الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إجتهادات من خارج الصندوق: التاريخ ذكر كل شئ ما عدا الحقيقة

دانيال سليفو بتازو

2020 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


آشوريات عراقية
في قيظ الحبانية اللاهب, فتحتُ باب البيت رداً على دقات خفيفة سمعتها يصعوبة. وهالني منظر شخص صغير العيون وكأن النعاس قد نال منه , سلمني كتاب صغير للانجيل وتوارى مبتعداً , علمت لاحقاً بأنه كان مبشراً كورياً. فتحت الكتاب المقدس بدون تردد وبدأت القراءة, وكانت الكلمات من آواخر رسالة الرسول بطرس ( شمعون) الأولى من الإصحاح الخامس : تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس إبني. ܒܝܗܒܼܐ ܝܠܐ ܫܠܡܐ ܐܠܘܟܼܠܘܢ ܥܕܬܐܓܘܒܝܬܐ ܕܓܘ ܒܒܼܠ ܘܡܪܩܘܣ ܒܪܘܢܝܼ . وبعد سنوات أخذت أشعر حينذاك ونتيجة هذه الآية بأننا شعبٌ مختار تابعين لكنيسة مختارة !. الى أن كانت المفاجأة المحبطة حينما قال قس كنيستنا بأن بابل تعني روما ! وكان ردي بعناد بابل تعني بابل . ولم أفهم كيف يكون المقصود مدح كنيسة روما بتشبيهها ببابل الساقطة والمرذولة ؟!. كما إن الكثير من المصادر التاريخية الكنسية تشير الى أن الرسول شمعون كيبا لم يذهب الى روما أصلاً. وبالمقابل ولتعظيم كنيستنا لمار شمعون الرسول حمل بطاركنا الأجلاء اسم شمعون وأحياناً سُميت بالكنيسة الشمعونية.
إستمرت رحلة المعاناة وهواية البحث لمدة قاربت النصف قرن في محيط التراث الديني والتاريخي لحضارة العراق منذ سومر وبابل وآشور ، وكانت عملية صعبة ومهمة تبدو مستحيلة وكأنها البحث عن إبرة وسط القش , واليوم وبسبب التطور التكنولوجي يمكن جلب الإبرة بقليل من المعاناة والكثير من الذكاء والوعي , شرط أن يُرفع غبار الكسل والطمأنينة والنمطية الفارغة والتوسد بأريحية بما هو موجود . ورحلة البحث هذه ليست مستحيلة إن تم مسك رأس الخيط وسحبه بعيداً عن كرة خيوط النسيج المتشابكة, وإيجاد الطريق العلمي الأكاديمي الأمثل للبحث, آخذين بنظر الإعتبار إن التاريخ كتبه المنتصرون لغايات ونوايا شريرة, فسرقوا تاريخنا وقسموه بينهم , فالجميع كتب تاريخنا والتفاصيل الدقيقة إلا نحن !. والحضارت الإنسانية العظيمة لها من يظهرها ويقدمها لوجود من يدعمها من قوى ودول وسلطات, فحضارات الصين ومصر واليونان والرومان لها من يدافع عنها ويقدمها للعالم وتاريخ حضارتنا لا أحد, مما يستوجب بان يكون جهدنا مضاعفاً وبعملية مستديمة يكملها الجيل القادم والذي بعده . وإتخذتُ في فهمي للتاريخ منهج الفصل بين الإيمان وحقائق التاريخ, فالدين رسالة الهية أخلاقية مهمة للإنسان, بينما التاريخ هو عمل بشري يتاثر بالحروب والمجاعات والأمراض والكوارث وفيه النادر من الحقائق رغم كونها مشوهة أصلاً والكثير من الأوهام. وهناك مظاهر عديدة وإشكاليات جمة تقف أمام الباحث المتصدي لهذه المهمة, ولكني بالتجربة وجدتُ ان المفتاح الرئيسي لفتح الابواب الحديدية الموصدة الصلدة للتاريخ هو اللغة السوريانية ( السورث ), فمنها يمكن فهم معاني الكلمات والمقاصد الفكرية والحضارية لما يقال في التراث الآشوري العراقي والهلال الخصيب بل وحتى الأوربي, وعلاقة ذلك بالأديان وحركة الشعوب الى حد بعيد, والمفتاح المهم الثاني لفهم التاريخ الحضاري هو علاقة الارقام بالحروف ( حساب الجمل ) بحسب النظام الرقمي الستيني ( السومري البابلي الآشوري) والتي يتم من خلالها فتح الطلاسم المخبوءة لمعنى أسماء المدن والأشخاص .
ومن أهم الإشكالات التي وقفت عثرة أمام البحوث الجدية :
أولاً : إشكالية تشابه أسماء المدن والإشخاص وتكرارها في مناطق مختلفة وبلغات مختلفة كاليونانية ( الكريكية) والفارسية والعربية, مما يضع الباحث أمام جدران من الصعوبات والعوائق لا يمكن القفز والدوران حولها, فتأثير اللغة ينقل القصة والرواية الى نكهة وطعم وروح مشابهة للغة المنطوقة أو المكتوب بها, وكثيراً ما كنا نحس بالغربة أمام المعروضات المقدمة بلغات أخرى.
ثانياً : بسبب الحروب والجفاف والقحط وتغيير مسارات الأنهر , إندثرت مدن عديدة كانت عامرة في الماضي ولها الدور المؤثر للأحداث التاريخية والحضارية, وبغيابها إنتقلت موروثاتها الى مدن أخرى وأصبحت الجديدة هي الصاحب الشرعي لها !. وبالتالي الغرق في دوامة العجز واللافهم ثم العزوف عن المتابعة.
ثالثاً: إشكالية غياب الربط المنطقي الصحيح بين الأساطير القديمة المؤسسة والحضارات والمفاهيم اللاحقة, وإطلاق اسماء جديدة لابطال الملاحم, وتحويل وتشويه الغايات الحقيقية لتلك الاساطير, مع الحرص الى حد الهستيريا من مس المقدس والتراث المنقول شفاهيا من الأباء والأجداد.
رابعاً: إشكالية في عدم إمكانية إستيعاب وفهم الفترات الإنتقالية في الحضارات والدول, من سومر الى أكد وبابل وآشوروسيطرة الكهنة الكلدان وتأسيس أول دولة دينية يحكمها رجال الدين,وبعدها الميثرانية الى الزرادشتية المجوسية والى الغنوصية والمانوية ( المسيحية) والمندعية الصابئية ( الناذرين – الناصورائية- النصارى) والمسيحية الشرقية في المدائن وحدياب وأورهاي, والى الإسلام الأموي والعباسي وهكذا .
خامساً: إشكالية ندرة المصادر والمخطوطات المتعلقة بتاريخنا, وعمليات الحرق والتدمير والنبذ والإهمال التي قامت بها الإحتلالات المتعددة, إضافة الى بعض رجال الدين من جميع المذاهب والأديان الذين إعتبروا هذا التراث يتعلق بالأجداد ( الكفرة)!, الذين عبدوا ملكهم الذي حوّله الله الى ثور مجنح !.
سادساً: إشكالية العديد من الأسماء والعناوين العامة المشتركة والمنتشرة على نطاق جغرافي وزماني كبيروالتي تستخدم بشكل موسع على أشخاص وشعوب مختلفة , مما يجعل الباحث يخلط فيما بينها ولا يمكنه الفصل بينها الا بعد شق الانفس.
ومن المهم البحث عن خارطة طريق للوصول الى معرفة الذات العراقية من الإرث العظيم في سومر وبابل وآشور, من خلال إكتشاف حقائق التاريخ لفهم الحاضر للإنطلاق الى المستقبل وهذه تخدم الإنسانية, فالحضارات جميعها مُلك للبشرية جمعاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو