الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعمة مواقع التواصل مصدرٌ للإزعاج .

يوسف حمك

2020 / 11 / 12
الادب والفن


حكمةٌ حديثةٌ قالها الفيلسوف و الروائيُّ الإيطاليُّ أومبرتو إيكو : " إن أدوات مثل تويتر و فيسبوك منحت حق الكلام لفيالق من الحمقى ، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط . بعد كأسٍ من النبيذ دون أن يتسببوا بأي ضررٍ للمجتمع . و كان يتم إسكاتهم فوراً .
أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل . إنه غزو البلهاء . "

شهية هذه المواقع مفتوحةٌ للعطاء دائماً ، و ما خُلقت للتقاعس و التقاعد أبداً ، مع عدم التدخل لردع المكائد و طعنات الغدر ، و لا لتشجيع قول الصدق و الوفاء .
تتدفق منها المعلومات غزيرةً . مفيدةً للغاية و مضرةً ، محتشمةً و فاحشةً فاضحةً أيضاً .... تغزو العقول بالعلم و النور و بالجهل و الظلام مثل النبل و الفحش معاً ، كما تحتل النفوس بالرفعة و السمو مثلما بالخسة و الدناءة و الفبركة و التلفيق ....
خزانةٌ لكتم الأسرار ، كما مفتاحٌ لكاشف بواطن النفوس ، معرضةٌ دائماً لأعمال السطو و الجهر بحبيس الصدور .

تزامن خلال تصفحي للفيسبوك مروري على هذه الحكمة ، و عبارةٍ أخرى - بهدف النصح و الإرشاد - نقلها أحد خريجي البارات الذين أعرفهم عن قربٍ و أبله خفيف العقل - على صفحته ٌالفيسبوكية لصقاً ، و ذلك بوقتٍ أقل من دقيقتين ، مما أصبح مادةً لكتابتي ، فأميط اللثام عن وجهه القبيح و زور نصائحه .

كثيرةٌ هي الوجوه المزيفة - أصحاب الضمائر الهابطة و الذمم الرخيصة - غير أنه يأتي في طليعة هؤلاء السفلة .
كبير الفاسدين .... عميد الجاهلين .... و سيد المخادعين و المنافقين ..
سفيهٌ و ثرثارٌ عميلٌ ، خبرته في التلفظ بالكلام المعسول وافرةٌ كعادة غيره من المتملقين . و لكسب الثقة براعته في المكر و الخديعة عاليةٌ ، رديء الخلق ، دنيء الطبع ، منسوب تفاهته مرتفعٌ حتى النخاع .
الغدر بالصحبة من ألمع صفاته ، و نقض الوعد من أرقى عاداته ، الحنث بالقسم روتينه اليوميِّ ، و الكذب من أحب الأشياء إلى قلبه .
نفسه باللؤم و الخبث مجبولةٌ ، يتقن فن لعبة المكر فيبدو ظاهره نقيض باطنه .
يدعي النزاهة بطرف لسانه و في جوهره وضيعٌ و لصٌ تافهٌ .
من أهم استراتيجيته السباق للوصول إلى المسؤول الفاسد و العيش تحت كنفه و العمل المتواصل للنهب و السلب لصالح سيده ، فترسيخ نفوذه و سلطته لا لصالح الدولة .

و هذا عدوٌ آخر للقيم و المثل العليا أعرفه حق المعرفة ، يرجح مصالحه الشخصية و يضعها فوق كل الاعتبارات ، و يسحق المبادئ النبيلة تحت قدميه .
هو الآخر تاريخه حافلٌ بالانتهازية و اغتنام الفرص لاستثمارها في إطار منفعته الشخصية .
هذا الانتهازيُّ لا يدع يوماً يمر إلا و ينشر تعابير الوطنية و النصح و الإخلاص عكس ما يضمر في دواخله .

ما أكثر الانتهازيين و المنفعيين و البلهاء الذين لوَّثوا مواقع التواصل الاجتماعيِّ بتغريداتٍ منهكة للأعصاب مربكةٍ للفكر ، و للقلب تجلب الجلطة ... نصائحهم تثير الاشمئزاز .

و ها هو الفيلسوف الألمانيُّ فريدريك نيتشه يقول بحق هؤلاء السفلة أيضاً : " المنحطون في حاجةٍ دائمةٍ إلى الكذب ، إنه أحد شروط بقائهم "
فئةٌ منحوسةٌ تتلوَّن كالحرباء بلون محيطها و حسبما تملي مصالحها . و للسياسيين أيضاً حصة الأسد من الانتهازية و الإبداع في فن التلون سعياً للشهرة و حب الظهور و تسلق المناصب ، و الإفراط بكل شيءٍ من أجل منافع خاصةٍ وفق خطةٍ معدةٍ مسبقاً .

مواقع التواصل هي موردٌ هامٌ للثراء الفكريِّ و تنمية القدرات العقلية و تألق الذهن ، و مصدرٌ أساسيٌّ للأخبار و مجريات الأحداث لحظةً بلحظةٍ ، كما التواصل مع الآخرين بالصوت و الصورة على بعد آلاف الكيلو مترات .
غير أنها بالمقابل باتت مصدر إزعاجٍ من العابثين و المتملقين و المسوقين لذواتهم و الناعقين و المصفقين ، و فضاءً واسعاً لمسارح أصحاب الملامح المستعارة و الوجوه المتعددة ، و الترويج للتافهين و المواد الهابطة و التسويق للنفوس المريضة و دعاة الفتن و التطرف الفكريِّ ، كما انحرافاً خلقياً أيضاً .
فهي سلاحٌ ذو حدين ، تفاهةٌ بكل سلبياتها ، و نعمةٌ بكل إيجابياتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هتاف لفلسطين خلال حفل غنائي لفنان بورتوريكي في إسبانيا


.. يطلب من الجمهور الدعاء له.. الأب بطرس دانيال يكشف تفاصيل الح




.. مريض عراقي يعزف ويغني لأم كلثوم أثناء إجرائه عملية جراحية في


.. صباح العربية | مريض عراقي يغني لأم كلثوم أثناء خضوعه لجراحة




.. أسيل عبد الهادي: التمثيل حريتي • مونت كارلو الدولية