الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استعلاء الداخل على الخارج!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2020 / 11 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تحلم بالهجرةِ وتحققها، تجمع خبراتٍ حياتيةً وتكنزها، تتعلم الجديدَ في مجتمعــِك المضيفِ حتى تصبح مواطنــًا فيه و.. منه، تقرأ، وتتابع متحررًا من احتكار أنظمة مستبدة لحياتــِك الماضية، ينطلق لسانــُك أو تخط أناملــُك ما يراه جهازُ أمنِ بلدِك في العالم الثالث كأنه ثورةٌ أو تمَرُّد أو.. عصيان!
تنخرط في هموم وطنك الثاني؛ لكنك لا تُعطي ظهرَك للوطن الأم؛ فتشارك على البُعْدِ كأنك لم تبرحه، وتعيش في مكانٍ آخر، لكنك تتنفس الاثنين معا: وطن المهجر و.. مسقط الرأس.
تتفتح مداركــُك، وتتوسع معارفــُك، وتقتطف ثمارَ تجاربِك فتصبح شخصاً جديدًا، لكنك تحتفظ في أعماقــِك بصورةٍ قديمة لوطنٍ غادرتَه ولم تغدُر به، هاجرت منه ولم تهجره، ذهبتَ عنه ولم تذهب به، ابتعدت عنه فزاد قُربــُك منه.
هنا تبدأ أزمتــُك مع أبناء وطنــِك الأم الذين يظنون أنهم الأقدر على كشف أغوار النفس، وفهم السياسة، والدين، وحركة التاريخ؛ متوهمين أنَّ القُرْبَ من الحَدَثِ يجعلك تُبصر أكثر.
كثيرٌ من المهاجرين من الجيل الأول يحلمون بنقل خبراتهم، وأفكارِهم، ورؤيتهم، ومشاهداتهم، وفاءً منهم لوطنٍ ما يزال الأهلُ، والأصدقاءُ، والأحبابُ، والذكرياتُ تسكنه، بعضها كشخوصٍ حقيقيةٍ، والبعض الآخر كأشباحٍ حَلـَّـتْ محلَّ المهاجرين.
تحاول أنْ تشارك، أو تتشارك من موقع المحبة والتواضع، خاصة إذا هاجرتَ لبلدٍ يتراشق فيه أهلــُه بالأفكار الجميلة، والمكتشفات الباهرة، وعلوم الإدارة الحديثة، وحرية الكلمة، وكرامة المواطن، وعدالة الأحكام؛ فإذا بأبناءِ بلدِك الأم يقفون لك بالمرصادِ، ويسخرون منك، ويتهكمون على ثرائـــِك الفكري بفقرِهم المعلوماتي.
ومع ذلك فلا فلا تدير ظهرَك لهم، أو لمسقط رأســِك، فدماغــُك التي كانت مليئةً بالأحلامِ قبل الهجرة تكدست بالأحلام المعاكسة، أيّ التي تتمناها لوطنــِك الأم.
أنت قد تكتب عن بلدٍ في أقصى الأرض؛ ولم تقم بزيارتها من قبل فلا تتلقى عتاباً صغيرًا من أهلــِها؛ فإذا أبديتَ رأيــَك لوطنــِك الأم صدَمَك أهله، أي مَنْ عشتَ معهم عُمْرًا من قبله، بغطرسة، وكبرياء، وعنجهية، واستعلاءٍ كأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يُخبيء مُخَّ آينشتاين في جمجمته.
إنها ليست مشكلتَه فقط، لكنها مشكلة ملايين المهاجرين من العالم الثالث إلى العالم الأول، فالذين غادرناهم يشعرون أنهم خبراء في كل شيء حتى وهم يتوحلون في مستنقع الفقر، والأمية، والجهل، والتعليم الفاسد، والرشوة، العلنية، والشرطة السرية، والوشاية المواطـــَــنية، والاستبداد، ونزع الكرامة، والمهانة، وتكميم الأفواه حتى حُلمك السابق في الهجرة يُخفونه تحت الوسادة، ويحتقرون بُعْــدَك عن مكان الحادث.
أنت تعيش في النرويج أو أمريكا أو نيوزيلندا أو سويسرا أو كندا أو أستراليا أو السويد أو ألمانيا أو فنلندا أو .. تغرف من منتجات الحضارة، وتريد إيصالــَها لأهل بلدِك الأم، فتصدك كلماتٌ تعج بالكبرياء على شاكلة: نحن أعرف بوطنك السابق(!) منك، ونحن نقبل الديكتاتورية، والنهب، والسرقة، والظُلــْم، والسجون، والمعتقلات، والغلاء، والصفع على القفا من السلطة التنفيذية، والفشل التعليمي، وكَسْر المستشفيات لظهورنا المقوصة في أسعار العلاج والدواء والجراحة؛ لكننا لا نقبل نصائحَك!
من يرى الصورة قبل مشاهدتها يظن أنَّ المهاجرَ هو الذي يتعالى على ابنِ بلدِه الأم؛ لكن الواقعَ، والحقيقة، والمشاهدات تؤكد أنَّ المقيمَ هو الذي يتعاظم بالجهل، وبالقيادة الفاشلة، وبالبرلمان المزور، وبخيرات الوطن الأم المنهوبة على عينك يا تاجر!
تُرى كيف نفسر هذه الظاهرة، مع افتراض صحتها، التي رصدتها خلال 47 عاما مع جنسيات من مختلف بقاع الأرض؟

طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 13 نوفمبر 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب