الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق صفراء

رزق البرمبالي

2020 / 11 / 7
الادب والفن


الطفل الصغير الذي لم يَتَعدَ عمره ثلاث سنوات، يذهب رفقة أباه وأمه إلى الحقل، يجلس في ظل شجرة الكافور العملاقة، يتابع أعمالهم اليومية بشغف بالغ، يشاهد أباه وهو يضرب الأرض بفأسه ويجرف بها التراب إلي أسفل قدميه وقطرات العرق تنز من جبينه فوق التراب، ومن ثم يصنع خطوطاً طولية، بينما أمه تُنَقِي الخطوط من بقايا الحشائش حتى لاتنبت مره أخرى وتشارك بذور القرع الغذاء والشراب،
وطيور أبو قردان على مقربة من أمه تنقب بمنقارها بين الخطوط لعلها تتحصل على دودة أو حشرة تسد رمقها، يأتيه خيوط حمراء متسللة عبر أغصان الكافور الكثيفة، فتشعره بسخونة في وجهه الأبيض المشرب بحمره، يقف في الظل مستنداً إلى جذع الشجرة، ويتوسل لأمه أن يشاركها جمع الحشائش،
تضحك وتقول: مازلت صغيراً ياضي العين،

بينما يقف أباه ويمسح قطرة عرق إنزلقت إلى داخل عينه فشعر بحرقان شديد فيها،
وقال مبتسماً : غداً تكبر وتزرع وتقلع، ثم ضحك بصوت عالِ، وأردف: وتهرب عندما أدعوك للذهاب للحقل،

مُسحة من حزن غطت وجهه وقال متسائلاً ونفسه: متى أكّبُر؟!
تناول قطعة من طرف غصن قديم، ثم قطع بأسنانه بعضاً من طرفها ليجعلها مدببة كالقلم، وقف على أطراف أصابعه بجوار الجذع ماطاً جسده، ويضع علامة كجرح عرضي فوق رأسه، بقلمه الخشبي في جذع الشجرة، ويقول لنفسه:
كل يوم سأقيس طولي وأضع علامة!

بعد يومين يشاهد أمه تنقر التراب في وسط الخط بأناملها كمخلب قطة، محدثة حفرة صغيرة تضع فيها حبة أو حبتين من حبوب القرع البيضاء ثم تغطيها بالتراب، وكذلك يفعل أباه، بعد الإنتهاء تثبت أمه خيال المأتة الذي ألبسته جلباباً قديماً لزوجها في منتصف قطعة الأرض، بينما يذهب أبيه لتشغيل ماكينة الري أسفل شجرة التوت الدكر على شاطئ الترعة، تجلس الأم مع ولدها ريثما ترتوي الأرض ويصل الماء إلى بذور القرع، يتساقط شعاع شمس مباشر على وجهها الدائري فيزداد خديها توهجاً، وتلمع عينيها العسليتين بفرحة، وتجذبه إليها وتقبله،
وتقول: لا تغضب ياحسن، غداً تكبر وتزرع هذه الأرض بمفردك، ونرتاح أنا وأبيك، يمط رقبتة ويلثم خديها بقبلتين،

يتابع الطفل إنشقاق الأرض عن وريقات صغيره سرعان ما تكبر وتمتد، ويشاهد الزهرات البديعة ذات الخليط من ألوان الأبيض والأصفر والبرتقالي، ثم يشاهد القرعة الخضراء الصغيرة أسفل الزهرة الجميلة، يوم بعد يوم يزداد حجمها ثم تنبعج وتأخذ الشكل الدائري،

أصيب أباه بحمى شديدة، ولزم الفراش وجلست زوجتة بجواره تمرضه،
ناولت حسن حبل ينتهي بلجام في رأس الحمارة وقالت: إذهب يابني بالحمارة ودعها تأكل من الحشائش وأطراف الغاب الأخضر على شاطئ الترعة، و عُد بها قبل غروب الشمس، وإياك أن تتأخر حتى لايأكلنا القلق عليك،

نط قلب حسن من مكانه فرحاً، وقال لأمه إنتظري لحظة ودخل المطبخ يبحث عن بعض الحبوب فلم يجد، وشاهد ثوماً فأخذ فصين كبيرين ودسهم في جيبه، وأخذ بحبل الحمارة وذهب إلى الحقل، تسبقه سعادة كأنه في صباح يوم العيد،
ترك الحمارة تأكل، وذهب إلي جوار شجرة الكافور من ناحية قناة الري، غرز طرف عود خشبي رفيع في الأرض ليصنع جوره، ووضع فص ثوم قاعدته لأسفل ورأسه للأعلى وغطاه بالتراب إلا جزء صغير من طرفه المدبب، وكذلك فعل مع الفص الأخر،

أخذ نفساً عميقاً من الهواء البارد المنعش، ووجهه الضاحك ينظر إلى حلمه القديم بحب وإعجاب، فيشعر بنشوة عجيبة لم يشعر بها من قبل، لكنه سعادته لم تدم غير لحظات قليلة، إذ كيف له بماء لري حلمه، القناه جافه والترعة بها ماء ضاحل لأن الوقت أول يناير موعد السده الشتوية،
وشاطئ الترعة العمودي يمنعة من النزول للأسفل، دار حول نفسه كالمجنون يبحث عن ماء فلم يجد، أحس بخطر يداهم حلمه، جلس حزيناً واضعاً رأسه بين كفيه، وفجأة وقف كمن لدغتة عقرب، وإتجه إلى حلمه، ونزع الجزء العلوي من سروالة وسقي حلمه، عاودته النشوى مره أخرى وقال لنفسه في سرور: إنها فكره مدهشة!

كان كل يوم يذهب مسرعاً إلى حلمه ليشاهد نموه ويسقيه من بوله، وكانت السعادة تكاد تأخذه وتطير عندما يرى أوراق حلمه تنمو وتنمو، لكنه تعجب وأخذته الحيرة، وتساءل: لِمَ أوراق حلمي ليست خضراء؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح