الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماكرون يُعيد الجدل: شمَّاعة حرية التعبير

عدنان زقوري

2020 / 11 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


ماكرون يعيد الجدل: حرية التعبير بين المُطلق والنسبي:
أثار خطاب ماكرون تجاه الإسلام جدلا واسعا داخل الأوساط الحقوقية، والمُسلمة خصوصا لما في ذلك من تَطاول حسب هؤلاء على أحد المُقدسات الثابتة، بل لعل حساسية منصبه بٱعتباره رئيس الجمهورية الفرنسية منح تفويضا لبعض الجهات للتطاول على المُقدس الإسلامي ( صحيفة شارلي إبدو ونشر رسومات كاريكاتورية مسيئة لنبي الإسلام، أو عن طريق عرض نفس الرسومات على مباني حكومية فرنسية، وبعض الإساءات من لدن الرأي العام). ليُعيد كل هذا الجدل القديم الجديد حول حرية التعبير بين المُطلق اللامحدود والنسبية القائم على ٱستثناءات.
وعودة بنا إلى التاريخ فإن العلمانية تواجدت في فترة مبكرة في التاريخ الفرنسي، وتقريبا منا لمفهوم العلمانية، يحدده الكاتب الأمريكي بيتر بيرغر في كتابه: الواقع الإجتماعي للدين بقوله: "العلمانية هي العملية التي يتم بواسطتها نزع وفصل قطاعات المُجتمع عن سيطرة الرموز والمؤسسات الدينية" وبذلك تكون العلمانية فصلا للدين عن الدولة، وتحرير التربية والتعليم من السيطرة الدينية، وفصل للسلطة الدينية عن كل المجالات الحيوية في الدولة.
وقد خطتها (العلمانية) الثورة الفرنسية سنة 1789 مؤكدة على ٱستقلالية المُعتقد. وقد تمت صياغة هذا المبدأ في المادة 10 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789: "يُمنع التعرض لأي شخص بسبب أرائه وأفكاره بما في ذلك الدينية منها شريطة ألا يُخل التعبير عنها بالنظام العام الذي أرساه القانون".
وترسخت العلمانية في المؤسسات مع ٱعتماد القانون الجُمهوري بتاريخ 9 ديسمبر 1905 القاضي بفصل الدين عن الدولة، ووفق هذا لم تَعد فرنسا دولة كاثوليكية.
ولعله من المفاهيم اللاصقة واللازمة للحداثة - بٱعتبار هذه الأخيرة يُرجع بعض الدارسين في علم التاريخ إلى أنها وليدة الثورة الفرنسية والتحولات الفكرية والإجتماعية التي عرفتها فرنسا كتراكمات أفضت إلى الثورة الفرنسية وبروز مفهوم الحداثة- مفهوم الفردانية والتي تُعد تحديا وإعلانا إنسانيا ضد التسلط والإكراه، ضد مُختلف العوائق التي تقف حاجزا ضد نموه وتَطوره. والفردانية في شكل آخر ممارسة فكرية واقعية يستطيع فيه الناس بٱعتبارهم أفرادا ٱختيار طريقة حياتهم وسلوكهم ويشمل ذلك المُعتقد أيضا في مُجتمع يضمن للفرد عدم الإكراه في التنازل عما يَعتقده ويتبناه.
ومن جانب آخر يَكفُل القانون الفرنسي حرية التعبير وإبدء الرأي؛ حيث جاء في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 بُعيد الثورة الفرنسية والذي يُعد جزءا لا يتجزأ من الدستور الفرنسي في المادة 11 من هذا الإعلان:" إن حرية التعبير عن الأفكار والآراء هي واحدة من أًثمن حقوق الإنسان، وبالتالي يجوز لأي مواطن أن يتكلم ويكتب وينشر بحرية بٱسثناء ما هو بمثابة إساءة ٱستخدام لهذه الحرية في الحالات التي يُحددها القانون".
ومن خلال كل هذا نعود إلى السؤال الجوهري: هل حرية التعبير مُطلقة أم في ذلك حدود؟
إن القانون الفرنسي يَكفل للمواطن على أراضيها حقين ثابتين: الحق في ٱعتناق أي مُعتقد أو عدم ذلك، وكذا الحق في التعبير وإبداء الرأي، غير أن الحق في المُعتقد وضع حُدودا ونسبية للحق في حرية التعبير، وبذلك يَصدق القول أن حرية التعبير تنتهي عندما تُصادم حرية الآخر، فيتحول بذلك الخطاب من حرية تعبير إلى خطاب كراهية.
وبما أن حرية التعبير تَشمل أيضا حرية النَّقد والإنتقاد بٱعتبار النقد عملية وفعالية عقلية يَهدف أساسا إلى إظهار محاسن أو عيوب منهج فكري، تيار فلسفي، أسلوب أدبي، مُعتقد ديني (لا شيء يَخرج من مَطرقة النقد) فالتعبير عن طريق النقد سبر لأغوار الفكرة المُنتقدة، تحليل مفاهيمها، تفيكيك بُناها من أجل الإصلاح أو التجاوز.
غير أن ما ٱفتعله ماكرون ومن نَهج نهجه لا ينَدرج البتة في خانة النقد في خانة حرية التعبير بل منبعه عاطفي قوامه الكراهية والعداء للآخر، وتسخير كل الأقلام والأدوات من أجل تعميم فِكرة العداء. ولعل ماكرون أخطأ ورُبما خطؤه هذا مقصود عندما أدرج (الإسلام، لا التأسلم) وبذلك فإنه يَقصد العقيدة الإسلامية لا أفكار التطرف، وبذلك لا يعد منطقيا التعلل بما حدث من هجمات إرهابية وٱعتبار ذلك ذريعة وقنطرة للتهجم والتجريح اللفظي والمادي على المُسلمين.
فعل الإرهاب يُعبر عن عقلية سلفية، متشددة، تراثية لا عن المُسلم المُعتدل، الحداثي المُنفتح عن الآخر، وإن كان المُسلم من جهة أخرى يطاله الإرهاب بشتى أدواته على يد نُظم وحركات ودول غربية.
إن حرية التعبير حق كوني مكفول للإنسانية جمعاء، غير أنها نسبية لا مُطلقة، نسبيو عندما تكون سببا وذريعة من أجل نشر خطاب الكراهية والعُنصرية، نسبية عندما ننتقل بها من مستوى البناء إلى مُستوى الهدم، نسبية عندما تُوظف كآلية وحق مَكفول من أجل المَساس بحقوق وحريات الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هي حرية التعبير وليست شماعة كما تدعي.
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 11 / 6 - 14:43 )
اتمنى عليك ان تقرآ مقال الاخ رسلان جادالله عامر المعنون (هل تعادي الدولة الفرنسية الإسلام والمسلمين؟ ) تحت الرابط الاتي لتتطلع على الحقائق التي تضمنها ان كنت تجهلها او تغض الطرف عنها ولك الحق ان تبدي رايك استنادا على قوانين تلك الدولة وليس استنادا على العاطفة ولك جزيل الشكر . الرابط:
https://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?userID=9507&aid=698009

اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه