الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي ينتَصر على الديمقراطية المُخادعة .

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لم أرَ أنّ يوم الثُلاثاء الماضي، أي يوم إجراء الانتخابات النيابية، كانَ يومًا طبيعيًّا على النظام السياسيّ برمّتهِ، إذ أنّهُ قُضيَ والنظام السياسيّ كمَن يُحاول أن يُطفئ نارًا مُشتعِلة في حقلٍ كبير، وهو لا يملك إلّا مجموعةً قليلة مِن دلاء الماء، التي لَن تُسعفهُ فيما يُحاول القيام بهِ، بل أراهُ أنّهُ كانَ يومًا عصيبًا عليهِ، كجُنديّ أُجبرَ على الإشتراكِ في معركةٍ صعبة، دونَ أن يكونَ لهُ أدنى معرفة عن الخطط الحربيّة، ودونَ أن يكونَ في حوزتهِ أيّ قطعةٍ مِن السلاح، يُدافع بها عن روحه .

وبطرقٍ مُختلفة، تمثّلَت في قانون انتخاب ضعيف، وتدخّل في تشكيلِ القوائم، والعمَل على فضّ الكثير منها، ومُمارسة الضّغط على بعضِ المُترشّحين بالإنسحاب، بأساليب بدائيّة، تُثبت أنّنا لا نعيش بدولة يتغنّى بديمقراطيتها - كما يقولون- محليًا وخارجيًا، بهذا كُلّه وأكثَر، حاولَ النظام السياسيّ التهرّب مِن حالة الإرباك التموزيّة التي أُدخلَ بها، بعد أحداث الإعتداء على شريحة المُعلّمين التي يبلُغ تعدادها أكثر مِن 130 ألف مُعلم، إذ كان ذلك مِن خلالِ إتخاذ العديد مِن الإجراءات التعسفيّة في حقّهم، حيث كان أهمّها متجسّدًا بحلّ مجلِس نقابتهم المُنتخب بشرعيّة وديمقراطية لَم يُنتخَب بمثلها آخر خمس مجالِس نيابيّة في البلاد، فضلًا عن زجِّ الكثير مِن قياداتهم وراء قُضبان السُجون .

لقَد عملَت أحدات تمّوز الأخيرة على قولبَة الموازين بشكلٍ كبير، وسعَت إلى توضيح الأمور بشكلٍ لَم نعهدهُ بالسّابق، حيث أنّ إقرار إجراء الانتخابات الذي جاءَ ردًا على كُل مَن يقول، أنّ الأُردن يُعاني مِن تدهور حالة الديمقراطية كما لَم يكُن مِن قبل، والذي أرادَ أن يوصِل رسالةً للخارج، وخاصة بعد تركيز أكبر الصُحف العالميّة على العقليّة القمعيّة التي حكمت البلاد، أنّ ما نتعرّض لهُ لن يتعدى حدود الإنتكاسات الديمقراطية التي يتِم مُعالجتها بشكلٍ سريع، فكان هذا القرار -أي إعلان موعد الانتخابات- هو القشّة التي يتعلّق بها النظام السياسي مِن الغرَق في بحور القمعيّة والاستبداد التي بدأت تلتَفت لها الهيئات الدوليّة، والدول الغربية التي تُشرف على أوضاعنا السياسية والإقتصادية . فقد جاء الإعلان عن موعد الانتخابات، بهدَف إبعاد الأنظار عَن كُلّ ما وقعَ على المُعلمين ومَن ناصرهم في أحداثِ تموّز . لكن، كانَ في مواجهة هذا الإعلان الديمقراطيّ المُزيّف، حملات ودعوات تحُث وتشجّع على مُقاطعة الانتخابات التي رآها الكثير مِن أبناء الشّعب، بأنّها كلِمة حَق أُريد بها باطِل، وبالفعِل هذه الرؤية قَد لاقَت نجاحًا كبيرًا، وذلك مِن خلال نجاح حملات المُقاطعة في الإنخراط في العمليّة الانتخابية .

فقَد تمثّل هذا بمُقاطعةٍ قّد بلغَت نسبتها 70%، ممّا يعني أنّ المجلس النيابيّ التّاسع عشَر، والذي جاء مُنذ بدايتهِ على أُسس تخلو مِن الديمقراطيّة بكُلّ أشكالها، فضلًا عن أنّه لا يُمثّل سوى قلّة قليلة، لا تتجاوز نسبتها 11% مِن نسبة المُقترعين ككُل، والتي لَم تبلُغ محطّة 30% ؛ هو مجلِس فاقد الصلاحيات، وليسَ مجلسًا يمثّل الشّعب إطلاقًا، تحتَ أيّ ظرفٍ من الظروف .

لم تكُن حملات المُقاطعة هذه، مجرد حملات عبثية جاءت نتاج لمماحكات شخصيّة، أو لدوافِع ومنافع ذاتيّة كما يحاول الكثير تصويرها ؛ بل هي حملات قامَ على قيادتها نُخَب سياسيّة وقيادات شبابيّة فذّة، آمنت بإيصالِ رسائلها بطريقةٍ سلميّة، لا يشوبها أي شيء مِن شوائب الفوضى والخُزعبلات التي لا تزيد الوضع إلّا تأزيما . إذ وُلِدت هذه الحملات مِن رحمِ الشّارع السياسيّ الأردني، ورضعت مِن أثداء كُلّ بيتٍ ملَّ مِن المُتاجرة عليه سياسيًا وديمقراطيًا.. ولِدت ولها أهدافها ومطالبها المشروعة، مثلها مثل كل الحملات الأُخرى، بل هي أهمّ مِن باقي الحملات الأُخرى.. حملات عبّر مِن خلالها من المواطنين الذين يحملونَ أحلامًا رسموها على صدورهم العارية، عن أملهم في العيشِ في دولةٍ حقيقيّة، لا غاب يحكمها سياسة الأقوى، وسعوا أيضًا من خلال هذه المُقاطعة، إلى تحسين الأوضاع المعيشية والتعليمية، وبناء دولة ديمقراطيّة، سياسية، اقتصادية تضاهي بلدان العالم .


ختامًا، وبعيدًا عن كُلّ الفتاوى التي وظّفت توظيفيًا انسياقيًا مع ما يُناسب مَن يُدير الانتخابات، ودون إعطاء أيّ إهتمام، للتطمينات الطبيّة التي نشّفت فيروس كورونا لإنجاح الانتخابات، وبعد نجاح حملاتِ المُقاطعة ؛ فإنّني أودُّ أن أقولَ بأنّهُ بعد كُلّ حدثٍ سياسيّ ضخِم في البلاد، وبصرف النظرِ عن نتائجهِ ومآلاته، أزدادُ قناعةً، وأُصبِح أكثَر إدراكًا، مِن أنّنا نعيش في واقعٍ مُثقَل بالتّراكُمات، وأنّ أكثَر ما يجِب أن نسّعى لبلورتهِ اليوم، هو الإلحاح والإصرار على وجوبيّة خَدشِ الوعي الجمعي للمُجتمع بأكمله .

حيث أنّ خدِش الوعي هذا، وفي نظرِ القائم على إيجاد منظومة إصلاحيّة ذات وزن كبير وفعّال، هو أكثر أهميّة مِن الحاجة للتغييرِ الكياني، ومِن المؤكّد أنّهُ لن يكون لا لون ولا طعم ولا رائحة للتغيير إذا لَم يكُن هناكَ وعي ثقافي بأهميّته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج