الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روائع المقال تأليف : هوستون بيترسون ترجمة: يونس شاهين- الحادى عشر : مقال وترجمة - ارثر شوبنهور

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2020 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لم يشأ ارثر شوبنهور ( 1788- 1860) ان يخلف اباه الغنى كرجل من رجال الاعمال ، ولا اراد ان يحذو حذو امه التى كانت كاتبة متواضعة من كتاب القصة.

فسرعان ما احاطت به عبقريته الجميلة المتألقة بالاعمال الكلاسيكية والفنون الجميلة والفلسفة ، وحين بلغ الثلاثين خرج من المطبعة كتابه الاول ، العالم كأرادة وفكرة 1818 ، وقد ابرز فيه دفاعه عن التشاؤم فى اسلوب جميل .

ولم ينجح فى عمله كأستاذ للفلسفة ، واضطر للانتظار فترة ثلاثين عاما قبل ان يبدأ الناس فى الاعتراف له بالمكانة التى كان يظن انه يستحقها ونقح فى هذه الفترة كتابه ( العظيم ) ، والف عددا من الكتب الصغيرة والمقالات التى نشرها فى مجموعه سماها( بارجراوباراليبومينا )


وساقدم للقراء هنا بدلا من مقالاته المشهورة عن ( النساء ) او عن (الانتحار ) مقاله عن ( الضوضاء ) وهو احد مقالاته الهجائية التى لا تقل عن غيرها اتصالا بالحياة .

والان الى مقاله
كتب كانط رسالة عن ( القوى الحيوية ) اما انا فاريد ان اكتب رثاء فيها ، ان الاستعراض الذى لا حد له للحيوية ، الذى يتخذ صورة الخبط والطرق واسقاط الاشياء هنا وهناك ، هو نوع من العذاب الاكيد الذى ظللت اكابده طوال ايام حياتى ، لا شك ان هناك اناسا ، بل واناس كثيرون ، يبتسمون للشكوى من مثل هذه الاشياء ، لانهم خلو من الحساسية للضوضاء .

وهؤلاء الناس هم أنفسهم لا حساسية عندهم للجدل او الفكر او الشعر او الفن ، او اى تاثير عقلانى ، والسبب فى ذلك ان انسجة امخاخهم تتميز بالغلظة والخشونة .

ولكن الضوضاء عذاب للعقلانيين ، او المشتغلين بالعمال العقلية ، وفى ترجمات اغلب كبار الكتاب او فى اقوالهم المسجلة ، يجد الانسان انهم يشكون منها ، واستطيع ان اذكر من هؤلاء الكتاب كانط ، وجوته ، وليشنبرج ، وجان بول ، وان كان منهم من لم يذكر رأيه فى الضوضاء فذلك لان الفرصة لم تواتيه .

اننى افسر كراهيتى للضوضاء على الوجه الاتى :- انك ان قطعت ماسة كبيرة الى اجزاء صغيرة فانه تفقد قيمتها التى كانت لها قبل ان تتفتت .

وبالمثل تفقد العقلية العظيمة قدرتها ويتشتت انتباهها بالضوضاء ،وتنزل الى المستوى العادى فى التفكير ، وهذا هو السبب فى ان العقول الممتازة تظهر كراهيتها الشديدة للتشويش ، ايا كانت صورته ، كشيىء يقتحم عليها افكارها ويشتتها .

اما عامة الناس فلا ينتابهم الضيق من مثل هذه الاشياء ، ان اكثر الامم ذكاء وتعقلا ، تنادى بان ( لا تقلق راحة الناس ) وتضع هذه القاعدة كأنها الوصية الحادية عشرة.

والضوضاء هى اكثر انواع اقلاق الراحة وقاحة ، انها ليست اقلاقا فحسب بل هى تبديد ايضا ، وبالطبع اذا لم يكن هناك فكر يقطع او يشوش عليه فانه لن يكون للضوضاء اثر يذكر.

وفى بعض الاحيان يحدث ان ضوضاء صغيرة تضايقنى وتبدد افكارى لفترة ، قبل ان احسها بوضوح ، وما اشعر به فى هذه الحالة هو زيادة فى الجهد الذى ابذله فى التفكير وكاننى احس بثقل وضع حول قدمى ، واخيرا اتبين السبب .

والان دعونى انتقل الى انواع الضوضاء ، ان اشد انواع الضوضاء دناءة هو فرقعة الكرابيج فى الهواء ، وهو عندى اجرام لا يفتفر ، ويشتد وقعه اذا تم فى الشوارع الضيقة التى يجلجل فيها الصوت ـ حيث تجعل الحياة الوادعة ضربا من المحال ، وهى تضع النهاية لكل فكر هادىء .

ان مجرد السماح بفرقعة الكرابيج ، هو فى رأى دليل واضح على ان الطبيعة البشرية تفتقر الى العقل والتفكير ، فلا يستطيع انسان له فكرة تجول برأسه ، ان يتجنب الشعور بالالم الذى يصيبه من الصوت الحاد المفاجىء لهذه الفرقعة ، انها تشل المخ وتقطع التفكير ، وتقتل الافكار ، وتمزق خيوط التأمل .

ان صوت الفرقعة يشتت ذهن مأئة شخص على الاقل كانوا مقبلين على اعمال فكرهم فى عمل ما ايا كانت اهميته ، بينما يكون وقعها كارثى على المفكرين ، حيث تقطع عليهم حبل افكارهم بعنف ، انها فرقعة لعينة تؤثر فى المخ كما يؤثر اللمس على النباتات الحساسة.

ومع كل الاحترام لمذهب المنفعة ، فاننى لا استطيع ان ارى كيف يمنح الحق لرجل ينقل حمل عربة من الحصا او فضلات الحيوان او ايا ما كان كى يقتل الافكار التى لم ترى النور ، وهى على وشك الانبثاق من عشرة الاف رأس انسان ، وهو عدد الناس الذى يقطع عليهم تفكيرهم واحد بعد اخر ، فى ظرف ساعة يقود فيها عربته .

ان الطرق ونباح الكلاب وصياح الاطفال هى اشياء فظيعة على السمع ولكن القاتل الحقيقى للافكار هو فرقعة الكرباج، ولو كانت هى الطريقة الوحيد لحث الحصان على الاسراع لغفرناها له ، ولكنها ليست ضرورية لانه من كثرة استعمالها فان الحيوان اصبح معتادا على صوتها ، ولكن ما يفعله هؤلاء بكرابيجهم هو نوع من العناد وعدم الاكتراث بشعور الاخرين وهو تحد من الذين يعملون بايديهم للذين يعملون بعقولهم ، ، والسكوت على ذلك ظلم وبربرية .
والشرطة تستطيع ايقاف هذا الازعاج بجعل عقدة فى نهاية الكرباج، ويستحق المخالف خمس ضربات بالعصا ، ولا عزاء للمبادىء الانسانية التى تنادى بالغاء العقوبات البدنية .

ولا يجب ان يسمح لاحد باحداث ضوضاء ، لان اصرار هؤلاء على احداث ضوضاء هو قتل لمئات الافكار العظيمة فى مهدها ، ولو كانت فى يدى سلطة لضربت هؤلاء محدثى الضوضاء بالعصا خمس ضربات قوية لايجاد علاقة بين فرقعتهم بالصوت المزعجة وعقابهم بالضرب
ملحوظة من الكاتب
ترى لو تجول ارثر شوبنهور فى احدى شوارعنا العربية ، وليكن فى القاهرة ، وسمع اصوات الكلاكسات المرعبة التى تنطلق بلا ادنى مبرر ، من كل المركبات العامة والخاصة ، وانضم اليها اللعين التوكتوك ، فماذا كان يقول ، وهو ما تزعجه فرقعة صوت كرباج لحوزى ، فى شوارع لندن منذ مائتى عام ، هل عرفتم لماذا نحن متخلفين ؟
والى مقال قادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: فوز رئيس المجلس العسكري محمد ديبي إتنو بالانتخابات الر


.. قطاع غزة: محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق بين إسرائيل وحركة




.. مظاهرة في سوريا تساند الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد إسرائيل


.. أم فلسطينية تودع بمرارة ابنها الذي استشهد جراء قصف إسرائيلي




.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب للمطالبة بصفقة