الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواهمون في بلداننا

رائد محمد نوري

2020 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الوهم خلاف الحقيقة والواقع الموضوعي، وفي بلداننا المنتمية لعالم الأطراف ثمّة وهمٌ كبيرٌ وواهمون كثرٌ ينشطون في الاقتصاد والسّياسة كتابةً وممارسةً، لكنّ الواهمين الذين أنقد مواقفهم الآيديولوجيّة في هذه المقالة ثلاثةٌ:
الحالمون بعودة الاستعمار، ومن يقولون إنّهم لبراليّون، واليساريّون.
المقالة محاولةٌ علميّةٌ تستند إلى المنهج المادي الجدلي؛ بغية صياغة إجابةٍ عن السؤال:
لماذا هم واهمون؟
الأفرقاء الثّلاثة رافضون الواقع المزري الذي تعيشه بلداننا منذ انهيار ثورات التّحرّر الوطني، لكنّهم رومانسيّون يجهلون أنّ رفضهم لا يمكن البناء عليه؛ بسبب تعارضه مع القوانين التي تحكم التّطوّر البشري، مثلهم كمثل الذي نظر إلى السّماء، فقال سأحلّق كما تحلّق الطّيور، فصنع له جناحين وصعد مرتفعاً وقفز وطار فسقط وتهشّمت عظامه؛ بسبب جهله بالقوانين التي تمكّن الطّيور من الإفلات جزئيّاً من قانون الجاذبيّة.

(1)

على الرّغم من الشرّ كلّه الذي ذاقته بمرارةٍ مجتمعاتنا إذ صارت مستعمراتٍ للمراكز الرّأسماليّة، إلا أنّ للحقبة الاستعماريّة حسناتها وأفضالها على بلداننا؛ إذ أجبرت مجتمعاتنا على أن تقف على أعتاب الحداثة بما أنشأته من مؤسّساتٍ وبنىً فوقيّةٍ؛ كان لها أثرها الحاسم في تحوّل بلداننا إلى أسواقٍ لما ينتج في المراكز الرّأسماليّة من بضائع، لكنّ الاستعمار لم يعد قائماً، فقد أعلنت لجنة تصفية المستعمرات في الأمم المتّحدة انتهاءه عام 1972 ، فدخلت المراكز الرّأسماليّة في أزمةٍ اقتصاديّةٍخانقةٍ ، وبحثت عن مخرجٍ فلم تجد غير النيولبرالية مخرجاً.
ألقى اللّبراليّون الجدد باللّائمة على الاشتراكيين الدّيمقراطيّين ، ومارسوا ضدّهم وضدّ الإنتاج البضاعي في المراكز الرّأسماليّة سياسةً فضّةً دفعته إلى التّراجع أمام إنتاج الخدمات الذي لا يحقّق قيمةً مضافةً لثروة المجتمع، ساعدهم في ذلك إفراغ الدّولار من محتواه البضاعي، فتحوّلت الدّول الرّأسماليّة إلى دولٍ مدينةٍ تعاني عجزاً في موازينها التّجاريّة.
فأنّى لهذه الدّول المأزومة التي لم تعد دولاً رأسماليةً، والتي يفوق الدين العام فيها ناتجها القومي أن تبني في بلداننا إذا احتلّتها مجدداً اقتصاداً رأسماليّاً؟
المتشائمون الذين يحلمون بعودة الاستعمار في (لبنان) وسواه من بلداننا المنكوبة غارقون في أوهامهم، يحنّون حنيناً مرضيّاً إلى زمننٍ غادره التّاريخ، ولا ينظرون –مثلاً- إلى (العراق) المحتلّ من قبل (الولايات المتّحدة الأمريكيّة)، وكيف صارت أسواقه بعد احتلاله تستقبل بشراهةٍ البضائع الإيرانيّة والتّركيّة والصّينيّة والسّعوديّة وما إلى هذه الدّول، لا البضائع الأمريكيّة!.

(2)

تعني اللّبرالية الحرّيّة، وترتبط دلالة هذه الكلمة تحديداً بحرّيّة النّشاط الاقتصادي وحرّيّة الملكية الخاصّة لوسائل الإنتاج، استثمرتها الطّبقة البرجوازيّة الأوربيّة في خطابها التّحريضي ضدّ الإقطاعيّة، ثمّ استثمرتها بعد الانتصار على الإقطاعية لفرض سلطانها الطّبقي على المجتمع.
يختلط في وعي أكثر الذين يقولون نحن لبراليّون في بلداننا المتأخّرة اقتصاديّاً ما هو أسطوري بما هو ديني وما هو صنمي، ويعكس خطابهم القلق آيديولوجيّاً التّناقض بين العداء لثورات التّحرّر الوطني والرّغبة في سيادة البرجوازيّة في بلداننا، إنّه خطابٌ تحكمه رؤيةٌ تستند إلى آيديولوجيا زائفةٍ تتصوّر اللّبراليّة نهاية التّاريخ وكلمته السّحريّة؛ لأنها ببساطة تعبيرٌ عن حرّيّة الرّأي والسّلوك، ثمّ إنّهم بعد ذلك مذبذبون بين تقديسهم البنى الفوقيّة التي تحكم مجتمعاتنا المتأخرة، وبين حملهم المعاول لتهديم ما يعيق تحوّل مجتمعاتنا إلى اللّبراليّة؛ يغيب عن وعي هؤلاء الذين يقولون نحن لبراليّون أزمة اللّبراليّة المزمنة في المجتمعات الغربيّة منذ التّحوّل من إنتاج السّلع إلى إنتاج الخدمات، ونقل الإنتاج السّلعي إلى شرق آسيا؛ أفكارهم جميلةٌ في أحيانٍ كثيرةٍ، لكنّها معلّقةٌ في الهواء؛ بسبب افتقارها إلى المنطق السّليم والرّصانة والموضوعيّة.

(3)

لا يمكن لنا النّظر إلى اليسار بوصفه كتلةً متجانسةً فكريّاً؛ لأنّه يتشكّل من طيفٍ واسعٍ من الأحزاب والجمعيّات والفئات التي تضمّ إليها الاشتراكيّين الطّوباويّين والفوضويّين والماركسيّين والاشتراكيّين الدّيمقراطيّين.
لم تعرف مجتمعاتنا هذا التّنوّع السّياسي الغني؛ بسبب تأخرنا اقتصاديّاً، وانتكاسة ثورات التّحرّر الوطني، فصار ينظر إلى اليسار بوصفها كلمةً مرادفةً للشّيوعيّة، وصار ينظر -في كثيرٍ من الأحيان- إلى المثقّفين المعجبين بالثّقافة الغربية وانتصارها لحقوق الإنسان بوصفهم ماركسيّين، فاختلط الحابل بالنّابل، وصرنا نعاني من يسارٍ ماركسيٍّ متشظٍّ خصيٍّ اجتماعيّاً يحرسه أدعياء الثّقافة، ويحبه ويخاف منه البسطاء المظلومون المنتهكون الغرقون في جهلهم.

(4)

يريد هؤلاء البرجوازيّون الصّغار الثّلاثة أن ينتزعوا بأوهامهم الآيديولوجية السّلطة اجتماعيّاً من ؤلئك البرجوازيّين الصّغار الذين لا تزال الحقبة الإقطاعيّة تلقي بظلالها على وعيهم، وتؤثّر في خياراتهم الحقوقيّة، هيهات؛ فالصّراع في بلداننا غير منتجٍ اجتماعيّاً؛ بسبب تماثل المتخاصمين ماديّاً، وبسبب وضعهم الطّبقي القلق، وبسبب افتقارهم إلى شجاعة الاحتكام للرّؤية النّقديّة العلمية الواضحة في السّياسة والاقتصاد وما إليهما من علومٍ اجتماعيّةٍ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق لبي بي سي يكتشف جريمة حرب محتملة لإسرائيل بقتلها فتى ف


.. غنائم روسيا من أسلحة الناتو




.. كولومبيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل


.. بايدن: المتظاهرون في الجامعات لهم حق في الاحتجاج، ولكن ليس ف




.. اشتباكات في لندن بعد محاولة منع ترحيل مهاجرين