الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الرابع عشر من تموز 1958 واليوم

علي عبد الواحد محمد

2006 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة التي تفجرت في 14 تموز من العام الميلادي 1958 ، مرت بمنعطفات عديدة رافقتها منذ أيامها الأولى ، الى حين سقوط النظام الدكتاتوري في 9 نيسان 2003 ، حيث تشهد بلادنا الآن مشاريع متعددة لعدة قوى تتراوح بين قوى الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي ، وبقايا النظام السابق وحلفائه من التكفيريين و القوى الديمقراطية بمختلف صنوفها ، وبين التأثيرات الملحوظة لدول الجوار وللقوات المتعددة الجنسية ، وإن إعتبار الفترة الممتدة من عام الثورة الى يومنا هذا مرحلةً واحدة ليس إعتبطاً او تعسفا وإنما ، رأيته وفق ألأسباب التاليية :ـ
1 ـ إن ثورة تموز شكلت حدا فاصلاً بين نظامين إجتماعيين مختلفين هما النظام الملكي الممتد من العام الميلادي 1921 الى العام الميلادي 1958 والنظام الجمهوري الممتد من نفس العام الى يومنا هذا.
2 ـ إن الثورة كانت ديمقراطية في جوهرها ، حيث اتاحت وخاصة في سنتها الأولى ، تطبيق الحريات المدنية ، وأطلقت سراح المنظمات المهنية والنقابية والجمعيات وغيرها ( اي ما يعرف اليوم بمنظمات المجتمع المدني) ، واقرت حقوق الشعب الكردي وتم تثبيت ذلك في اول دستور مؤقت للدولة العراقية . وكذلك حقوق القوميات الأخرى ، واصدرت قانون الأحوال المدنية الذي ساوى المرأة بالرجل . واقرت حرية العبادة وحقوق منتسبي الأديان كافة.

3 ـوضعت اللبنات الأولى لنظام إجتماعي إقتصادي جديد ، على انقاض نظام إقتصادي إجتماعي شبه إقطاعي ، والجدير بالملاحظة إن الصراع دار بين أطراف قوى جبهة الإتحاد الوطني ( وهي الجبهة التي كانت قائمة أنذاك وكان لإطرافها دور هام في الثورة )، حول مستقبل وشكل النظام الناتج عن الثورة .

4 ـ الثورة نفذت مشاريع صناعية متعددة وفسحت المجال امام الرأسمال الوطني ، للتوظيف في مشاريع اخرى ، إضافة لإهتمامها بالصناعات الإستخراجية وتأسيس الصناعة النفطية الوطنية وإصدارها لقانون رقم 80 الشهير الذي حرر 90% من الأراضي الخاضعة لإستثمار شركات النفط الأجنبية . وإعادة النظر بالقوانين غير الديمقراطية للإستثمار التي كانت سائدة أنذاك.

هذه العوامل وغيرها أدت الى ما يلي : ـ
أ ـ تشكل هوية سياسية مشتركة لدى المواطنين العراقيين ، تعززت بالدستور المؤقت وبالإجراءات الإقتصادية المختلفة ، فشهدت هذه الفترة تنامي هيبة الدولة ، والتجأ المواطنون الى القانون بدلاً عن إحتمائهم بالعشائر، ولعبت منظمات المرأة والشبيبة والطلبة والجمعيات والنقابات العمالية والمهنية دورا في تعزيز هذه الدولة.وكانت مثل الديمقراطية والسلام والحريات والتآخي القومي منتشرة في المجتمع ، وكان الحزب الشيوعي العراقي صاحب المبادرات الكبرى في تربية وتثقيف المجتمع بالقيم النبيلة هذه.

ب ـ جرى صراع حاد ودامٍ ،راح ضحيته المئات من ابناء الشعب ، تتوج بقطع طريق التطور الديمقراطي الحر بواسطة الإنقلاب الفاشي في 8 شباط 1963 الذي اسس للنظام الشمولي الدكتاتوري المعادي للديمقراطية ، ولكنه لم يستطع ، إعادة النظام الملكي السابق ، الصراع الحاد الذي وقع أنذاك ظاهره كان بين دعاة الوحدة الفورية مع مصر وسوريا ،والقوى التي إرتأت إقامة إتحاد فدرالي، وجوهره كان ضد التوجهات الجديدة للدولة العراقية ، ومن اجل الشكل المقبل للدولة ، وضد حقوق القوميات المختلفة وحقوق المرأة ، وحق التصرف الوطني بالثروة النفطية وغيرها ، وضد الإصلاح الزراعي....الخ.

وتستمر الدكتاتورية منذ تاريخ الإنقلاب الفاشي البعثي في 1963 الى لحظة السقوط المدوي لنظام صدام حسين في 2003 ، وتستمر معها فترة التوقف والإنقطاع والتراجع الملحوظ عن تلك المنجزات التي حصلت في اعقاب الثورة التموزية عام1958 ، وكان تراجعا سياسيا بالدرجة الأولى ، وإجتماعيا ، حيث شهدت الفترة حكم الحزب الواحد الذي قمع بالحديد والنار غيره من الأحزاب والقوى ، ولم يسمح لغيره في النشاط السياسي والدعائي ، وشهد الحزب الحاكم نفسه حكم المدينة الواحدة او العائلة الواحدة ، وتجري على قدم وساق عملية تأطير المجتمع وتبعيثه بإستخدام الترهيب والترغيب ، ولتشن الحروب ضد البلدان الجارة ، التي راح ضحيتها مئات الألوف من ابناء شعبنا وبناته ، وليصبح الموت ماثلاً في كل لحظة لكل من ابدى إعتراضا بسيطا
لإسلوب الحاكم . وسنت القوانين التي تعاقب بالموت لأتفه الأشياء، وكان المواطن أو المواطنة يحمد الله عندما يجد نفسه في الصباح في نفس الفراش الذي نام فيه ليلاً . ويتم الغاء كل المنظمات الإجتماعية التي ولدت بعد الثورة ، بمبادرة وإدارة الجماهير لتحل محلها منظمات ونقابات حكومية تمجد القائد الضرورة واعماله وحروبه ويتم عسكرة المجتمع وتقييد الفكر الديمقراطي ، وليسود الجهل وغياب الوعي بكافة اشكاله ، بإختصار لقد تم سلب الهوية السياسية المشتركة للمواطنين ويحل محلها الأنانية واللاابالية، وثقافة النصب والأحتيال والإنتهازية والوصولية والفساد بكل معناه ويعاني المجتمع وقواه الديمقراطية من التركة الثقيلة التي خلفها نظام الحكم السابق بعد سقوطه ،هنا لابد لنا من ملاحظة التغيرات الواضحة في خارطة القوى المشتركة في العملية السياسية ، وفي الصراع الدائر في المجتمع . وطر يقة وشكل الحكم الممارس لإدارة الدولة العراقية ما بعد سقوط النظام السابق.

وتدور رحى صراع حاد الآن في بلادنا دفع العديد من الأبرياء ارواحهم ثمنا له سواء من خلال الحرب الطائفية غير المعلنة او من خلال أعمال التكفيرين التي تزداد سوءاً يوماً بعد آخر ، قاصدة تجمعات الأبرياء في اثناء بحثهم عن العمل او في مناطق تجمعهم الأخرى، ناهيك عن دأب أحزاب الأسلام السياسي لإقامة دولتهم الأسلامية ، او جهود التكفيريين في إقامة إمارة طالبان العراقية وما ذاك وهذا من حرب على الحريات الشخصية ، وبالأخص حرية المرأة ، وتجاوز على القانون والدستور من قبلهم وقبل ميليشياتهم ، ناهيك عن الفساد المعلن وغير المعلن وسرقة اموال الدولة وتهريب النفط ومشتقاته وتكاثر المافيات المنفذة لذلك.

ومن خلال هذه الصورة القاتمة ، تتشكل ملامح باهتة لنظام الحكم الديمقراطي المنشود الذي رحبت به غالبية الشعب العراقي من خلال مشساركتها الواسعة في التصويت للبرلمان العراقي في الإنتخابات ألأخيرة ، وتقبل الكتل الإنتخابية لنتائجها ولنتائج التحقيق الذي جرى بعدها، وإقرار الجميع لمبدأ التداول السلمي للسلطة على أساس التنافس الإنتخابي بين كتل سياسية واحزاب مختلفة ، وتجلى ذلك في إقرار الدولة ودستورها مبدأ الفصل بين السلطات ، وإستقلاليتها عن بعضها البعض.

إن المسؤلية الكبيرة لصيرورة النظام الديمقراطي وبلورته تقع على عاتق التيار الوطني الديمقراطي بالدرجة ألأولى ، وهو تيار غير مؤثر على المدى القريب ، ولكنه يحتاج الى جملة من المقومات التي تزيد من فاعليته وتاثيره في العملية السياسية : ـ
1 ـ جرت في الإنتخابات الأخيرة خطوة لتوحيد هذا التيار في قائمة موحدة ، هي القائمة الوطنية العراقية على اساس برنامج إنتخابي طموح ، من الضروري الحفاظ على هذالتوجه وتعزيزه ليشمل قوائم القوميات المختلفة في العراق والديانات المختلفة الأخرى ، وقوى ديمقراطية أخرى لم تهتم لهذه المسألة سابقا.
إن ذلك من شأنه بلورة هوية سياسية مشتركة لدى كافة مؤيدي هذا التيار.

2 ـ من خلال البرنامج الطموح لهذا التيار ، يتم السعي للتنمية الإقتصادية وإلإجتماعية والسياسية ، حيث اكد البرنامج على ضرورة الإهتمام بالتصنيع وبرفع المستوى الإقتصادي للشغيلة ، ومحاربة الأمية والجهل والمرض ، والتخلف ، وذلك يؤدي بالضرورة الى تهيئة الظروف التي تحسن التركيبة الإجتماعية ، وخلق الطبقات المولدة لعناصر هذا التيار، ومن الجدير بالتنويه هنا إن الظروف الطبيعية هي التي تساعد على نجاح عمليات التنمية بانواعها وإستمرارها ولذلك نجد من الضرورة محاربة الإرهاب وكل ما يعرقل مبادرة المصالحة الوطنية وبالتالي يعرقل توظيف الأموال والشروع بأعادة إعمار العراق ، وإن تبلور الطبقات الإجتماعية وخاصة الوسطى والعمال والصناعيين، تساعد على بلورة التيار الديمقراطي.

3 ـ من المهم على التيارا لديمقراطي كسب القوميات المختلفة في بلادنا ، بسبب إن القضية القومية وحلها مبنيان وفق الأسس الديمقراطية ، فحق تقرير المصير وحق الأنفصال أو الإندماج أو اي شكل يتلائم مع الظرف التاريخي الملموس، تقام على اسس ديمقراطية ، وهذا يعني إن القضية القومية هي قضية ديمقراطية في جوهرها، وعلية ان يقف الى جانب حقوقها القومية ويطرحها في برنامجه .

4 ـ ولكي تحقق الديمقراطية ، وتيارها الوطني الديمقراطي النجاح في بلدنا المضطرب ، من الضروري ان تأخذ منظمات المجتمع المدني دورها في عملية التنمية الإجتماعية والإقتصادية، نظراً للطبيعة الديمقراطية لهذه المنظمات ، وبعدها عن الأحزاب وتعاليمها وسياساتها ، إضافة للعلاقات التي تقيمها مع النظمات الشبيهة في العالم ومع الأمم المتحدة ، والمنظمات غير الحكومية التي يهمها ( الحكم الصالح) ، في البلدان التي تقيم علاقاتها معها. وعلى الرغم من تعدد هذه المنظمات في العراق ، ووجود الكثير من هذه المنظمات الوهمية في بلادنا ، الاّ إن ذلك لايمنع الدور الذي ستظطلع به هذه المنظمات.

5 ـ وتلعب الدعاية للقيم الديمقراطية في المجتمع العراقي ، والتثقيف بأهمية الدولة العلمانية ، وفصل الدين عن الدولة ، دوراً مهماً في سعة هذا التيار ، يرافقه الإهتمام بالتعليم في كافة مراحله وتخليصه من التأثيرات الحزبية ، التي شهدناه خلال العام الدراسي الفائت خاصة في الجامعات العراقية ، والتثقيف بقضية المرأة ، ومكافحة النظرة المتخلفة لها ، ومعاقبة الذين يفرضون قوانينهم الخاصة عليها ، وفرضهم لبسها الحجاب ، وإستخدام العنف ضدها. مع الترويج لثقافة حرية ممارسة الشعائر الدينية لكافة الأديان ومذاهبها، ومعاقبة الذين مارسوا ويمارسون الإرهاب الديني ضد غيرهم من أتباع الديانات والمذاهب المختلفة.

وهنك عوامل اخرى مؤثرة تأثيرا مباشراً على ترسيخ الديمقراطية في العراق التي في تفاعلها وترابطها تدفع بلادنا خطوات الى امام تأتي في مقدمتها اقرار اهمية التداول السلمي للسلطة ونبذ حكم الحزب الواحد ، والإحتكام الى صناديق الإقتراع ، وإقرار الذي لم تنتخبه الجماهير بذلك ، مع إقرار الفائز أو الفائزين بالإلتزام بالقواعد التي حملته(م) للسلطة وعدم الإنقلاب عليها ، وكذلك الإلتزام بالدستور ، والإلتزام بحقوق المواطنين وإشعارهم بان السلطة تمثل جميع المواطنين وملزمة بالدفاع عنهم وراعية لمصالحهم الإقتصادية. وترسيخ القاتون والطرق المشروعة في حصول الكل على حقوقهم وفرصهم ، ومن الضروري ان يصار الى إحترام الحدود الجغرافية للدولة وإحترام الشرعية الدستورية وإحترام الدولة المنتخبة ومؤسساتها ، وإحترام والإلتزام بالتشريعات الصادرة عن البرلمان بالطريقة الديمقراطية ، حتى مع عدم إتفاقنا معها.

حسب ما ارى إن هذه العوامل الواردة في المقالة هذه وغيرها الكثير ستساهم في تعزيز المسيرة الديمقراطية في بلادنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة