الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مآلات التفاعلات المجتمعية

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إنَّ التّفاعُلات المُجتمعيّة التي لا تطلُّ علينا مِن قُبورها إلّا عندما يتعلّق الأمر بما أُسمّيهِ أنا ب "الفزعة المُجتمعيّة اللحظيّة سريعة التآكُل" كهذه التي تنتَشِر بينَنا اليوم، جراء الانتخابات النيابيّة، هي تفاعُلات كانَت سببًا في ولادةِ مُجتمعات يصعُب أن تقفَ عند نواصي تفسيريّة لها، ولِدَت بخصائص وصِفات يصعُب على العقلِ البشريّ السوي أن يتقبّلها .

فعند التّفكيرِ والإنشغال في حاضرنا ومُستقبلنا كمُجتمعات تعيش في أوطانٍ يقوم على قيادتها وتسّييرِ أُمورها أشخاص لا منظومات مُتكامِلة، لا يعرفونَ عنها سوى ما يتناسَب ويتوافَق مع مصالحهم التي تُشيّد على أرضيّتها أبراجهم العاجيّة، وتُدّفَن في أعماقها كُلّ المعالم البارزة والمتنوّعة في شتّى المجالات ؛ يكون مِن المُدّقِع بالحُزن والبُؤس والألَم في محاولات البحِث عَن الخلاص للخروج مِن كمّ الأزمات المُتوالدة بتكاثُر، أنّ هذه التّفاعلات قَد ساهمَت بشكلٍ كبير في إبراز أُناسٍ ينخرطونَ في ساحةِ الصّراع السّياسي الذي يرتَدي رداءً مُجتمعيًا، وهُم لا يملكونَ أدنى مُقوّمات السياسية، فكانَت النتيجة ذات عواقِب وخيمة على مَن أخرجوهم، قبلَ أن تكونَ على الجميع، أي على المُجتمَع برمَّته . فبفضّل المُراهقة -إن لَم نُريد أن نقولَ عنها طفوليّة- السياسة الهشّة لهؤلاء، قَد أُدخلنا في أنفاقٍ مُظلِمة، لَن يكون لها نهاية، وإن كانَ لها نهاية فمِن المؤكّد بأنّهُ لَن يكون هناك ولو ضوء بسيط وخافِت عند تلكَ النهاية .

ودونَ العودة إلى التّاريخ القديم والذي مِن وجهة نظرٍ شخصيّة، أراهُ تاريخًا بعيدًا جدًا عن واقعنا الحاليّ، حتى لو كانَ هُناك أحداث مُتشابهة مع أحداثه ؛ فقَد يرى البَعض، أنّ التحوّلات الكبيرة التي ظهرَت على السّاحة المُجتمعيّة فيما يتعلَّق بالشّأنِ السياسيّ، منذ بداية القرنِ التاسِع عشَر، وبالتّحديد بعدَ عقدٍ واحد مِن الثورة الفرنسيّة، قَد خلّخلَت كُلّ المعايير التي كانت تنّبثِق منها الرؤى الجماعيّة، وجرّدتها مِن ثيابِ المصلحة العامّة التي يلتفّ عليها المُجتمَع بكُلّ أطيافهِ ومكوّناته، حيث أنّ التوافق المصلحيّ بين أطياف المُجتمع الواحد، كانَ يُبدّد كُلّ المصالِح الفرديّة التي يزّعمها فردًا، أو جماعةً مُكوّنة مِن عددٍ مِن الأفراد، شقَّت بنفسها عن الجسمِ المُجتمعيّ ككُل . وعلى الرّغم مِن أنّها كانت - أي الثورة الفرنسية- ثورة عارِمة اجتاحات كُل البلاد، وتوحّد تحت ظلّها كافة الشّعب بإختلافِ ألوانه وقواعده وايدولوجياته، وبُذرَت نتائجها في كافّة بقاع الأرض فيما بعد، وليس في فرنسا فحسب، إلّا أنّها وبعدَ خمودها، تُعتَبَر مِن الثورات التي تركَت دورًا كبيرًا وبارزًا للصبغة الفردانيّة، المُتمثّلة بالمسؤولية الضيّقة، التي انعكسَت على البُنية المُجتمعيّة السياسية في مُختلَف بلاد العالم . وفيما يتعلَّق بقراءتي لهذه الثورة هُناك ما لا يسَع المجال لذكرهِ هُنا ؛ تجنّبًا للخروج عَن فكرة المقال التي أودّ أن أُركّز عليها .

لا شكّ في أنّ هُناك تقلّبات اقتصادية، وتحوّلات سياسية كبيرة قَد طرأت على السّاحة المُجتمعيّة لمُجتمعاتنا، ولمُجتمعنا على وجهِ التحديد، أجبرَتهُ على أن يكونَ مّنساقًا لما يوفّر لهُ أدنى ما لا يتجاوز حدود حياتهِ اليوميّة . لكن، هذه التحوّلات، وتلكَ التقلُّبات، لَم تكُن لولا أنّهُ كانَ مُشبعًا بتوجّساتٍ كثيرة، عملَت السُلطات بكُلِّ جهودها على تقديمها لهُ بكؤوس النُخبة والمُثقّفينَ الذين لا يتوقّفونَ عن ضخّ الخِطاب السُلطويّ الذي يرمي بكُلّ أحمالهِ وأثقالهِ على كاهلِ المُجتمَع، فينتُج عن ذلكَ قبولًا شاسعًا لما سعَت لهُ السُلطة، دونما أيّ مقاومةٍ تُذكَر مِن قبل هذه المُجتمعات ولربّما هناكَ شواهِد كثيرة في التاريخ، على التحالُف الطبقيّ بين السُلطة وبينَ النخب المثقّفة، لحصرِ المُجتمعات في خاناتٍ ضيّقة، يصعُب الخروج منها دون التضّحية والتصدّي الدائم .


لنكُن ولو لمرّةٍ واحدة، مُجتمعات أقرَب إلى المصداقيّة والحقيقة أكثَر مِن الوهِم الذي نبّني طوابقه في عُُقولنا، ولنقِف عند ما تشبّثنا بهِ مِن أخطاء، وتعلّقنا بهِ، وجعلناهُ سلوكًا مُجتمعيًّا نحتَكِم لهُ دونَ التّفكير بما سيخلّفهُ لنا وعلينا مِن عواقِب لَن نتمكّن مِن الإفلات منها فيما هو قادم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل