الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كِتاب -نقد وإصلاح- لطه حسين

علي عبد الجبار شمري
كاتــبٌ حُـــر

(Ali Shammari)

2020 / 11 / 13
الادب والفن


إنَّ القارئ لكتبِ التراجم، ولسيَّر العرب الأوائل، يعرفُ لهم عادة التَمَثُل بالشعر فيما يحدث معهم من مواقف ويلِمُ بهم من خُطوب، والتمثُل هو ذِكرُ بيت أو بيتين من الشعر، تلائم الواقعة أو الخطب، و لم أجدني وأنا اقرأ " نقد وإصلاح " لعميد الأدب العربي إلا متمثلاً ومتمتماً لأبيات شوقي التالية.
كلما أخـلقـــــتـه جـددنى ------- وكسانى من حلى الفضل ثيابا
صحبة لم أشــــــــــك منها-------- ووداد لم يـكلـفــــنــى عـــــتـابـــــا
فلا ينكر عاقل علوَّ كعب الرجل في اللغة والأدب، و أنه كان و ما يزال قيمة وقامة أدبية، وأثراً للعرب عامة، ولمصر خاصة؛ لما كان له من قصب السبق في الترجمة والتأليف والنقد، وكذا رؤيته الثاقبة في السياسة والتنظيم.
وكي لا أضيع وقتكَ عزيزي القارئ في الحديث عن تاريخ الكاتب؛ لأن هذه قد يستغرق مقالاً مستقلاً بذاته، سأشرع بالحديث عن الكِتاب وما ألفيته بين دفتيه في نقاطٍ مختصرة تصلحُ أن تكون أرضية متماسكة للوقوف عليها في فهم الكِتاب.
يتألف الكِتاب من مجموعة من المقالات قد تنوعت بين الأدب والسياسة، وقد عكس عنوان الكِتاب مقاصد الكاتب ومآربه من ورائه، ففي شقه الأول نقدٌ وتحليل لعدة أعمال أدبية، عربية وعالمية، كذلك بعض المقالات في الفلسفة والشعر، أما الشق الثاني فكان غيضٌ من فيضِ معارك طه حسين الإصلاحية التنويرية، التي كان يبثها ترانيماً و حداءً لأمةٍ يَفخَرُ بانتمائه اليها، ولا يريد لها إلا الرفعة والسمو والمجد.
وما يهمني هنا هو الجانب الأدبي؛ كون المقالات المتعلقة بالسياسة والتنظيم تخصُ المحاكم، والتعليم والقوانين القائمة وقتذاك ، وهي موجودة لمن أراد البحث في هذا الموضوع والاستفادة منها كمصادر تاريخية لتلك الحقبة. أما فيما يخص الجانب الأدبي فإليكم ما آنسته في الكتاب..
أشار الكاتب في غير مرة إلى تأثير البيئة على النتاج الأدبي، ففي نقده "خطأ تقدير" للفرنسي البير كامو و "العائد" للألماني أرنست فيكرت و "مضى القطار في موعده" هنرايخ بول، يرى ناقدنا أن سُحب الحربين الأولى والثانية قد خيمت على أجواء تلك الكتب في هذه الحقبة وأن نوعاً جديداً من الأدب "المظلم المتشائم" قد وجدَ طريقاً لأقلام بعض كتاب تلك الحقبة، ورغم ذلك فقد بيَّن لنا الكاتب بعض مواطن الجمال وكذلك الضعف في تلك الكتب بإسلوب راقٍ وذوقٍ عالٍ، ومن بين ما بينه لنا وما أشار إليه، هو ذلك الرأي المنادي بفصل الأدب عن الفلسفة وإفراد كتب خاصة للفلسفة بدل إقحامها في كتب الأدب، وهو لاينكر هذا التزاوج بقدر ما يرى أنه قد يأخذ من رونق الأدب لانشغال القارئ بالفكرة الفلسفية على حساب الحبكة القصصية .
لم أجد بين دفتي الكتاب ولا لمرة واحدة ذكرٌ لكلمة " رواية "، وحتى عندما تناول كتاب "ردّ قلبي" للكاتب يوسف السباعي التي تجاوز الألف في صفحاته، وهو بلا شك "رواية " متكاملة الأركان حسب المفهوم الحديث للرواية، نجده أطلق عليها اسم " المُطولة" و كذلك نعتها بالقصة في طيات حديثه عنها. و في هذا الموضوع- موضوع التسمية والتصنيف- كان لطه حسين رأيّاً أعجبني فوددت نقله كما هو من صفحة 46 من نفس الكتاب "وما أريد أن أدخل في هذا الحوار السخيف الذي يحب الناس أن يخوضوا فيه في هذه الأيام حول طبيعة الكتاب، أقصةٌ هو لأنه يحدثنا عن أشخاص ، وعن أحداث عرض لهم وخطوب ألمت بهم في زمان بعينه ومكان بعينه؟ أم هو شيء آخر غير القصة لأنه لم يستوف الشروط التي يشترطها المتكلفون من النقاد لهذا الفن؟" وهو بهذا يضع معيار الجمال معياراً ثابتاً لكل عمل أدبي، فجمال الجوهر مُقدم لديه على السفاسف المتعلقة بالمظهر.
عنيَّ الكاتب عناية بالغة باللغة ونقد بعض الهنات اللغوية التي كانت في كِتاب السباعي وأخرون ، موجهاً إياهم بالاعتناء أكثر بالجانب اللغوي، وهذا الرأي ليس بجديد من عميد الأدب العربي فهو أحد فرسان اللغة الذي لا يشقُ لهم غبار، وقد لفتتني لطيفة من لطائفه اللغوية وأنا اقرأ ؛ فوددت نقلها لكم من صفحة 124 " فأؤكد لهم أن رئيس الوزراء لم يضع تحت تصرفي، ألفاً واحداً، ولا آلافاً قليلة، ولا ألوفاً كثيرة" فقد استعمل هنا لفظ الجمع آلافاً للقليل، وهو بحق أحد أوزان جمع القلة، واستخدم ألوفاً كثيرة، لتمييزها عن جمع القلة والإشارة للكثرة، ومثل هذه الدقة اللغوية ندرت وشحت في أيامنا هذه.
أن الكتابة عن أحد نِتاجات عميد الأدب العربي، كتابة ممتعة لا تُمل؛ ذلك أن أعماله سيلٌ لا ينقطع ولا ينضب، يصدُر من نبعٍ ثرثار، عذب وصاف ماؤه، لكني أود أن أختم مقالتي هذه بإلقاء الضوء على ماكان يرتأيه طه حسين حول مكانة وشكل ومضمون الأدب بصورة وعامة، فهو كان يرى أن الأدب فنٌ رفيع يجب أن يُرتقى إليه بالثقافة والفن وصقل الذائقة واللغة ، لا أن ينزل هو- أي الأدب- من مكانته العاليه ليتواقف مع أذواق العامة أو ممن لا يعنّون أصلاً بهذا الفن، ومواطن الجمال فيه، فهذا مما يُفقد الأدب قيمته ومكانته التي يتمايز بها عن بقية الآداب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة