الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فخ النملة

عادل أسعد

2020 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


للتوضيح و الشرح و التنوير .. عطفا على الكثير مما قيل عن حرب ارمينيا الاخيرة ضد اذربيجان ، و عن سلبية روسيا في هذا الصراع و تركها لارمينيا وحيدة كي تواجه مصيرها في وجه تكتل اسلامي شرس متراص بينما روسيا هي دولة مسيحية ارثوذكسية مثلها مثل ارمينيا التي امست مثل الطفلة اليتيمة التي تركت وحيدة من الكل كي تواجه مصيرها البائس في مقابل ثلاث دول هي تركيا و اسرائيل و اذربيجان و من خلفهم الكثير من الدول الاسلامية بدءا من دول الخليج العربي وصولا إلى باكستان مع استثناء واحد و هو ايران .. قلتها سابقا مرارا و تكرارا في مقالات طويلة و في بوستات نشرتها على الفيسبوك . قلت انه في اغلب نواحي الحياة و بالاخص في السياسة فاننا غالبا ما نقع في فخ (( النملة)) عند تقييمنا لامر ما و في حكمنا عليه تاليا .
فخ النملة هو الفخ الذي نواجهه عندما نرتكن على المدى الذي تستطيع أعيينا ان تراه عند حكمنا على حدث ما ، و هو للاسف مدى ضيق جدا و صغير (مدى النملة) ان قارناه بغزارة الاحداث السياسية و كبر مساحة المصالح الدولية و سعة الصراعات الجيوسياسية و تنوع المصادر الاعلامية . لذلك وجب على من يريد ان يرى بشفافية اكثر ان ينظر من اعلى ما استطاع لذلك سبيلا كي يحصل على صورة بانورامية و اسعة عن الحدث يستطيع بها ان يعرف مكان هذا الحدث في الصورة العامة و القطعة التي يشكلها في هذا الفسيفساء الواسع و ذلك عن طريق ربط الخيوط ببعضها البعض بشكل منطقي و معرفة اي الاخبار و اية مصادر التي يجب عليه التركيز عليها اكثر من غيرها .
لا يثير حساسية الدولة الروسية وريثة الاتحاد السوفييتي أمرا بقدر محاولات حلف الناتو (الدول الغربية) التغلغل بين الدول التي كانت من ضمن ارث الاتحاد السابق ، و هي دول البلطيق و البلقان و القوقاز و اسيا الوسطى . و بعد (سقوط) ، حسب النظرة الروسية ، البلطيق و البلقان بين ايادي الغرب ازدادت شراسة الدب الروسي ضد كل من يقترب من اسيا الوسطى و بلدان القوقاز و بالذات هذه الأخيرة و التي تقع ضمنها حدود جورجيا و ارمينيا و اذربيجان لاسباب عدة لكن اهمها هو قرب القوقاز من المركز الروسي و اي قاعدة عسكرية للغرب هناك سوف تهدد الروس في عقر دارهم تماما كما فعل السوفييت سابقا مع اميركا عندما زرعوا الصواريخ النووية في كوبا في ما عرف في ايام الرئيس كنيدي بازمة الصواريخ .
و ماذكر يعيدنا بالذاكرة إلى عام 2008 حيث شاهدنا جميعا كيف جاء الرد الروسي قاسيا و حازما ضد جورجيا عندما نفذت حكومتها انقلابا غربيا و حاولت السيطرة على اوسيتيا الجنوبية بدعم خفي و فعال من الغرب من تحت لتحت كالعادة .
الحكومة الارمنية الحالية جاءت منذ سنتين بشبه انقلاب برتقالي مثل ذاك الذي قامت به اوكرانيا من قبل (انقلاب غربي سياسي) و كانت المانيا فيه هي اللاعب الاكبر في الخفاء من بعد اميركا . و كي لا تقع ارمينيا تحت الغضب الروسي عملت على التقرب من الغرب ببطء و روية و سعت لتصبح عضوا في الاتحاد الاوروبي (و لها الحق بذلك) بدعم من المانيا . و كانت قد بقيت لها خطوة اخيرة لتحقيق ذلك الحلم قبل ان تأتي الحرب الاخيرة لتقلب الطاولة مرة واحدة بالكروت التي عليها و تعيد فرز الاوراق من الاول مع قوانين جديدة رسخت لمعادلة اخرى طويلة الامد تربط ارمينيا بروسيا (الام) .
تركيا الاردوغانية تسعى لتكون قوة اقليمية مهيمنة و تحاول مد سيطرتها ضمن النطاق او القالب الذي كان تحت نفوذ الدولة أو الاحتلال العثماني ، و قد استطاع العثمانيون بسط سيطرتهم اربعمائة سنة معتمدين على مفهوم الخلافة الاسلامية الذي لبسوا عباءته التي تنتقل بسلاسة من الكتف الاضعف إلى الأقوى في العالم الاسلامي . أي بما معناه انه و على مر التاريخ لم يتوقف المسلم عن منح ولائه طواعية للطرف الذي يرى فيه القوة الكافية التي سوف تحقق حلمه ببناء المجد الاسلامي و من هنا نرى الهجمة التي يبديها المسلمون المؤمنين منهم أو العلمانيين ذو الثقافة الاسلامية تجاه تركيا و التي حسب نظرهم هي دولة قوية و متحضرة و سوف تحقق لهم شيئا ما أو هي قد حققته فعلا بشكلها الحالي . هذا الحال يفسر لنا سهولة دخول تركيا على حين غرة إلى المجتمعات الاسلامية و سرعة تأثيرها فيهم خاصة و ان عرفنا ان حزب العدالة و التنمية هو حزب الاخوان المسلمين التركي و الذي نصب نفسه بمنصب الرأس الكبير لحزب الاخوان العالمي الذي يرفض الاعتراف بحدود الدول الوطنية . و لنتذكر هنا مقولة (طز في مصر) الشهيرة التي اطلقها مهدي عاكف مرشد الجماعة في مصر .
تركيا و مخابراتها و بمعية الربيع العربي قد امتهنوا مصلحة النفوذ إلى المجتمعات الاسلامية و التأثير فيها و هذا الأمر ينطبق على اذربيجان التي تملك الكثير من المال النفطي و لكنها تحس بالضعف امام ارمينيا الفقيرة و الشديدة المراس في نفس الوقت . يضاف إلى هذه الحال ان العقلية الاسلامية لا تقبل باي شكل كان ان ارضا كانت لها في وقت ما ان تذهب إلى غير المسلم و فوق ذلك كله يملك اقليم ناغورني المتنازع عليه حدودا مع ايران حليفة ارمينيا و هذه الحدود تهم تركيا و اسرائيل حليفة اذربيجان القوية و الفعالة خاصة في حربها الاخيرة مع ارمينيا .
تركيا تريد نفط اذربيجان و الاهم هي تريد بحر قزوين الذي يعوم فوق بحر من النفط و الغاز ، و ما يشجعها على بلوغ هذا الهدف هو تحالفها (الشكلي) مع روسيا و الكروت التي تملكها في سوريا و تعرف كيف تلعب بها (حتى اليوم) . لكن روسيا لا تريد اي قدم سوى قدمها في القوقاز و في ذات الوقت تعمل جهدها للحفاظ على تركيا بعيدة عن المقلب الغربي مستفيدة من الشرخ الحالي بين تركيا و الناتو و الذي عمقته روسيا ببيع صواريخها المتطورة إلى تركيا .
قبل ان يفكر فريق اذربيجان تركيا اسرائيل بالقيام بحرب ضد ارمينيا هو قد حصل على الضوء الاخضر من روسيا . مستغلين الانتخابات الامريكية و عدم قدرة اوروبا على مساندة صديقتها الجديدة لانها لم تجد الوقت بعد لبناء نفوذ لها داخل ارمينيا شنت اذربيجان مع حلفائها الحرب . و في الوقت التي كانت فيه التصريحات النارية تشتعل بين الطرفين و الاعلام يتبادل الاتهامات و صور الحرب و الضحايا تملئ الفضاء كانت روسيا تقف بكل برود تراقب و تضبط ساعتها على لحظة هي تحددها . فالحكومة الارمنية الحالية يجب ان تأخذ درسا تعرف فيه ان ارمينيا حليفة روسيا هي من حافظت على اقليم ناغورني و هي من كانت تملك امل توسيعه لاحقا و لكن ارمينيا حليفة الغرب لن تستطيع ان تحافظ على حدودها .
و في التوقيت المناسب جدا لروسيا جاءت الاشارة باعلان وقف الحرب برعاية روسية بضربة معلم حصدت ربحا مضاعفا للروس . ففيه قد تم أولا اعطاء الارمن عقابا و درسا يجعلهم يعدلون عن فكرة الالتحاق بالمعسكر الغربي . و ثانيا تم تعزيز نفوذ روسيا على اذربيجان التي تنفست الصعداء بحصولها على نصف الاقليم بعدما فاجئتها شراسة الارمن و بأسهم في القتال . ثالثا تم ابعاد تركيا الحالمة عن القوقاز و قطع الطريق عليها باتجاه بحر قزوين بعدم اشراك جنود اتراك في منطقة فض النزاع . رابعا جعل النفوذ الروسي نفوذا عسكريا مباشرا في تلك المنطقة من القوقاز . خامسا السيطرة على الحدود مع ايران .
هي ضربة معلم يلعب لعبته باحتراف ليس بغريب عن روسيا البوتينية ، أما عن الاقليم المتنازع عليه في القوقاز فلا مشكلة في ذلك لان تلك الارض ليست بثابتة بل ان تاريخها الحديث يرينا ان خرائطها سريعة التغير و المط و الانكماش ، و ما اخذ اليوم قد يعاد غدا .. و ما بني البارحة قد يزال بعد غد .. و هذا الامر ينطبق ايضا على دول كبيرة و قوية في المنطقة لان ديمومة القوة هي في النهاية لمن يرى أوسع و يبصر أبعد و يسبر أعمق و الشرق الاوسط للأسف يعج بممالك النمل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح