الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معبر إيرز ..معبر القلب

رجاء غانم دنف

2006 / 7 / 12
القضية الفلسطينية


كان لا بد من الذهاب إلى حاجز إيرز على الرغم من كل شيء .لا بد من الحصول على تصريح أعمى يقول أن باستطاعتي البقاء مع عائلتي لمدة أخرى قد تمتد وقد تقطع في أية لحظة ،هذه الرحلة التي لا أمقت شيئاً في الكون مثلها، لم تسعفني الظروف للهرب منها ومن جحيمها .
وصلت باكراً لأجد مكاناً مختلفاً تماماً عما رأيته في المرة الاخيرة قبل أشهر قليلة فقد بنى الاسرائيليون مبانٍ ضخمة واستبدلوا الممر المُذل السابق بآخر أكثر حداثة وإذلالاً بالطبع .
لا يوجد جنود على المعبر استبدلوا كلهم بأفراد من الوحدات الخاصة مزودين بأسلحة قد تقتل أي نملة يشكون في سلوكها وهذا تم بعد اختطاف الجندي الاسرائيلي قدمت هويتي ..كنت الوحيدة هناك لا أحد يخرج ولا أحد يدخل ..صمت مخيف يذكر بالقبور المنهكة تحت قيظ شمس لا ترحم .
وقفت وكانت عيناي كما دائماً كاميرتي المتجولة على البعد قليلاً بيوت فلسطينية لمنطقة بيت حانون بدون كهرباء أو ماء على الاغلب .كان يمكن أن أصل لهذه البيوت خلال دقائق لو مشيت، لكنها تبدو أبعد من كوكب آخر، ولو كان الهدف إلقاء تحية بسيطة على بيوت غزة الحبيبة المنهكة من الحصار والقصف .
ثوانٍ قليلة وبدأ القصف وبدأت أتخيل جهته في الناحية الاخرى من غزة في الجنوب
اسم الاصوات قريبة لدرجة فظيعة وأتخيل بيوتاً وأطفالاً قد يفارقون الحياة الان وقد يفارقون لحظات لعب أو شغب لذيذة .
القصف يعيدني دائماً إلى طفولتي وإلى بيروت وإلى تلك الرائحة التي أحاول دائماً الهرب منها :رائحة الركام المختلط ببقايا البشر والدخان والرماد ،رائحة الملجأ الرطبة المزعجة ،والخوف الذي لا يعرف طعماً آخر له ، رائحة الوجوه وهي تنفرج عن مشاعر غريبة .
العصافير هي الكائنات الوحيدة الموجودة حولي هنا كيف أفلتت الطيور من الحصار؟؟ تحط على الأسلاك الشائكة تلتقط طعامها هنا وهناك فوق المبنى الحديث الضخم الذي يشبه إلى حد كبير ذلك الجدار العنصري الذي بني في الضفة الغربية وقطعها إلى آلاف القطع .
غزة الان بعيدة جداً ..مكان قصي حتى على أحلامي أنا التي تحب هذه المدينة وتشذُّ في حبها عن الآخرين لازالت ببحرها وناسها وطيبتها تمثل تذكرتي الاولى الى الوطن التذكرة الوحيدة المتاحة لرؤية فلسطين عام 1995 كنت يومها أمشي ساعات على الشاطئ مفعمة بحماس وفرح لا يحده حد للمرة الاولى أشعر بأن البحر بحري والشاطئ ملكي بالكامل . هذا الشعور الغر والبدائي ما زال يسكن قلبي ويحرك هواه اتجاه غزة .
أفكر فيمن أعرفهم في الاقرباء والاصحاب ،أتأمل سيارة الاسعاف الاسرائيلية التي جاءت وانتظرت بجانبي والاتصالات الكثيرة التي تمت لنقل "شخص" ما من داخل غزة إلى هذه السيارة .من هو هذا الانسان ؟؟ ومم يشكو ؟؟قد تكون آية الطفلة التي التقيتها وأمها في أكبر مستشفى في اسرائيل "صرفند" المقام على أنقاض قرية عربية مهدمة من عام 1948 ،آية التي أتت للعلاج من السرطان والتي حلفت لي أمها أنها لم تغير ملابسها منذ حوالي الشهر ولكنها سعيدة لأنهم يتركونها تنام بجانب ابنتها . آية التي ستعود إلى غزة قريباً ولا أحد يعرف مصيرها ومصير علاجها ومستقبلها .
غزة تنام على ضوء الشموع ..وعلى ضوء جراحاتها الكبيرة .وأنا أقف على الحاجز أرقب أنبوب ماء يتدفق بدون حساب بجانب الحاجز ويملؤ الوادي ،وأتمنى أن تصل هذه المياه للبيت القريب جداً الذي أرقبه من هنا .
لا أحد يأتي . لا أحد يطل وكأن غزة تدخل متاهة في التاريخ أو غيبوبة طويلة ،لا يعرف عنها شيئاً أي كائن .
كم من الآلام عليها أن تمر حتى تصل إلى نقطة النور؟؟درب آلامها امتد وشسع حتى ضاق عن الروح والبدن .
وهؤلاء البشر المسجونون في سجن كبير لا يدخله أحد كم سيتحملون قبل أن تصل النهاية ؟؟
ومن سيدفع ثمن الفاتورة الباهظ من حياة الناس وآمالهم وضحكاتهم ودموعهم ؟؟
ما زلت أحبك يا غزة برغم كل شيء وأخاف عليك كثيراً .

/فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على السباق ذاتي القيادة الأول في العالم في أبوظبي | #سك


.. لحظة قصف الاحتلال منزلا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة




.. نائب رئيس حركة حماس في غزة: تسلمنا رد إسرائيل الرسمي على موق


.. لحظة اغتيال البلوغر العراقية أم فهد وسط بغداد من قبل مسلح عل




.. لضمان عدم تكرارها مرة أخرى..محكمة توجه لائحة اتهامات ضد ناخب