الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشيق الليدي شاترلي(عن الرواية والفيلم معا): .لورنس يعود الى المفهوم الاساسي قبل صياغة الجرمية برمتها

بلال سمير الصدّر

2020 / 11 / 13
الادب والفن


هنا علينا ان نحقق بفن كبير جدا ...علينا ان نحقق باشهر وآخر ما كتب د هـ لورنس،وعلينا أن ندقق قبل استخدام الكلمات محاولين ان نحاكي لورنس الذي يبدو له ان اللغة خانته في التعبير،فعلى الرغم من العمق اللغوي الواضح والذي تبدو فيه روايته،على انها تبدو من ناحية أخرى صراع...صراع بين لورنس وبين اللغة،لأن اللغة-كما تبدو-كانت قاصرة،بل قاصرة جدا عن تحقيق الذي اراده لورنس منها.
هنا،نحن لسنا أبدا في مباراة استعراضية للغة بين جويس مثلا وصموئيل بيكيت،بحيث-وكما هو معروف- آمن الأول بالامكانيات المستحيلة للغة،فيما اعتبر الآخر اللغة قاصرة جدا أو حتى مجرد جنين في طور الولادة.
لم يكن لورنس منظرا لغويا أبدا،والأدب المجرد الخاص الذي نجده عند لورنس ناتج تماما عن يأسه من التعبير،فالفخامة اللغوية لاتبدو للورنس أكثر من ناتج سطحي للعقل.
التدقيق كثيرا عند استخدام الكلمات يعني بأننا استخدمنا لفظ (أشهر)وهو مختلف تماما عن لفظ(الأفضل) وهذه المقارنة البسيطة للكلمات لن تحيلنا الا إلى ادب أرنست همنغواي.
عشيق الليدي شاترلي هي اشهر ما كتب لورنس وليس أفضله،فأفضل ما كتب لورنس بلا شك هي رواية الأخوات بجزئيها (قوس قزح)و(نساء عاشقات)،وإن كانت عشيق الليدي شاترلي تحمل نفس اللكنة اللغوية،ونفس التناقضات الجوانية الداخلية لمشاعر الأنثى،والملل الانساني من التجربة وتكرار التجربة نفسها،ولكن هناك شيء آخر يميز عشيق الليدي شاترلي وهو انكسار الحواجز.
فهنا لورنس-وسيتهمنا البعض طبعا بسوء فهمنا للرواية-يطالب صراحة بالمشايعة الجنسية-ولاحظوا ايضا أن لفظ غير أخلاقي غير مقبول بالنسبة لمن اعتبروا لورنس الها-ويظل الآخر له دور كبير في الرواية سواء كان المناظر للأنثى أو المناظر للذكر أو العكس...
عشيق الليدي شاترلي هي رواية كبيرة،بل كبيرة جدا على اية حال،ولها علاقة بالأدب أكثر من رواية تولوستوي آنا كارنينا،واكثر من المحاكمة الأخلاقية التي قدمها جوستاف فلوبير في مدام بوفاري.
عشيق الليدي شاترلي رواية قدمت حوارات ثقافية انتفت تقريبا أمام الانتفاع الكبير من اللغة من قبل لورنس،بل الشيء ناصع البياض في الرواية هو السرد نفسه...القدرة البشرية العبقرية على خلق الشخصية وعلى خلق تعقيداتها معها،ومن ثم التعبير عن كل ذلك.
ومن هنا نلاحظ انتفاء الحدث نفسه ىفي رواية قوس قزح ونساء عاشقات وانتقاله الى الهم الاكبر وهي الحكاية الجوانية،بينما رواية عشيق الليدي شاترلي من الممكن اختصار الحدث فيها بأقل من عشرين صفحة.
المختصر،روايات لورنس ومن ضمنها هذه الرواية،هي روايات عن الأدب نفسه الخالي من التنظيرات البرجوازية التولوستية(نسبة الى تولوستوي) أو الدفاع الأخلاقي الفلوبيري.
إذا كانت آنا كارنينا تشاركت مع زميلتها مدام بوفاري بالانتحار في الصفحات الأخيرة على خطيئة الزنا،فالليدي شاترلي شاركتهم نفس الخطيئة ولكن النهاية ان لم تكن سعيدة فهي نهاية عادية تماشي مسار الحياة،فالهدف عند لورنس ليس ابدا ابراز العقوبة الجرمية التي سيحققها المجتمع أو التي ستحققها العدالة الإلهية،بل الاحتكام الى النفس التي تمشي خارج مسار اي حدود...الحكاية هي أنا والنفس مع قدرة تعبيرية هائلة اعتبرها لورنس-ربما-قاصرة عن التعبير.
ولكن ماذا عن الفيلم...؟!
هنا سنقع في نفس المطب النقدي الذي تحدثنا عنه عند كتابتنا لنساء عاشقات.....
هل روايات لورنس قابلة الى التحويل الى فيلم؟
الجواب:بالتأكيد لا...فما العمل إذن؟....لاحل سوى التبسيط
ولكن يبدو الفيلم الذي نحن بصدد مناقشته قد أخضع للتسطيح وليس للتبسيط؟!
ولكم-مرة أخرى-هل من الضرورة مقارنة الفيلم بالرواية خاصة أن كلا الفنين خاضعين لنظرية الامكانيات؟
إذا ارادت السينما ان تقتبس الأدب فهي عبرت عن نفسها بنفسها،لأن السينما قاصرة جدا الى الوصول الى المرحلة الأدبية،كما ان الرواية قاصرة جدا عن الوصول الى مستوى الفيلمية،وبالتالي سيكون الجواب:إذا كانت السينما خاضعة لنظرية الامكانيات،وهي تعترف بذلك،فعليها ان لاتقتبس من الأدب وبالذات الأدب الكبير منه.
وإذا كانت الممثلة الفرنسية(مارينا هندسن ) حصلت على جائزة سيزار في الأداء فهذا حكم ينقصه التكامل في الحكم العام،فالأداء ليس مؤشرا أبدا للحكم على فيلم برمته خاصة ان كان مقتبسا من ادب د هـ لورنس،وهذا يحيلينا دائما وأبدا أن السينما والأدب مهما تداخلت العلاقة بينهما إلا ان لكل منهما معطيات خاصة لا أحد منهما يستطيع تجاوزها.
والاشارة السلبية حادثة وحاصلة،ففيلم الليدي شاترلي 2006 –من اخراج باسكال فيران -وهو مقنبس أصلا من النسخة قبل الأخيرة للرواية –اي قبل ان يصيغها لورنس بشكلها النهائي باسم عشيق الليدي شاترلي-وكانت بعنوان (جون توماس وليدي جاين)،وهو الأمر الذي سوف يساهم في اعادة تشكيل الرواية في ذهن المتلقي من خلال هذا التسطيح الزائد عن اللزوم،وسيساهم بذلك اكثر اعتماد الفيلم على النسخة غير المعتمدة من الرواية من قبل الكاتب نفسه.
يعتمد الفيلم على تخفيف الرواية بحيث ينتقل من اللغة الى الحدث نفسه-وهو امر متوقع ومقبول من صيغة فيلمية-ويستخدم احيانا اسلوب اللوحة السوداء المكتوبة للتعبير في محاولة منه الى اقتباس نصية داخلية للشخصية من الرواية وهذه المحاولة بحد ذاتها هي اعتراف بالتفوق الراوئي على الفيلم.
الفيلم يحاول الاستفادة اكثر من عناصره الفنية واهمها الصورة،فهو من خلال الصورة-وهي محاولات ناجحة على اية حال-يطلعنا على شعور كوني اتجاه جسدها المترهل تارة،وتارة اخرى اتجاه زوجها المقعد كليفورد والحوارات الثقافية التي تدور من حولها بحيث تقبع في ملل وعدم قبول شديد،وحاجة الى الأمومةمن خلال اللقاء العرضي بمرضعة،مع اختصار شديد للحوار بحيث من الممكن ان يوصف الفيلم بانه متقشف جدا في الكلام.
الفيلم لايسعى الى البلاغة ولايهدف ابدا الخوض في تعقيدات لورنس –كما حاول فيلم نساء عاشقات 1969 وكانت محاولة فاشلة على اية حال-.
الفيلم يقدم سينما خصبة وسينما ناضجة واقعية تحتكم اولا واخيرا الى الاسلوب الفني السينمائي،وتسعى الى الاقتباس المقصود...المقصود كجملة سينمائية وردت في رواية ادبية مما يجعله فيلما ناجحا أكثر من فيلم نساء عاشقات على شهرة الفيلم الأخير...حتى لو كان كلاهما بعيدا عن روح الرواية.
الاقتباس الأدبي هو مجرد نظرية سينمائية غير قابلة للتحقيق فعليا حتى لو لاقت نجاحا منقطع النظير.
يبرز الفيلم بشكل واضح وأساسي-وهي فكرة مركزية في الرواية ولكنها ليست وحيدة-ان هذه الحبكة ليست محاكمة بشرية على اخلاق انتهكت،بل ان فكرة الحب والحصول على طفل هي من ضمن القانون الطبيعي،وهي فكرة ينادي بها كليفورد الزوج المقعد والذي يطالب بها زوجته كوني المغلفة في الفيلم ببراءة مقنعة لانفهمها بهذه الطريقة على الاطلاق من خلال الرواية،وعلى اهمية الفكرة والتعقيد والاقتباس الروائي المرافق لها ظهرت في الفيلم كمجرد تسلسل فردي وبسلاسة فيلمية مطلقة...
ويشير الفيلم الى بؤس عمال المناجم،وهو فكر مشترك بين روايات لورنس الكبرى الثلاث في مقارنة بين البؤس الانساني والعلو الانساني في مقارنة شخصية لها علاقة بالذات العلوية المتأملة والتي تصب كل ذلك في خانة الملل وعدم الاهتمام،مما يجعلنا نقول ان لورنس يقدم الجانب الوجودي التأملي من فكرة التعالي الاجتماعي التي لاتهدف الى محاكاة اي نظرية برجوازية او التعادل الاجتماعي او نفي الطبقات،بل ستصب في نهايتها في خانة التكرار والذي سيصيب شخصياته بالملل.
هذا الانحسار الاخلاقي في روايات لورنس يصيب ايضا فكرة الزنا عند كوني او(الليدي شاترلي) مع عشيقها أوليفر باركين،فالزنا هنا ذا معنى هدفي وقانون طبيعي من دون الالتفات الى التجريم،والعراء الكامل في الفيلم ما هو الا تعرية كاملة للمفهوم الجرمي عندما ينقلب هذا العراء الى محاولة لمحاكاة ادم وحواء في جنة عدن..لورنس يعود الى المفهوم الاساسي قبل صياغة الجرمية برمتها...
الفيلم يلاحق الحدث ويستخدم امكانياته في اظهار المشاهد الطبيعية ذات المدى المفتوح،ويكمل باسخدام اللوحة السوداء على الشاشة كمحاولة للاختصار،ليضاف في نهاية الفيلم سرد وثائقي طويل محاولا اختصار الحدث،وهذا الاختصار الصارخ شوه الفيلم الى ابعد حدود،واذا اردنا ان نحكم على الفيلم من خارج المنتوج الروائي فهو اقل من متوسط المستوى الفني...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي


.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه




.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان


.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو




.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف