الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل المشكلة بجيرمي كوربين أو بحزب العمال / انصهار الاشتراكية في بوتقة الرأسمالية .

مروان صباح

2020 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


/ ليس من الحكمة وفي ضوء التضاربات أن يعتقد البعض أنه شخصية إعتيادية فحسب ، بل هو اشتراكي ماركسي عمالي بالغ التركيب والتعقيد ، كان ومازال حاضر في واقع يتحمل المسؤولية لعولمة العدم قبل الوجود ، إذن اليوم حزب العمال أقدم بالفعل على قرار تجميد عضوية جيرمي كوربين وايضاً يسير بخطوات ثابتة لكي يتمم خطوة طرده ، وهذا الصنع في الواقع يستحق استطراداً وقفه عند لغة الحزب التاريخية والمعقدة ، ولأن اللغة أيضاً تعتبر ميكانيكية التى تتيح لنا إمكانية فكفكة الخطابات والتصريحات ، فبعد مجموعة من الإجراءات الحزبية ، استطاع توتي بلير زعيم حزب العمال سابقاً ورئيس حكومة بريطانيا لولايات ثلاثة على التوالي ، تصفية حزبه من كل شخصية قوية ولديها حضور ميداني أو فكراً يسارياً تقليدياً ، وهذا يفسر كيف دفع أعضاء حزب العمال ، بالنقابي والسياسي وابو المهاجرين كما يلقب في بلاده جيرمي كوربين إلى قيادة حزبهم ، لكن سرعان ما انقلبوا عليه تماماً حتى بات اليوم مجمد ومتهم ورهن التحقيق ، وبالتالي يتساءل المرء وهو سؤال مشروع وجوهري ، هل المشكلة بكوربين أو أنها تتعلق بالماركسية والبرولتيارية التى أخفقت في تحقيق أهدافها ، بل ايضاً البيريسترويكا عجزت في إعادة هيكلة وإصلاح القطاع الاقتصادي تحديداً قبل السياسي ، وهذا أنعكس بشكل صريح على الأحزاب الاشتراكية في أوروبا وحتى أمريكا الشمالية التى واجهت هي الأخرى أزمات في إنتاج بديل فكري أو ايجاد مخرج جديد إنقاذي ، وبالتالي اليوم زعيم الحزب العمال الجديد كير ستارمر ، قرر تعليق عضوية كوربين ، بالطبع السبب الأسهل أو التهمة المعلبة هي معاداة السامية ، والذي كشف عن ذلك هو تقرير مفوضية المساواة وحقوق الانسان ، يؤكد التقرير تجاهل كوربين 170 شكوى قدمت عام 2018م ولم يتم معالجتها ، إذن التساؤل الآخر ، هل الرجل يدفع ثمن مواقفه وهي استحقاقات تأخرت كان من المفترض شيطنته قبل هذا التوقيت ، ابتداءً من انتقاداته اللاذعة لتوني بلير ، حول فساده المالي والسياسي ، تحديداً في الشرق الأوسط وفي مقدمتها فربكته لحرب الخليج وإسقاط نظام البعث وتدمير العراق وتسليمه للحرس الثوري ، أو لأنه اشتهر في دعم القضية الفلسطينية ودافع عن حقوق شعبها من خلال انتقاد إسرائيل على الدوام وفضح الاستيطان غير الشرعي والذي يهدف إلى تدمير حل الدولتين ، في إعتقادي المتواضع ، المسألة أعمق من كل ذلك ، ربما يكون كل ذلك جزء من الحملة التى يتعرض لها ، لكن تبقى المشكلة الرئيسية تكمن في أيديولوجية الحزب .

لكن بمعزل عن هذا ، بعد الحرب العالمية الثانية ترسخت الرأسمالية في الغرب أكثر من قبل ، في المقابل تحولت الماركسية إلى حالة رمزية لا أكثر ، إقتصر فهمها ودورها على النخب كنظرية دون أن تستشعر بتطبيقاتها بين الطبقات الشعبية ، ولأن عندما تغيب التطبيقات الفعلية ، بالتأكيد الناس أتوماتيكياً سيميلون للقوة المهيمنة ، كالرأسمالية وهذا يلاحظ في أمريكا ، فالأمريكيون يعشقون الأفكار الاشتراكية في السينما تماماً كما يعشقون صنع الخير المطلق أو الدفاع عن حقوق الآخر ، لكنهم لا يستطيعون التعايش معها لأنها لم تسجل في تاريخها نجاحاً جاذباً ، وهذا يفسر لماذا الحزب أعاد خياراته بعد الهزيمة الكبرى التى تلقاها في المرة الأخيرة ، بل يعتبر إنتخاب أحد تلاميذ بلير كزعيم لحزب عمالي اشتراكيي ، ينتمي فكرياً إلى اليمين ، إنقلاباً على جميع الخطوات التى حققها كوربين في السنوات الأخيرة ، من بناء قواعد حزبية بين الطلاب والقوى العمالية والموظفين في عموم بريطانية ، لكن يبقى إخفاقه بالوصول لكرسي رئاسة الحكومة هو الذي نزع عنه الحصانة القاعدية للحزب ، وهذا يعني أنه حزبياً أستطاع ملامسة عقول الناس فكرياً ، لكنه شعبياً أخفق بجدارة في إقناعهم ، وبالتالى المفارقة بين الانتصار الداخلي والإخفاق الخارجي ، تكشف عن مشكلة جيرمي التى تكمن في خطابه المتشدد خارج بريطانيا دون أن يقدم بديل في الداخل ، فالرجل كشتراكي ملتزم ، اثبت مراراً غير قادر على تطبيق النظرية على الأرض وبالتالي الناس فقدت ثقتها منذ زمن بإمكانية ملامستها واقعياً ، كأنها تحولت إلى شيء رمزي فقط ، وهذه الخصوصية بصراحة تحتاج إلى وقفات وليست وقفة واحده .

للتأكيد الضروري ، الذي سعى لتجميده أو من يتولى التحقيق معه ، وبوسائل يقال عنها متسخة لا يبيحها المنطق قبل النظام الداخلي للحزب ، جميعها تميط اللثام عن مساعي حثيثة لإيقاع عليه عقوبة تحمل في خفاياها الاذلال المقصود ، بل أيضاً تكشف الحادثة عن دور هؤلاء في وضع العصي الغليظة أمام مشروعه الإصلاحي والتغيري ، لأن جيرمي حاول إظهار الفارق بين القوة والهيمنة التى تتمتع بهما الرأسمالية والماركسية الاشتراكية التى تنحصر بالخطاب التقليدي ، وبالتالي فكفكة عناصر المادة التى تتحكم بالناس وتمريرها للذهنية كفكر مضاد للايدولوجية الاشتراكية ، ليس بالأمر اليسير كما يتخيله البعض ، هذا ممكن نظرياً ، أما عملياً وأمام نفوذ الغريزة المنفلتة ، يحتاج إلى نبي ، إذن لم يخفق حزب العمال فقط بعهد كوربين في خلق قاعدة اجتماعية قادرة على إيلاد سياسات مختلفة عن الحزب المحافظين ، بل في جميع المراحل كان الحزب لا يمثل أفكاره في الميادين ، وهذا بالفعل ، إلتقته توني بلير عندما حرق منابر العمال بالخطابات إياها ، التنظير حول حقوق العمال كالصحة والضمان الاجتماعي والخدمات والمواصلات وغيرهم ، لكن عندما تولى الحكومة انتقل إلى صقر من صقور اليمين ، فأصبح للبريطانيون حزبين لا يمثلون في الواقع الأغلبية الساحقة منهم ، لأن من بديهيات الوظيفية لحزب العمال ، انهاء عداوات الطبقة المتنافرة ، فبدل أن يكون الحزب جداراً يشكل حمايةً للأغلبية من الطبقة الحاكمة ، أصبح جزء أصيل منها .

ثم لماذا يذهب المرء بعيداً ، الأخطر في نظري من كل ذلك ، لقد خاطر حزب العمال البريطاني بالأخص واليسار الغربي عموماً ، عندما ساهم في تخريب أفكار الناس وتشويه وعيهم من خلال وضعهم بين خطاب مثالي وواقع متناقض ، وبالتالي الجماهير عادةً تنصاع إلى التصرفات الاذعانية ، وهذا بدوره اختلاف جوهري بين المفهوم الأيديولوجي وممارسة القيادات الحزبية اثناء توليهم المهام المنوطة لهم ، بل بمراجعة عميقة لا تقل عن ما أسلفناه ، لقد سببت هذه التباينات أمراض نفسية لدى الأغلبية ، وبدورها رسخت هذه المزاولات مفاهيم لدى الأشخاص العاديين ، لا تنتظم مع العقل السوي ، لأن دائماً هؤلاء يبنون آمالهم على خطاب المنابر ، لكن عندما يلجأون إلى الميادين يجدون هناك نقصاً في رأس المال ، وهذا هو القاسم المشرك والمخفي بين توني بلير وجيرمي كوربين ، التنافس المتكافئ في توزيع رأس الثروة اللغوية من خلال إمكانيات ومهارات خاصة بالتعبير ، لكن الثاني فشل في صرف ذلك بمصارف تغيرية حقيقية وجذرية ، أما الأول استطاع تصريفها من خلال تكوين رأس مال شخصي ، إذن تاريخاً لم يكن حزب العمال بديلاً عن حزب المحافظين بقدر أنه كان شريكاً أصيلاً في تخريب الوعي العام ، وهنا دعونا نقر مسألة مركزية ، وبالرغم من خصوصية التوقيت الانتخابي في الولايات المتحدة وفي عبابه لا نغدق على أحد المصداقية طالما الحقائق التى يمكن التقين منها ، من خلال المقاربات والمقارنات هي حاضرة ، فهناك فارق عميق بين الاحزاب البريطانية والأمريكية ، فالحزب في امريكا يعتبر بحد ذاته دولة كاملة وبالتالي الناخب والمرشح يبحثان في كل انتخابات جديدة عن بداية جديدة وهذا هو سر تفوق الأمريكي .

إذن الصراعات على مرّ التاريخ كانت بين العدوى الصالحة والرديئة ، لهذا تحتاج الاشتراكية العالمية بصفة عامة وبعيداً عن دمجها بالشيوعية التى تعتبر طفلة العقل الديكارتي ، فالاشتراكية نظام اقتصادي بحتي ، أما الشيوعية كما هو معروف تجمع بين الاقتصاد والسياسة ، وهذا لا ينفع بالغرب بتاتاً ، لأن هذه التركيبة قائمة على الحزب الواحد وتحرم الفرد من الملكية ، إذن يحتاجون الاشتراكيين فهم التجربة وإعادة إنتاج المنظومة التفكيرية اولاً ، ومدى صلاحيتها على الذهنية الفردية ، فهناك تجاهل صريح لحركة الجسد التى تتغذى على المادة ، لأن في أي امتحان ، المادة دائماً لها الكلمة العليا . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي تستهدفه الطائرات الحربية الإسرائيلية في ضاحية بيروت


.. مسيرة بمدينة نيويورك الأمريكية في ذكرى مرور عام على حرب إسرا




.. مشاهد تظهر حركة نزوح واسعة من مخيم -صبرا وشاتيلا- بعد الغارا


.. مشاهد توثق موجة نزوح كثيفة من مخيم صبرا وشاتيلا بعد الغارات




.. سقوط أكثر من 25 غارة إسرائيلية ليلية على الضاحية الجنوبية لب