةِ و الأصولْ"
يتجه الشاعر نحو هموم الناس كافة، متجاوزا واقعه كأسير وكفلسطيني وكعربي يعاني الأمرين، من ظلم الحكام والنظام البائس، ليتحدث عن مشاكل عامة الناس، واصفا القرن ومخاطبا إيه ومؤكدا على (العمى) الذي هو فيه، ما يحسب لهذا الخطاب أن الألفاظ المجردة تشير إلى حالة التناقض/الصراع/المعاناة التي يمر بها إنسان هذا العصر/القرن، فالسرعة التي نجدها في: "النهايات (مكررة)، راكضا، مسرعا، قيامتنا" كلها تثفل كاهل إنسان العصر القرن، فالسرعة أصبحت عبئ على الإنسان أكثر مما هي رفاهية، لهذا نجد الشاعر يطالب بالتريث والهويناء: "لا تسرع، الهوينى، السهل، فسر بنا، بهذا (الهدوء) يطالب الشاعر.
واللافت في لألفاظ المجرد وجود صراع: "النهايات/البدايات، مسمرين/مسرعا/راكضا، مسرعا/مهلا، سر/راكضا، مسرعا/الهوينى/راكضا، الفناء/نحيا، الفظيعة/الظليلة، بهذا يكون الشاعر قد أوصل الفكرة ليس من خلال المعنى فحسب، بل من خلال الألفاظ المجردة.
ينقلنا الشاعر إلى مشاكل المكان/الأرض، أليس هو ساكنها؟:
"و الأرضُ تغرقُ بالحرارةِ و الدُّخانْ
و الأرضُ حُبلى بالمتاهاتِ الطَّويلةِ
و الحياةِ على القشورْ
تتكاثرُ الدِّيدانْ يَنتشرُ التَّلوُّثُ ، تختفي الغاباتُ
رأسُ المالِ يَكتسحُ الهواءْ"
من يقرأ هذا المقطع يتأكد أن الشاعر ينتمي إلى المجتمع الغربي، الذي يهتم بالبيئة والسلامة كوكب الأرض، فقد (ابتعد) الشاعر عن جغرافيته وانتقل إلى مكان أكبر وأوسع، فمكانه محدود بالنسبة لحجم الأرض، ولا يلبي موضوع القصيدة "القرن/العصر" فالزمن غيرا متعلق بجغرافيا محددة، بل في كل مكان في الأرض.
وللافت في هذا المقطع خلوه من ذكر الزمن/الوقت، فهو متعلق بالمكان، لكنه مكان مشاع لكل الناس، وليس محدد لشعب/الأمه بعينها، بهذا يكون الشاعر قد تحدث بصفة إنسان يعاني كبقية الناس على هذه الأرض، فهل أراد بهذا الخروج من واقع جدران الزنزانة؟، أم أنه فعلا يعاني كبقية الناس من خراب الأرض؟.
يجيبنا:
"وكُلُّنا يجتاحُنا هذا الذُّهولُ
و كُلُّنا مرضَى التَّعاسةِ و الذُّبولْ"
إذن حسم الشاعر الأمر، وأكد على أن هناك خراب ليس في أرضه فحسب، بل خراب عام يطال كل الأرض.
وهذا يستدعي وجوب وجود منقذ/مخلص، نستعين به للتخلص مما لحق بنا وبأرضنا من خراب:
"أينَ السَّماءُ و قدْ تعاظمَ
صَمتُها و حِيادُها
لنلوذُ فيها ، نستجيرُ
وأينَ أنتَ و قدْ تفاقمَ يأسُنا
و ننوءُ مِنْ حِملٍ ثقيلٍ ظلَّ يُبطئ سَيرَنا"
يستخدم الشاعر صيغة السؤال ليثيرنا ويستحثنا على العمل/الفعل، فيستعين بالسماء، ملجأ كل المؤمنين على الأرض، مستغربا (صمتها/سكوتها، إهمالها/حيادها) فهو بهذا السؤال يريدنا نحن البشر أن نتقدم للعمل/للفعل، ونتجاوز المساء، لهذا استخدم صيغة المخاطب المفرد "أنت"، وليس الجمع "انتم".
وما يحسب لهذا المقطع أن الشاعر (محى/أزال) الوقت/الزمن، وأيضا المكان، فبدا الخطاب مشاع يتجاوز الزمان والمكان، لكنه موجه إلى الإنسان، إلينا نحن القراء، لهذا ركز على المشاعر والمعناة الإنسانية/البشرية من خلال: "نلوذ، نستجير، ننوء، يأسنا، سيرنا" وقد استخدم الشاعر صيغة الجمع "نحن" ليؤكد على أننا نعاني وسنعاني (جميعا) من خراب أرضنا.
لا يرى الشاعر بريق أمل في واقعنا فيمضي إلى النهاية:
"فمتى القيامةُ ...
آهِ... لو تأتِي القيامةُ
كي تَرُدَّ الميِّتينَ
ليَشهدوا مأساتَنا...
ينهارُ عالمُنا المُضيء أمامَنا
فمتى القيامةُ
كي نموتَ لعلَّنا نَحيا ولو في موتِنا
لم يأتِنا وحيٌ جديدٌ"
في هذا المقطع يجسد الشاعر نهاية الكون/الأرض، لهذا يكرر القيامة ثلاث مرات، ويستخدم الموت بثلاث صيغ: "الميتين نموت، موتنا" ويضف عليها "مأساتنا" وإذا تقدمنا من فاتحة المقطع "آه" نتأكد ان هناك قاتمة سوداء تنتشر في المقطع، ولم تترك إلا بصيص ضعيف نجده في "المضيء، نحيا وحي، جديد"، لكن القاتمة هي الأساس وهي سيدة الموقف:
"فَاسِرعْ بنا يا قرنُ نحوَ :
هلاكِنا و خلودِنا".
يخم الشاعر القصيدة:
"و سِرْ بنا يا قرنَنا الأعمى ...
و لكن قِفْ قليلًا
كي نودِّعَ نفسَنا...
و لكي نُعانقَ كلَّ شيءٍ حولَنا
قبلَ النِّهايةِ و الأفولْ"
إذن نهاية سوداء تنتظرنا نحن سكان الأرض، وجل ما يطلبه الشاعر هو (مساحة/وقت) للوداع، فقد وصل إلى حالة القنوط، فقد بدا يائسا مستسلما للواقع، وانعكس هذا أمر عليه فبدا حزينا: "نودع، نعانق" فالعاطفة/الحنين الكامن فيهما يشير إلى أن العصر قاسي بحقنا.
القصيدة منشورة على صفحة شقيق الشاعر كمال أبو حنيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي


.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس




.. Amnesty International explainer on our global crisis respons


.. فيديو يظهر اعتقال شابين فلسطينيين بعد الزعم بتسللهما إلى إحد




.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي