الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتمرد الجسد في شعر ونيس المنتصر

زهور أخريف

2020 / 11 / 7
الادب والفن


ونيس المنتصر: شاعر يمني متمرد يتحدى الظروف الملازمة لحياته الأدبية، في شعر ونيس المنتصر يحضر الجسد بشكل بارز الجمال والرغبة حد النشوة، يصنع من خلال ذلك عوالمه الخاصة، بلغة صادقة في التصورات والإخلاص للتجربة الإبداعية والرغبة بطريقة أسرة يجذب بها القارئ نحو تلك العوالم البارزة في جل قصائده، والتي قلما نجدها في الشعرية العربية، حيث تتسم قصائده بطابع إبداعي خاص ينعكس على حياتنا النفسية ويؤثر عليها ويصنع داخلنا التمرد على الواقع المأساوي والمؤلم، وهذه الخصوصية نجدها في أبرز ما يكتبه من قصائد تحتوي على أفكار عميقة في فلسفته الخاصة للحياة، والجسد الذي لا يمكننا تخيل أي شيء بطريقة جميلة دون الشعور فيه، حيث إننا دون ذلك ربما نفقد رغبتنا لما حولنا، ويمكننا تفسير تلك التجربة على أنها مؤشر كبير على التحولات الكبيرة التي طرأت على جسد الرجل العربي ورغباته في الآونة الأخيرة مع وجود السينما وألنت والشعر الحديث بما في ذلك قصيدة النثر والنص المفتوح، حيث نتعرف بشكل واضح في شعر ونيس المنتصر مدى قدرة جمال الجسد على إثارة الرغبة بنظر القارئ والمتخيل، ونجده يتمتع بقسط وافر من المعرفة والثقافة والوعي من خلال قصائده المليئة بعناصر الجمال التي تصور الجسد القادر على الإغواء، وهذا نادرا ما يلمح إليه في الأدب الحديث، ولا يقتصر شعر المنتصر على حالة أو علاقة جنسية محددة بل إنه يكتب في كل شيء يتمحور حول جماليات وطبيعة العلاقات الجنسية بمختلف الأنواع والأشكال وكل ما يدور حولها، وان من نتائج الإقرار بالجمال، تقدير للإنسان البالغ لمحاسن الجسد، ونزوع طبيعي نحو اللاهوية الجنسية، بهذه الطريقة التي يتمكن من امتلاك القدرة على قول الأشياء ببساطة مثلما يقدم لنا العديد من الصور والتي نصنع منها نحن القراء تخيلاتنا وتصوراتنا، هنا يكمن المعنى الحقيقي للشعر الصادق في التجربة والحياة:
اصبحت مهيأ مثل الرياح/ لتشب بي نيران شهوة لا مثيل لها/ أصير مثل نشافة ورغوة/ أمتص الأوجاع من كل ثدياء/ بينما تبتلع ريقي إلى جوفها/ مثل شجرتان اضرمتا النار ببعضهما/ فشعر كل من حولهما بالدفء/ اغرق في لجة الظلام/ لا استحضر شيئا لاستكمال المتعة/ إلا جسدا بعيدا/ لم يقترب مني حتى خطوة واحدة/ لقد وقعت النار على مكان لا ينتهي فيه اللهب/ واستمر الحطب في فرض رغبته احتراقا/ اسكن في منزل لا يدخله رهبان ولا كهنة/ إلا من باب الوهم/ مثل أشباح يتلون آيات العشق/ يسجد كل منهما للآخر/ الهث وراء الفراغ لأجد بعضا مني/ ما أن اغمض عيني حتى أجد نفسي مستسلما/ لكل الأشياء شديدة الجذب/ خارج كل شيء/ حتى خارج الوقت/ أنا هنا كنت نائما/ لكني عندما استيقظت لم أحس بوجود أي شيء/ من الحلم/ عذبت نفسي فيه/ حتى حدثت كل هذه العضات على جسدي.
يضع الشاعر الاحتمالات التي تخلق الشهوة الإنسانية جنبًا إلى جنب مع ندائه الدائم لحرية الجسد والتمرد على المألوف، يكتب عن العلاقات الجنسية المثيرة للجدل ، ويقدم حجة واضحة مفادها أن الإحساس بالجسد هو مفتاح للشاعر المبدع، مع أنه يعيش في بلد من البلدان التي تقيد المبدع بعادات مقيتة تجبره على الكتم أو التخلي على نزعته الطبيعية نحو التمرد، إلا أنه لا يعتبر من الشعراء الذين يخجلون من مؤلفاتهم الأدبية أو نصوصهم الشعرية في هذا الجانب والذين يُعتبرون مذنبين بتهمة كتاباتهم المحرجة، بل يكتب بشكل شبه واضح ويبين بأن التعبير عن الرغبة الجنسية أو وصف ذلك من الأفعال اللاودية في خلق فوضى من الأفكار والخيالات الجميلة بإرادة التوجه والخيار، وأنه ليس من العدل أن يسخر بعض الكتاب أو القراء من تلك الخيالات بالغة الجمال والتصور، ويحاول الشاعر وضع جوهر مثل هذا التآلف، وفقًا للرغبة الموجودة في كل كيان من الكيانات الإنسانية، ويخفف بعض من قلقه حيال ذلك باللجوء إلى الشعر، بالرغم أن الكتابة عن الجنس في الشعر ليست أسهل من الكتابة عن أي شيء آخر لأسباب تتعلق بمستقبل الشاعر وطريقة حياته والبلد الذي يعيش فيه، لأنه يحتاج إلى أن يكون الجنس بطريقة مثالية شيئًا غير عادي ، إن موضوع الجنس في هذا الحال: موضوع يمارس الناس فيه الكثير من الكذب والرقابة الذاتية، وهنا تكمن الصعوبة في أن تكون التجربة مختلفة، حيث يعتمد نجاح التجربة الشعرية في الوطن العربي وخصوصا في بلد من البلدان المتخلفة على ما إذا كانت التجارب المكتوبة تتوافق مع ما مرّ به المرء، وليس بخلق خيالات مختلفة عن العلاقات الطبيعية والتمرد عليها، إلا أنه استطاع ببلاغة ودقة عالية في الكتابة والتخيل أن يخلق تجربة نادرة نقف عندها بدهشة وانذهال، لا تتضمن نصوصه سياسة معينة في العلاقات النادرة أو المثلية، ولا يكتب قصائده وفق أي منظور اجتماعي، بل وفقاً لرغبته في ذلك كأن تقدم قصائده نفسها دون أي حشو أو تعقيد،
يستخدم طريقة نادرة في الكتابة وفي توصيف مشاعره الجياشة وخيالاته وافكاره العميقة، بشكل غير متوقع، قدم الشاعر ونيس المنتصر في شعره ما لم يقدمه أي شاعر شاب من جيله في الوطن العربي، لتقديمه حالة مختلفة عن المألوف وواضحة التأثير:
حين لائمته لائمني/ أقرضني عاصفته/ وروض عاصفتي/ سكن المي بمنظره المريح/ خفف محنتي بجوه الناعم/ خضب قلبي بوابله/ دنى ببطء ومض الوجع/ عضني إلى أن صار السم في جسدي نبيذا/ في الليل اقتضي عتمته/ ويقتضي ضوئي/ ويصير في النهار قوس قزح/ لقد صار أجمل من أي وقت مضى/ هو الآن ندى/ بينما أنا العكس/ ولا اخشى/ أن أكون عشب بفعل الطبيعة.
هنا يبرز دور الجسد حين يجد ضالته الاخرى، ويخضع لرغباته، التي تشكل كيانه الذاتي في الوجود، ليدور حول فلكه وفضاءاته الخاصة، أينما وجدها تقوده بمتعة ربما لا يكف عنها لأيمانه التام بالعشق والشعور بالاستسلام لها ليحدث تأثير كبير في مشاعره تجاه ذلك:
إنه العشق/ يدفع السحاب إلى الأمطار/ يدفعنا إلى العناق/ كما يدفعك جسدك إلى الرقص/ ثم الارتعاش/ واخيرا السقوط.
......
حينما تدلكين جسدي/ سيلين وسيصبح أكثر مرونة
كقطعة حلوى مطاطية.
.....
الحرارة: أن اترك شفتيك حارتين كقبلاتي/ الليل: أن اساعدك على السهر وتذكر الاحلام/ أي حلم أنا؟ / الصباح: أن اتي اليك كطائر أنت جناحه الوحيد/ ثم أنصت إلى زقزقتك.
.....
اعرف أن اصعد السلم لأجل الوصول إلى الهدف/ أن انزل منه لذات الغرض.
في هذه النصوص الشعرية القصيرة يتضح معنى اللاهوية الجنسية ليبين أن الجسد لا يحده شيء في طبيعته المتجهة نحو فطرته الجميلة في الرغبة والنزوع اليها بشدة:
تمنيت لو أن مثيل لي يحتضن حنيني/ لننسى معا هم المستقبل المجهول/ وننصب تذكارين للرغبة/ لحريتنا المعتقلة.
......
اتخيل نفسي جارتك المطلقة/ التي تنتظرينها على سريرك/ انتظرك كما تنتظرينها/ دعيني اتنفس انفاسك التي تخنق رئتي/ كدخان سيجارتي.
......
لو قلت انك توأمي/ وأنني اعشقك كمثيلتك الجنسية/ هل ستخطفيني من بين المراهقات/ تصطحبيني إلى الحانة/ تأكدي لي أن الحرب ستنتهي حينما نبدأ الرقص/ أن الدنيا ستكون على مايرام عندما نعانق بعض/ أن المساء سيكتمل بأحضانك/ أن الأشياء الجميلة ستكبر كنهديك وتتكور كمؤخرتك/ تثبتين للجميع أن العشق ليس له حدود.
عندما يصبح الجسد قتيل الرغبة التي تتوغل بداخله، حين يعيش تناقضات عديدة تجعله يتردد في ثقته بما تفيض به من نزوات، عندئذ لا بد من الإصرار في الثقة واستبعاد الشكوك التي تقتل النشوة كما يصور الغريزة الانسانية بأنها شيء لا ارادي لا يمكننا تنحيتها عن الجسد:
لا تخشين لدغة تمتص المك/ لا النافخ الذي يشعرك بالانتفاخ/ ولا الذي يفرغ الهواء من داخلك/ لا الذي تحتاجين إليه وقت الجوع / ولا الذي تحتاجين إليه وقت الشبع/ لا الدخان الذي يحمل انفاسك ولا النفاث/ لا الزمار ولا الة التزمير/ لا الذي يشد شعرك ولا الذي يهمس لك/ بيننا مسافة طويلة أبعد مما تتخيلين/ لا تخشيني أيضا/ لست مخيفا إلى الحد الذي تشعرين به/ ثقي بالوحدة الذي لا يفر منها الإله/ ثقي بملابسك التي تخلعينها قبل النوم/ وعند قرأه نص كهذا/ هل ثمة امرأة خلعت ملابسها الآن؟ / إذا ثقي بالعشق وبجسدي/ ثقي بجسدك وبجثتي.
.......
أن المضاجعة ليست وحدها المرحلة الاخيرة للوصول إلى النشوة/ هكذا الغريزة/ كالدخان الذي يصعب على تنفسه/ كالرياح التي تهوي بي إلى الهاوية.
***
كاتبة وناقدة- أسبانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا