الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والدولة

محمد باني أل فالح

2020 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


مرت الدولة بعدة متغيرات منذ نشأتها في القرون الوسطى حينما كانت فكرة الدولة ترجع الى النشأة المقدسة وبأن الله هو الذي الذي خلق الدولة وهو من أختار ملوكها وهو المعني بحسابهم وليس للرعية سوى الطاعة والمثول للحاكم (نظرية الحكم الثيوقراطي ) التي تدعم سلطة الكنيسة وسلطة الأباطرة والملوك المطلقة والتي كانت قبل ذلك تنتمي الى مبدأ القوة والنفوذ للفرد في التسلط على الآخرين .
بعد قيام الثورة الفرنسية تغيرت ملامح بناء الدولة بعد أقرار حقوق الإنسان وتحريره من هيمنة الكنيسة وسطوة الملوك فكانت بداية لمفاهيم بناء الدولة وفق مرتكزات وجودها في الأرض والإنسان والحكومة وأهمية وجود عقد إجتماعي لتوزيع المهام والحقوق وألغاء الطبقية وتوزيع الثروات بين جميع الأطراف المعنية في نطاق الإقليم وبرغم تعدد النظريات واختلاف الآراء التي تحدث بها كل من توماس هوبز وجون لوك وكذلك جان جاك روسو الذي يميل الى قيام العقد الاجتماعي والتخلي عن فكرة أصدار القوانين مع سلطة مطلقة للملك للحد من الفوضى التي أنحاز لها هوبز عاودت بعد ذلك السلطة للحكم القسري على يد نابليون ولكن هذه المرة بعيداً عن سلطة الكنيسة .
عند بداية أنبثاق فجر الرسالة الإسلامية والقيام بنشر الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية كانت هناك أقوام من اليهود والنصارى يسكنون أطراف الجزيرة العربية والقرآن نزل بنصوص محكمة ﴿ لَا إِكْرَ‌اهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّ‌شْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ‌ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْ‌وَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ( سورة البقرة آية 256 ) وهنا الدليل على أن الدعوة للإسلام لا تأتي في حد السيف كما فعل بعض الصحابة بعد وفاة الرسول (ص) حيث هناك آيات تدعوا الى قتال المشركين العرب من سكان الجزيرة عبدة الأوثان وما حولها من مدن بلاد العرب ولذلك لا يمكن تصور غزو المسلمين لبلاد فارس والروم سوى أجتهاد لبعض الصحابة ممن تولى أمر المسلمين بعد وفاة النبي (ص) ( فَإِنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ والأميين ءَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ ۖ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ ۗ وَٱللَّهُ بَصِيرٌۢ بِٱلْعِبَادِ ( 20 أل عمران ) .
تطور مفهوم الدولة لدى المسلمين أخذ طابع توسع أستعماري لفرض تعاليم الدين الإسلامي على أمم وشعوب ليس لها مع العرب أية روابط أو صلات أجتماعية سواء من ناحية اللغة أو القومية او البعد الجغرافي ولم يكن ذلك وفق مضامين القرآن والدعوة الى توحيد الله والأيمان بما جاء به النبي محمد (ص) لتقوم الجيوش الإسلامية أبان حكم الخليفة أبا بكر وعثمان وعمر بن الخطاب بشن الحروب وغزو ما بعد الجزيرة العربية وفرض الجزية ونهب المغانم وسبي النساء والتسلط على شعوب العالم بالقوة بينما لم تشهد فترة حكم الأمام علي بن أبي طالب أي عملية غزو سوى حروب الردة التي قامت ضده من قبل بعض الصحابة وهو ما يؤكد سلامة نهج الأمام علي في نشر الإسلام وبناء كيان الدولة التي جعل من نفسه أمين على خزائنها وليس أمير على عبادها وهي الحلقة التي أختلف بشأنها الكثير من السلاطين والملوك الذين سكنوا القصور وعاثوا ظلماً وفساداً في شؤون رعاياهم بحجة الولاية والخلافة بأمر الله وعلى العباد التسليم والطاعة .
الإسلام لم يحدد معالم بناء الدولة المدنية وخصائص قيامها بل جاء بالعبادات والمعاملات ونظم العلاقات الإجتماعية بين أفراد الأسرة وعلاقة المرء بخالقه ولم ترد نظريات حول شكل الدولة ونظامها وآليات العمل بها لذلك أجتهد الكثير من خلفاء الدولة العباسية والأموية في رسم شكل الدولة وبناء هيكليتها فكانت في بعض الأحيان ظالمة متسلطة وفي أحيان أخرى قمعية توسعية لا نظام لها ولا قوانين تنظم العلاقة بين السلطان ورعيته فيما كانت طريقة الحكم وراثية دون رغبة عامة الشعب مع أن ذلك لم يرد ضمن مفاهيم الدين الإسلامي .
يتعامل الدين وفق مقتضيات أداء فرائض العبادة التي شرعها القرآن والتي تلزم العبد بالصدق والإخلاص والوفاء وأداء الأمانة وتحريم القتل والظلم والسعي لقضاء حوائج الناس بما يرضي الله وحين نعود الى ميدان السياسة نرى انعدام جميع تلك القيم والمفاهيم بين الوسط السياسي وعلو نزعة الهيمنة والتسلط والأنا والدس والكذب ونهب حقوق الآخرين والسعي لبناء أمبراطوريات مالية حزبية وشخصية لا تتسق ومفاهيم الدين مما يثير الأستغراب والدهشة حين نرى شخصيات دينية تعمل في مجال السياسة وتنخرط في الصراع الدنيوي من أجل المناصب والكومشنات عبر لجان أحزابها الأقتصادية ، أن ما يثير التساؤل بين السواد الأعظم كيف يمكن لرجل الدين المزج بين قداسة الدين وعهر السياسة بين الصدق والكذب بين الخيانة والوفاء وبين النهب والأمانة لذلك كان ومازال العمل السياسي لا يتسق مع ثوابت الشرع التي يعمل بها رجل الدين .
يعمد بعض رجال الدين الى جلب السياسة الى محراب الدين وفق اجتهاد وفتاوى تخرج في فحواها عن مضامين الشريعة الإسلامية ولا تنتمي الى روح ومبادئ الدين الإسلامي حيث تجد بعض الفتاوى التي تحلل ما حرم الله في مسعى لإضفاء شرعية العمل في مجال السياسة وصواب النهج الذي يعمل به رجل الدين كما كان يحدث مع الكنيسة في القرون الوسطى حين أحاطت نفسها بقدسية خاصة وسلطة تمتد على جميع الأملاك المالية للدولة ، المال مجهول المال هي أحدى فتاوى بعض رجال الدين التي تبيح لهم الأستحواذ على أموال المسلمين وسرقة حقوق الآخرين وفتح الباب على مصراعيه لطفيليات الفساد كي تستبيح كل شيء تحت قوة السلطة ونفوذ رجل الدين عبر مجموعات مسلحة تم أنتخابها من بين نفايات المجتمع من قطاع الطرق وأصحاب السوابق وبعض المنحرفين ليتم فرض سطوتهم على بقية أفراد المجتمع كما كان يحصل مع حماة الكنيسة التي أنهت الثورة الفرنسية وجودها عام 1799 م .
بنـاء الدولة لا ينطوي تحت عبـاءة التدين وخداع الآخرين بـإشارات النسك والتعبـد من خلال لبس المحابس والعمامة والسبح وكي الجبين للدلالـة على كثرة الزهد والتعبـد وحقيقة الأمر لا يعـدوا كونه ريـاء ونفـاق لخداع الآخرين ، سيـاسة أخذ بها أتبـاع رجال الـدين ممن أنهمك في السيـاسة ونافس الأحزاب على السلطة لذلك لا تتـفق ثوابت ومفاهيم الدين التي يتبناها المعمم وآلية عمل السياسة في رسم علاقتها مع الأخرين وفق مصالحهم الحزبية وحاجتها في الوصول للسلطة ، أذا ما أخذنا حاجة الدولة لشخصيـات تكنـوقراط وخبراء ومستشارين في كافـة شؤون الحيـاة لا تتصل معارفهم بالـدين وفق رؤيـة العـلوم والمعرفة بـل حاجتهم الى مستـوى معين من الأخلاق والإحترام لحق الإنسان في الحيـاة لذلك لا يمكن بنـاء أساس لقيـام الدولـة دون نخب سياسية وكفاءات مهنية تؤسس لقيام كيان الدولة وفق منهاج علمي ومعرفي وليس وفق منهاج تشريعي حوزوي لا علاقة له بالعلوم السياسية وهيكلية بناء الدولة وأسباب النهوض بها التي لا دخل شخوصها في معرفة أصول الدين والشريعة الإسلامية ودروس الحوزة التي تعد من أختصاص رجل الدين الذي يحدد مسار عملـه المنبر والخطـاب الديني والموعظـة والإرشاد وإيجاد الحكم الشرعي وفق حدود الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م