الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-ذكريات الزمن الآتي- كميل ابو حنيش

رائد الحواري

2020 / 11 / 16
أوراق كتبت في وعن السجن


التلاقي بين الكتابة النثرية والشعرية في
الكتابة والسجن الحلقة الثالثة
"ذكريات الزمن الآتي"
كميل ابو حنيش
استخدام ضمير المخاطب يجعل النص ساخا ومشتعلا وحميميا، وعندما يأتي بصيغة تداعي ضمير المخاطب فإن هذا يشير إلى (العزلة/الوحدة) التي يمر بها الكاتب، بحيث يخاطب نفسه بنفسه، لكي ليتقوى، ولا يضعف أمام الواقع،
الرسالة الثالثة جاءت بثلاثة مستويات، الأول واقع الأسر وما فيه من قسوة، المستوى الثاني (الصراع والمواجهة، المستوى الثالث الأمل/الحلم/الفرح، وللافت فما يقدمه الأديب تماثل الألفاظ مع الفكرة التي يطرحها في كل مستوى من المستويات الثلاث، ففي المستوى الأول يقول:

"تشرع شموخ سفينة احلامك وهي تعبر أمواج ابدية. الأسر العاتية، وانت تحيا في قلب الدوامة، التي تشبه عالما، سرمديا، لا نهاية له من الألم والانتظار وقسوة، اللحظة، الطاغية، ما لم تحدث معجزه تنتشلك، من فوهة الثقب الأسود لئلا تغرق في هاوية، العدم. وكي، لا تتهاوى في دهاليز العتمة الدامسة."
لو توقفنا عند الألفاظ بشكلها المجرد لوجدنا مجموعة كبيرة منها يشير إلى القسوة والألم: " أمواج، الأسر، العاتية، الدوامة، لا، نهاية، الألم، والانتظار، وقسوة، الطاغية، فوهة، الثقب، الأسود، تغرق، هاوية، العدم، لا، تتهاوى، دهاليز، العتمة، الدامسة." وهذا ما يجعل النص النثري يعلو ليتألق وليصل إلى مستوى ومنطلق/الدافع الشعري، فالأديب باستخدامه هذه الألفاظ يتماثل مع الشعراء عندما يكتبون قصائدهم، حيث تكون حالة اللاشعور هي التي ُتكتب الشاعر/الكاتب، بحيث يُوصل الفكرة بأكثر من شكل، هذا ما وجدناه في المستوى الأول القاسي والمؤلم.
المستوى الثاني يدعو إلى التوقف عند الواقع والتفكير فيه، وهذا يشكل حالة (مخاض)/صراع:
"فإما أن تغرق في اللاحساس بالزمن ، واما ان تنتشل ذاتك من قلب الدوامة. يضعك هذا الواقع أمام سؤال الحياة والموت والوجود . وقباله سؤال المعنى والعدم،"
أيضا الألفاظ المجرد تشير إلى حالة المخاض والصراع التي يمر بها الكاتب، "فإما أن/واما ان، الحياة/الموت، الوجود/المعنى/العدم" فالأسئلة بحدث ذاتها مثيرة وتستدعي التوقف والتفكير، فما بالنا أن أقرنت بألفاظ متناقضة؟، بالتأكيد هذا يوصل الفكرة للمتلقي ويرسخها أكثر في العقل والوجدان.
وبما أن هناك حالة صراع، فإن الكاتب يوضحها لنا بتفاصيلها: "فالماضي، بات اشبه بالفردوس المفقود الذي لطالما أعدت اجترار، لحظاته الغابرة .
لكنه وان بدأ جميلا ، لم يعد يحمل ذات الألق والروعة، عالم تميز وتخشى ملامسته لئلا تصاب بصدمة تحولاته"
الكاتب يتحدث عن وقعه في الأسر، لهذا عليه أن يكون (واقعيا)، لكن الواقع مؤلم واقسي، وعليه أن يبحث/يلجأ إلى شكل/اسلوب يتجاوز فيه الواقع، لهذا لجأ إلى الماضي، لكن الماضي المجرد إذا ما وضعناه أمام الواقع يبدو(فارغ) ولا يلبي طموح الكاتب في الحياة والفرح: "فالماضي، بات اشبه بالفردوس المفقود الذي لطالما أعدت اجترار، لحظاته الغابرة .
لكنه وان بدأ جميلا ، لم يعد يحمل ذات الألق والروعة، عالم تميز وتخشى ملامسته لئلا تصاب بصدمة تحولاته." يستعيض الكاتب عن تقديم الفكرة بالمعنى العام والألفاظ المجردة، بطرح فكري/فلسفي، فنجد طرحا فلسفيا متعلقا بالزمن، فالكاتب ينحاز للزمن الماضي ـ قبل أن الأسر ـ لكن هذا الزمن أدى إلى الأسر، إلى الألم، فكيف له أن يلبي طموح الكاتب في الحياة، في الفرح؟، وهذا ما يؤكد على إنسانية "كميل أبو حنيش، فهو إنسان يفكر بالحياة ويسعى إلى الفرح، فهو لا يقدم نفسه (سوبر مان) بل رجل عادي، يفكر بالحياة السوية/الطبيعية، لهذا (يتخلى) عن ماضيه ويحسم أمره بقوله: "لا عوده إذن لفردوس الماضي . ولا بد من فردوس آت ينقذك من التلاشي ويعيد الربيع الي حياتك التي احتلها الجفاف." وهنا تكمن عبقرية الكاتب، فهو يتجاوز العقل العربي الذي يرى ذاته ومستقبله في الماضي، ويؤكد على أن الحياة/الفرح/المستقبل يكمن فيما هو أت، وعليه أن ينظر إلى الأمام/المستقبل وليس إلى الوراء/الماضي.
وهذا يدعونا إلى التوقف، إذا كان الأسير المحكوم بتسعة مؤبدات لا يرى حياة في الماضي، رغم قرب هذا الماضي، ورغم أنه لبى طموحه الشخصي وطموح شعبه في المقاومة؟، بمعنى أنه حقق حلمه/ذاته، فكيف بنا نحن الذين نرى في ماضي عمرة أكثر من الف وأربعمائة سنة حياة؟.
بما أن الكاتب تمرد على الواقع، على الاحتلال وثار عليه، فإن رحلته إلى المستقبل ستحمل بين ثناياها شيء من الماضي التمرد/الثورة، ألم يقل ماركس "أن الجديد يولد من رحم القديم"؟، فكيف كان شكل التمرد/الثورة المستقبلية التي خاضها "كميل أبو حنيش"؟ "تستل الذكريات الآتية كما لو كانت حدثت بالفعل . تخترعها، تصنفها، في مختبرات الحلم . ترتشف، رغوه نبيذها البكر . وتشم رحيقها من مسافات زمانيه، بعيدة .فمن يمنعك من حلم الآتي ؟،" نجد التمرد/الثورة في أفعال: "تستل، تخترعها، تصنفها، ترتشف، تشم" فهذه الافعال متعلقة بالإحساس/تشم، بالعلم/تصنفها/تخترعها، بالتذوق/ترتشف، وإذا ما تجاوزنا الفعل القاسي "نستل"، تكون بقية الأفعال (طبيعية/عادية/سوية) فالكاتب من خلال الأفعال المجردة يؤكد على رغبته في الحياة/الفرح، ويؤكد على أن الأسر/السجن لا يلبي طموحه الإنساني في الحياة، وبهذا يكون قد تمرد على واقعه القاسي ليتقدم خطوة نحو الحرية/الحياة التي ينشدها.

"انت حر في عالمك الاسطوري الحالم فلترسم ذكريات قد تأتي وستزداد، القا وجمالا كلما طال زمنها في رحم الحلم وان لم تأت يكفيك شرف مزاولة مهنة المتفائلين .
تتذكر ماذا رأيت في حلم الآتي : تحلم في البحر ..... بفتاه ترقص فوق الشاطئ ..... طرقات لا عساكر فيها ..... ومروج من الأزهار.... وغابات خضراء تصبح بالبلابل والحساسين .ان ترى قمر المساء ....تقطف زهره بلل بتلاتها ندى الصباح ان تنزلق بوحل الطريق ... وتعود للبيت متسخ الثياب ..
ان تقبل امرأه في ساعة متأخرة من الحب ..... وتشم عبير الطفولة ...ان تغتسل تحت سياط المطر ...... وان تستلقي على العشب وتحدق في سماء نيسان الصافية، ..... وأن وأن .... توضأ بالحلم ... وذاكره، قد تجيء .. وتهيأ ان تكتب ذكريات الزمن الآتي ...... فما ستكتبه سيدون في سجل الوجود ، كوديعة لك" حجم البياض في هذا المقطع يؤكد على الرغبة الجامحة عند الكاتب في الحياة/الفرح، فهناك كم هائل من الألفاظ البيضاء تجعل المقطع مطلق البياض، تجتمع فيه الفكرة والألفاظ في خدمة المعنى، واللافت ان الكاتب يستخدم عناصر الفرح التي يلجأ إليها الشعراء، المرأة والطبيعة، والكتابة والتمرد، فنجد حضور الطبيعة في: "البحر، الشاطئ، مروج، الأزهار، غابات، خضراء، بالبلابل، الحساسين، قمر، زهرة، ندى، الصباح/ مطر، سماء" ونجد حضور المرأة في: "بفتاة، ترقص، امرأة، الحب" والكتابة من حلال: "تكتب، ستكتبه، سيدون، سجل" والتمرد/الثورة نجدها في: " تحلم في البحر، توضأ بالحلم" بهذا يكون كميل أبو حنيش قد استخدم كل عناصر الفرح/التخفيف، وهذا يشير إلى أنه يقاوم/يتمرد على واقعه، ويسعى نحو المستقبل/الحياة بطريقته الخاصة.
إلى هناك يكون الكاتب قد وصل الذروة، وحقق ما يريده، فقد تجاوز واقعه/السجن، إن كان على مستوى الفكرة، أم على مستوى الألفاظ المستخدمة، أم على طريقة التقديم التي استخدمها في رسالته، لكنه لا يكفي بهذا المقادر، ويريد أن (يغترف) المزيد من الحياة، من الفرح، لهذا يتقوى بمجموعة أفكار: "وتذكر أن الرسالة غالبا ما تصل وان تأخرت عن موعدها".
...فارسم ذكريات الزمن القادم .... كما لو انك عشتها .... كما لو كنت ستحياها.... كما لو كانت الحياه برقتها مجرد حلم ..... فتهيأ.
للأفراح المؤجلة. أنقشها، على جدار الذاكرة وحسب واعد اجترارها في كل يوم ...
تسلح بالأنفة، والكبرياء. لا تنحني أمام سطوه القيد وقف على قدميك دائما .
...واصل رحله الحالم إلى أن ينقشع الضباب." كلنا يعلم أن فعل الأمر غالبا ما يأتي (ثقيل) على المتلقي، والكاتب يعي هذا الأمر، فهو لم يوجه للمتلقي، بل وجهه لنفسه هو، وبهذا يكون اوصل فكرة التمرد للمتلقي بطريقة خفيفة وغير مباشرة، وهنا يكون قد أكمل مشروع التمرد/الثورة، فهو يضع تجربة التمرد الجديدة أمامنا، محررنا من تلقي التوجيه والنصائح المباشرة.
الرسالة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع


.. الأمم المتحدة ترحب بالهدنة التكتيكية جنوبي غزة| #غرفة_الأخبا




.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم


.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من




.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز