الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤوس لضحايا معلومي الهوية الفدرالية والديمقراطية

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 7 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


إنها حقا لمشاهد ُ مأساة سريالية ما نشهده على الساحة العراقية من رؤوس مقطوعة ، وجثث محترقة انتشرت في كل حي ّ و شارع وزقاق ، وما نسمعه أن هناك شحة في التوابيت والثلاجات في المستشفيات لحفظ الجثث. و الأفظع أن نسمع وسائل الإعلام تؤكد دوما أنه تم العثور على رؤوس مقطوعة لناس "مجهولي الهوية".
فهذه المجازر أمست البديل المرئي لمقابر النظام البعثي التي أقيمت ْ حينها سرّا. وإن القتلى الذين يطلق عليهم " مجهولو الهوية " إن لم تعثر السلطات على أوراقهم الثبوتية الشخصية ، لكن يقينا أنهم ضحايا هويات زائفة وغير واقعية مفروضة عليهم. فالضحية لا يرى فيها الجلاد والقاتل إنسانا ولا يهمه أي اسم تحمله ، وفي أوضاعنا المأساوية يكفي أن تكون هوية الشخص الضحية " شيعي" و " سنّي" و " كردي" و" تركماني" و " صابئي" أو "امرأة " حمالة ناموس وشرف " بعلها" وقبيلتها الشريفة جدا، تكفي هذه الهويات لكي يذبح هؤلاء ويحرقوا ، ولكي يزداد الرصيد السياسي والمالي لمن يدعي تمثيلهم فدراليا و قوميا ومذهبيا وطائفيا.

فالمليشيات والمافيات التي تعيث في العراق فسادا هي التي دمغت جبين كل إنسان في العراق رغما عن إراته بعلامات وشارات تشير إلى قوم وطائفة ودين ومذهب ، لكي يتم التعرف عليه " عدوّا" " وغريبا" و " دخيلا" و " عديم شرف" و " بلا أصل وفصل" ، و تتم تصفيته بهذه البشاعة ويتمثل بحثته لكي ينال القاتل نعيم الجنة والحوريات أويثأر" لكرامته القومية و عزة قبيلته وعروبته المستباحة والمغتصبة و شرفه " .
إن ّ من يروج للهويات الزائفة في العراق ليس العمال والكادحون و الفلاحون بل هم أدعياء ثقافة وسياسيون مبتذلون فاشلون بعد أن ابتذلت الحياة الثقافية على أيدي اليسار الوطني والقومي ، وتشوهت معالم الإنسانية و زيفت كل المفاهيم وانقلبت إلى ما لا تعنيها ، أو ما نعاكسها في المعنى.
وقد لعبت وتلعب مؤسسة أمركان انتربرايز دورا خبيثا في تأجيج القومية والطائفية في العراق والشرق الأوسط و بقاع واسعة من العالم. هذه المؤسسة التي يرأسها أحد وزراء ريغان المجرمين كانت تتعهد بـتأمين كل مستلزمات الإحتلال الأمريكي في يوغسلافيا السايقة و العراق ، واليوم تعمل على تهيئة مستلزمات تمزيق إيران على أسس الفدرالية القومية والطائفية ،و إذلال بناتها وأبنائها المكتوين باستبداد ولاية الفقيه والإسلام القومي الإيراني .
هذه المؤسسة مهمتها الرئيسة هي جرد الأقوام و الطوائف والأعراق في البلد مشروع النفكيك والإحتلال ، وتشخيص المميزات التي يتميز بها الناس من لون وجنس ولغات وتوزيع جغرافي لكي يتم الإستناد على تلك المميزات لتمزيق الناس و تأجيج الفرقة والشقاق بين الناس إلى حد ّ أن يطلق الزوج زوجته حين يعلم أنها من غير مذهبه أو قومه ، والجار يذبح جاره حين يتصور أن أحد أجداد الأخير تحدر قيل ألف عام من أرض لا يتكلمون لغته ولا يدينون بدينه ومذهبه وهكذا بكل هذه السهولة يقيمون لبنات وأبناء الشعوب الآمنة والمتآخية اعراس دم فدرالية وديمقراطية.

فأهالي العراق اليوم باتوا ضحايا الهويات الزائفة والإحتلال الأمريكي الإنجليزي والعولمة و مشاريع النظام العالمي الجديد ن والعصابات القومية والإسلامية والطائفية التي أتت بها قوى الإحتلال إلى الحكم . إنهم ضحايا بعث الروح في موتى قبل آلاف السنين موهومين الذين أتخذ منهم أدعياء القافة ومن جعل من أنفسهم أو جُعلوا قيمين على جماعات من البشر و يدعون تمثيلهم في محافل العولمة و" الأصل والشرف " .

فحين كانت وسائل الإعلام البرجوازية بالإستناد على أفكار العولمة و البوست مودرنيزم و الحفاظ على تراث الأقليات ، تتحدث عن مثلث معين ، و عن ما سموه " السنة" المقيمين بين الشيعة " والشيعة المقيمين بين السنّة ، أو الأكراد خارج كردستان و في المناطق " العربية: وفي ظروف أكثر خطورة طوال التاريخ ، ويتم ربط هذه " الإمتدادات " القومية والطائفية والدينية بمستقبل العراق الفدرالي ، لا يمكن إلا تصور التطهير العرقي والتهجير و الحرب الأهلية والتناحر الدموي ورؤوس لأناس " مجهولي الهوية" في مدننا التي عاشت فيها الجماهير منذ أجيال وعصور في إخاء ووئام و علاقات إنسانية شريفة رغم اختلاف لغاتهم و أصولهم واختلاف أجدادهم الذين كانوا في حكم النسيان و لم يلعبوا أي دور في حياتهم . هذه المسميات كانت تهيئة وإعدادا لهذا اليوم الدامي والتراجيدي الفظيع لكي ينال المواطن حقه " المقدس في الفدرالية والديمقراطية والأصل والفصل" .
و الأخطر – وما الذي ليس بخطير هذه الأيام ؟ - أن كل فئة من الفئات التي تدعي تمثيل جماعة ما حين يتم مواجهتهم بمخاطر سياستهم وما يتبنوه يقومون بتبرير وجودهم بوجود جماعة أخرى أو جماعات أخرى. , إن استمرار الإحتلال و المليشيات يغذي التصعيد القومي والطائفي . فالعدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين أوصل حماس إلى السلطة ، و احتلال العراق قوى المليشيات القومية والإسلامية والطائفية .
فما الحل إذن؟
لا أرى حلا سوى بخروج قوات الإحتلال من العراق و تجريد المليشيات من أسلحتهم و احلال قوات دولية تقر بوجودها الأمم المتحدة ، وحل القضية الكردية بإجراء استفتاء عام في كُردستان باشراف هيئات نزيهة دولية يحسم مسألة استقلالها أم البقاء في العراق العلماني المدني، غير العربي، و غير الكردي، و لا قومي، و لا ديني، والذي يتمتع فيه المواطن بحياة المساواة في الحقوق والواجبات وضمان كل الحريات الفردية والجماعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس