الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيمة العملة من قيمة الإنتاج ...

مروان صباح

2020 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


/ كان الاعتقاد العام على هذا الشكل ، وبشكل خاص لدى العربي بأنه ممنوع من النهوض والإنماء ، وايضاً ممنوع من توحيد جغرافيته لأن ذلك إساءة للفكر الاستعماري أو لهيمنته على النظام الدولي ، وخير دليل على هذا الإختلاق ، أن النظام العالمي لم يعترض مثلاً على بناء مستشفى نموذجي ، بل بالأحرى ، أغلب المستشفيات في المناطق المعدومة قد بنيت بماله وأيدي أبناءه ، في المقابل لم يعدم المرء قراءة أخرى للمشهد ، هي قراءة تتكئ على الحدود الدنيا للمقارنات إذا صح لهذا النموذج إدراجه في خيار أوسع ، كان قد إنعطف منذ البداية على الإنتاج من أجل تحقيق توازن للحياة ، ومنذ ذلك اليوم ، وبعد ما قالها ، بدأت من بعده البشرية ترددها ، نعم ، أكثر مقولات يرددها محبي ساعة رولكس هي مقولة رجل الإعلانات الفرنسي جاك سيغيلا ، يقول ( إذا لم تملك رولكس في سن الخمسين ، فهذا يعني أنك فشلت في حياتك ) ، ومع تهاوي العملات المحلية في كل من لبنان وإيران وتركيا واليمن وقبل ذلك التعويم الذي حصل في مصر ، وايضاً التعثرات الذي خلقها فيروس كوفيد 19 ، يقف العالم بتقسيماته الاعتيادية ، غني ومتوسط الحال أو مدبر حاله وفقير أو معدوم ، عند سؤال جوهري ، لماذا يغيب بصفة عامة عن التعليم درس التفكير الاستباقي ، وبالتالي التخبط الذي يجتاح العالم سببه فقدان الخطط الذكية التى وظيفتها التعامل مع كل طارئ ، على الرغم أن كلمة الطوارئ تقرأ على كثير من الجدران ، وهنا إذ ما أخذ المرء جمهورية مصر عينة ، سيجد المراقب خلال 220 عاماً إزداد تعداد ساكينيها من 2,5 مليون إلى 110 مليون ، وهذا يعود فضله إلى التحضر المدني التى شهدته المناطق النائية وايضاً مع دخول الخدمات الصحية والتعليم المجاني باتت الوفيات في سن الطفولة تتراجع بشكل ملحوظ ، لكن مع إرتفاع أعداد السكان باتت العملة المصرية تشهد تراجع خطير ، في البدء كان بسيط إلى أن وصل حالها إلى هذا المنحني من المستوى ، فمنذ عهد الملك فاروق حتى عهد الرئيس المخلوع مبارك خسر الجنيه المصري تقريباً سبعة أضعاف من قيمته ، بالبطع الملفت إيضاً ، لم يخسر الجنيه أثناء حكم الرئيس عبدالناصر سوى 4 قروش بالرغم من هزيمة 67 في القرن الماضي والحصار الذي فرضه البنك النقد الدولي على المشاريع الإنمائية .

ليس مدهشاً وإن كان مرعب الدلالة في الواقع ، عندما أمة عريقة تغفل بالكامل عن أشياء أساسية ، إذن هناك شيء أساسي يتحول مع الزمن لشيء جوهري ، فالإنتاج يعزز العملة المحلية ويحافظ على قيمتها ، في المقابل ، الاستيراد من الخارج يمهد لتأكلها ، بل يوجد قاعدة في الاقتصاد تسمى العوائد الاستقرارية التى بفضلها تستقر العملة ، على سبيل المثال ، سويسرا بلد كما هو معلوم للأغلبية ، صغير الجغرافيا لكنه في كل عام الشركات الخاصة بصناعة الساعات تنتج ما يقارب 35 مليون ساعة في بلد يقدر تعداد سكانه لا يتجاوز 9 مليون إنسان ، وبالرغم أن إنتاجات سويسرا متواضعة بالنسبة لدول أخرى ، وهنا تكمن خصوصيتها التى بها تسيطر على نصف الأسواق العالمية ، في حسبة بسيطة سيجد الحاسب ، أن 95 ٪--- من الساعات الثمينة هي إنتاج سويسري ، بل حتى الساعات المقلدة التى يتم صناعتها في الصين أو فيتنام ، أغلبها موقعَّ بأسماء سويسرية ، وتبقى الطرافة في المسألة ، الانتاج المزيف أكثر بكثير من الأصلي ، وبالتالي عائدات سويسرا المالية من الساعات فقط ، وللتوضيح الضروري ، هنا نتكلم عن نوع واحد ، ( رولكس ) بلغت 5,3 مليارات دولار سنوياً والملفت ايضاً أن عائلة ويلسدوف المالكة لرولكس ، تجنبت تاريخياً تداول شركتها في البورصة والذي وفر لها الاستقرار والتحكم بالأسعار وإدارة الشركة بالتوجهات التى تراها مناسبة ، في جانب أخر ، حسب ما هو معروف عن سويسرا ، تشتهر في صناعة الدواء ( الصيدلة ) وتعتبر من أهم دول التى يعتمد العالم على صادراتها ، فإذا كانت ورش الساعات تستوعب 100 ألف وظيفة وتقدر عائد صادراتها ب 25 مليار دولار سنوياً ، فإن مصانع الأدوية يشتغل فيها قرابة 200 ألف عامل وتدر صادراتها سنوياً على البلاد ب84 مليار دولار .

هنا لا بد من التسليم للأسباب التى أدت بالتخلف ، وهو منصف وليس افتراءً أبداً ، لقد نشأت الدول العربية الحديثة في بنيويتها على ثقافة الانتظار ، إنتظار الحدث ، وهو نشوء أشبه بضربات مسبقة وجهتها لذاتها ، فائقة الاستهتار والجسارة ايضاً ، عندما غيبت بقصد وبعامد مُتعمد عن سلوكها التخطيط العام ، وهذا يفسر ببساطة المعني الدفين للمثل العربي الشهير ، الذي يقول ( لما يجي الصبي منصلي على النبي ) على الرغم أن الثقافة النبوية دعت عكس ذلك تماماً ، الصلاة على النبي اولاً ، شرط لمجيئ الصبي ، بل يأتي بكامل صحته وعقله ، إذن ثقافة اللاتخطيط مهدت لاستنزاف الموارد الطبيعية بشكل جنوني تماشياً مع المثل إياه والأكثر يشوعاً بين الناس ( أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ) ، وعلى هذا النحو والمنوال ، حكمت الطبقات السياسية الدول العربية دون استراتيجيات إنتاجية تنافسية ومستدامة ، وهذا المصطلح الأخير تحقيقه ليس بالبساطة التى يعتقدها البعض ، لأن فعلياً يهدف إلى تأمين التوازن بين الإنتاج والاستهلاك للدولة ، وبدورهما تتشكل الحماية ، حماية العقل من الاعتماد على الاستهلاك الخارجي وبفضله يصنع البديل الذي يحد من استنزاف الموارد الطبيعية ، بل اليوم العالم المتحضر ينتقل إلى الخطط الذكية بكل شيء ، وفي مقدمة ذلك المدن والعواصم ، حسب التقارير الدولية ، تشير بعضها عن أرقام باتت شبه مؤكدة ، هناك نحو 58% من سكان العالم يقطنون المدن ، وبالتالي يستخدمون الطاقة بشكل كبير والذي يشكل ضغطاً على المنظومة الطبيعية ، مثل المياه والكهرباء والإدارة التى توظف لإدارة السكان ، إذن مهمة الدولة توفير حلول سريعة ومؤمنة للحد من الاستهلاك المنفلت والذي يعتبر سبب في تراكم الدين العام الخارجي وهو سبب رئيسي في تراجع قيمة العملة .

كل الصلوات والأدعية لم تنفع في دفع الدولة إلى التخطيط الذكي ، إلا إذا هي ذاتها قررت إستخدام ذكائها ، بالطبع أغلب العواصم تعاني من ازدحام مروري والحلول التى يتم اللجوء إليها ليست ذكية على الإطلاق ، ايضاً تكلفة التعليم باهظة وأرقامها تتزايد صعوداً ، أما المواصلات العامة حدث ولا حرج ، تحتاج إلى طاقة ذكية تقلل التكاليف ، وبالتالي تشير المتغيرات أن الدول الذكية بدأت تضع نظام صارم للزراعة ، باعتمادها على الطرق الحديثة ، فالمعالجات الاستباقية عادةً توفر الحصانة للعملة من التآكل ، على سبيل المثال عالم المخدرات ، هذا العالم يستنزف العملة لأنها تستورد بالعملة الصعبة ، لكن هنا الاستنزاف هو ثلاثي ( تربل ) ، اولاً لأن الحصة الأكبر من مردود تعاطي المخدرات يعود للخارج وايضاً لا تخضع للضريبة بحكم القانون واخيراً ، تستنزف صحة وعقول أبناء الشعب ، إذن الدولة تتكبد خسائر كبرى وعلى صعد مختلفة ، ابتداءً بعملتها وليس انتهاءً باستنزاف مواردها ، بل الضرائب التى تذهب في مسارات غبية لو وظفت بطرق ذكية ، كانت الدروب المحرومة من التمويل تاريخياً شهدت إنماء وحداثة ، إذن الخلاصة ، لم تكن على مر الأزمنة هناك ضيق حال بقدر أنه كان دائماً يوجد افتقار للتخطيط الذكي ، وهو سبب رئيس في خلق الأزمات . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي تستهدفه الطائرات الحربية الإسرائيلية في ضاحية بيروت


.. مسيرة بمدينة نيويورك الأمريكية في ذكرى مرور عام على حرب إسرا




.. مشاهد تظهر حركة نزوح واسعة من مخيم -صبرا وشاتيلا- بعد الغارا


.. مشاهد توثق موجة نزوح كثيفة من مخيم صبرا وشاتيلا بعد الغارات




.. سقوط أكثر من 25 غارة إسرائيلية ليلية على الضاحية الجنوبية لب