الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعيات جائحة فيروس كوفيد 19 المستجد على القطاع الثقافي

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2020 / 11 / 4
الادب والفن


الجائحة هي وباء ينتشر على نطاق واسع يتجاوز الحدود الدُوليَّة، مؤثرًا على عدد كبير من الأفراد, وهي بهذا الوصف تمثل خطرا يهدد الإنسانية ما لم يتم التصدي المبكر والحازم عند أول حدوثها . ظهرت الجوائح أكثر من مرة عبر التاريخ, كان أبرزها أمراض الجدري والسُلّ والطاعون التي حصدت جميعها أرواح الملايين من الناس قبل أن تتمكن البشرية من إيجاد لقاحات للحد من إنتشارها وأدوية لمعالجة المصابين بها . وفي العصر الحديث ظهرت جوائح أخرى أشهرها : فيروس نقص المناعة المكتسبة والإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة أكثر من (50) مليون نسمة في العقد الثاني من القرن المنصرم ,وهذا الرقم يتجاوز عدد الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى , وجائحة إنفلونزا الخنازير 2009 وفيروس كورنا سارس كوفد 2, وآخرها فيروس كورنا كوفد 19 المستجد , الذي قد تكون تداعياته الاقتصادية والاجتماعية بالحجم الذي أحدثته الجوائح السابقة أو أكثر, نظرا إلى عوامل عدة أبرزها العولمة.
لا يوجد حتى الآن علاجٌ محدد متاحٌ لمرضى فيروس كورونا كوفد 19 المستجد ، مع إستمرار الجهود على تخفيف الأعراض ودعم وظائف جسم المريض المصاب. بلغ إجمالي وفيات الفيروس حول العالم بنهاية شهر أيلول المنصرم مليونًا و175 حالة، في حين ارتفع إجمالي الإصابات إلى 33 مليونا و169 ألفا و393 إصابة . تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة بلدان العالم في وفيات كورونا، بـ209 آلاف و230 وفاة، تليها البرازيل بـ141 ألفًا و441، ثم الهند بـ94 ألفًا و 971 , وما زالت الإعداد بإزدياد مطرد, الأمر الذي أثار مخاوف الكثير من الناس من تداعيات هذا الفيروس الخطير, لاسيما أن أعراضه قد لا تظهر مباشرة لدي حامليه , فضلا عن سرعة إنتشاره كإنتشار النار في الهشيم.
أظهرت بعض الدراسات وألإحصاءات تأثيرفيروس كوفيد-19 على الصحة النفسية والعقلية في الكثير من دول العالم، حيث يشير خبراء علم النفس إن الأطفال باتوا يعانون من القلق والإكتئاب والتوتر وعدم اليقين, بسبب بقائهم في المنازل لمدة طويلة جراء الإجراءات المتخذة بغلق المدارس , لمنع تفشي إنتشار فيروس كوفد – 19 . كما لوحظ تزاييد العنف الأسري , وبخاصة ضد النساء عند بقاء الناس فترات طويلة في المنزل . يتحدث العاملون في قطاع الصحة عن تزايد الحاجة لدعم نفسي لجميع أفراد المجتمع وبخاصة الأفراد الذين فقدوا مصدر رزقهم . حذّرت الأمم المتحدة من أن وباء فيروس كوفيد-19 قد يثير أزمة عالمية كبرى في مجال الصحة العقلية, داعية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المشكلات النفسية الناجمة عن تداعيات الفيروس.
والجوائح بطبيعتها تولد كوارث إنسانية لا حصر لها في جميع مجالات الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية , وجائحة فيروس كوفد -19 ليست إستثناء منها , إن لم تكن أخطرها في العصر الحديث لكونها الأكثر فتكا والأسرع إنتشارا في شتى أرجاء العالم , مما إستلزم تضافر جهود جميع حكومات دول العالم والمنظمات الدولية الإنسانية , للحد من خطورتها والتخلص من جميع آثارها بأسرع وقت ممكن. ولا يتوقع أن تعود الحياة الإنسانية إلى ما كانت عليه قبل حدوث هذه الجائحة بوقت قريب , نظرا لما خلفته من آثار مدمرة للإقتصاد العالمي , تتطلب معالجتها وقتا ليس بالقصير, ويتوقع أن تنجم عن هذه الجائحة ,إعادة ترتيب خارطة القوى الدولية المهيمنة في العالم , تماما كما أعادت الحرب العالمية الثانية بعد إنتهائها , خارطة ترتيب القوى الدولية, بحيث ظهرت قوى عظمى على المسرح الدولي وأفلت دول أخرى كبرى , وهكذا هو حال العالم .
إن ما يعنينا هنا هو تأثير جائحة فيروس كورونا كوفد – 19 المستجد على قطاع الثقافة والفنون تحديدا , لكون الثقافة والفنون تعبر عن مشاعر الشعوب ووجدانها بأبهى وأحلى صورها , وعن جمالية الحياة وعنفوانها , وتجسيد حضارة الشعوب وتراثها , وقد لا تلقى من حكومات بعض البلدان ما تستحقه من إهتمام ضمن أولياتها , حيث تعدها ترف يمكن تأجيله إلى وقت لاحق.
قلّصت المنظمات الفنية والثقافية حول العالم نطاق أنشطتها العامة تدريجيًا وأغلقت أبوابها بسبب جائحة فيروس كورونا خلال الربع الأول من عام 2020 . أُغلقت معظم منظمات التراث الثقافي بحلول أواخر شهر آذار ، وجرى تأجيل معظم الأحداث الفنية أو إلغائها، إما طواعيةً أو بموجب تفويض حكومي، إذ انطلقت موجة الإغلاقات من الصين وشرق آسيا، لتنتقل بعدها إلى جميع أنحاء العالم. طالت الإغلاقات كلًا من المكتبات، والأرشيفات، والمتاحف، وقطاعات الأفلام والإنتاج التلفزيوني، والعروض المسرحية والأوركسترا، والجولات الموسيقية، وحدائق الحيوان، والمهرجانات الموسيقية والفنية. فقد العديد من العاملين في القطاع عقود عمل أو وظائف إما مؤقتًا أو بصورة نهائية، مع إصدار إنذارات عدّة وإتاحة مساعدات مالية. وبالمثل، قدمت الحكومات والجمعيات الخيرية المعنية بالفنانين دعمها عبر الحوافز المالية وغيرها من أشكال الدعم المختلفة تبعًا للقطاع والبلد.
تقول أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، إن الوباء كان مدمرًا للثقافة والفنون. أغلقت المؤسسات الثقافية كليًا أو جزئيًا في الغالبية العظمى من دول العالم . ولا يزال العديد منها مغلقًا حتى يومنا هذا، وقد لا يفتح بعضها أبوابها مرة أخرى. وتتابع "يجب أن يتحد العالم لحماية تراثنا الثقافي؛ لكن الأزمة أظهرت لنا أيضًا مدى أهمية الثقافة في حياتنا وهوياتنا. تساعد الثقافة على ترسيخنا في الحاضر وتسمح لنا بتخيل المستقبل. وأظهرت الأزمة أيضًا الفرص المذهلة التي توفرها التقنيات الرقمية لربط الثقافة بالجماهير في جميع أنحاء العالم، والتي ستستمر بلا شك كاتجاه رئيسي في المضي قدمًا".
كما أكدت اليونسكو، أن أزمة تفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد – 19) أثرت مباشرة على التراث الثقافي العربي وأوقفت مساعي الحفاظ عليه. لذا تم عقد أول اجتماع استثنائي عن بعد لوزراء الثقافة العرب، بناء على دعوة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الإلكسو)، لمناقشة تأثيرات أزمة مرض فيروس كورونا الجديد على القطاع الثقافي في الدول العربية. وأوصى المشاركون في الاجتماع، بالإسراع في استكمال التحول الرقمي في الدول العربية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة لإنتاج المحتوى الثقافي ورقمنته ودعم الصناعات الثقافية والإبداعية,ودعوا إلى تنظيم حملة لتجاوز حالة الركود التي لحقت بالفنانين والمؤسسات الثقافية نتيجة العزلة التي فرضتها أزمة كورونا.كما أوصوا بتفعيل خطة النهوض بالتصنيع الثقافي في الدول العربية، وإنشاء سوق ثقافية عربية مشتركة، وتشجيع تحويل الأنشطة الثقافية ومستلزماتها إلى محتويات رقمية.
قامت دول عديدة في العالم بدعم قطاعاتها الثقافية منها بريطانيا , حيث تعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بتقديم مزيد من الدعم للقطاع الثقافي في مواجهة تداعيات أزمة جائحة "كورونا"، وذلك بتقديم منح مالية للأفراد المستقلين والشركات الناشئة ورواد الأعمال في مجالات قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية لمساعدتهم على الصمود وتجاوز الصعوبات الناجمة عن "كورونا". وأكدت ميركل، أن جائحة "كورونا" تمثل منعطفاً قوياً في الحياة الثقافية بأكملها، مضيفة إن الكثير من الفنانات والفنانين وخاصة المستقلين منهم تأثروا على نحو خاص.
وفي السادس من أيار 2020، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تدابير لإنقاذ قطاع الثقافة في بلاده من تداعيات أزمة كورونا". كما أطلقت وزارة الثقافة وتنمية المعرفة في دولة الإمارات العربية المتحدة , البرنامج الوطني لدعم المبدعين العاملين بقطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في مواجهة التحديات التي فرضها فيروس كورونا المستجد.
وفي الختام نقول أن على المثقفين والمفكرين والمبدعين والفنانين , أن يسعوا عبر أعمالهم المختلفة إلى إشاعة روح الأمل والتفاؤل بغد مشرق لجميع بني البشر ,والتعايش فيما بينهم من منطلق أن الحياة الحرة الكريمة حق لجميع الناس أينما كانوا وحيثما كانوا ,لتحقيق التنمية والإزدهار والسلام . ولعل إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي, تعد أفضل الوسائل التي يمكن توظيفها لبث البرامج والأنشطة الثقافية المتنوعة لقطاعات إجتماعية واسعة وذات خلفيات ثقافية متنوعة . لذا يتوقع أن تشهد المرحلة القادمة إزدهار الثقافة الرقمية إزدهارا كبيرا عبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد