الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماعة العدل والإحسان وحركة 20 فبراير: اللقاء الملتبس

محمد ضريف

2020 / 11 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


مقدمة
إن رياح الربيع العربي دفعت جماعة العدل والإحسان إلى دعم مطالب حركة 20 فبراير، لاسيما مطلب إسقاط الاستبداد الذي لطالما رددته الجماعة في مشروعها الإديولوجي والسياسي.
اعتبر العديد من الباحثين والمراقبين أن بروز حركة 20 فبراير كان بمثابة فرصة سياسية كبيرة للعدل والإحسان لاستعراض قوتها أمام النظام في حين كان يتعذر عليها ذلك من قبل.
ستحاول هذه الورقة التركيز على العلاقة التي جمعت بين العدل والإحسان وحركة 20 فبراير، من خلال سبر أغوار الأسباب الحقيقية التي دفعت جماعة العدل والإحسان إلى الالتحاق بالحركة؛ وكذا محاولة فهم الأسباب التي دفعتها لمغادرة الحركة.
إن الغاية من معالجة هذه الإشكالية هو تعميق معرفتنا للأسباب التي دفعت مكونا سياسيا قويا كجماعة العدل والإحسان إلى الاصطفاف في صف مطالب الحركة ودعمها؛ ومحاولة فهم أسباب تخليها عن الحركة.
إن معالجة الإشكالية أعلاه تقتضي منا التعريف بجماعة العدل والإحسان وحركة 20 فبراير في المحور الأول؛ ثم محاولة فهم أسباب انضمام وانسحاب الجماعة من الحركة في المحور الثاني.


1. جماعة العدل والإحسان وحركة 20 فبراير
سنركز في هذا المحور على جماعة العدل والإحسان كجماعة تنهل من إديولوجية الإسلام السياسي، وذلك من خلال التعريف بها وبنشأتها وفكرها السياسي والإيديولوجي؛ ثم سنحاول الوقوف عند حركة 20 فبراير كحركة اجتماعية ذات مطالب سياسية واجتماعية..عبر التعريف بها وبالسياق الذي أفرزها وكذا التركيز على مطالبها.
1.1. جماعة العدل والإحسان
تعتبر جماعة العدل والإحسان من أكبر التنظيمات السياسية بالمغرب، تأسست على يد الشيخ "عبد السلام ياسين" سنة 1974 الذي كان يعمل آنذاك كمفتش في وزارة التربية الوطنية. وقد عرفت هذه الجماعة عدة تسميات قبل أن تستقر على هذا الإسم مثل "أسرة الجماعة" و" جمعية الجماعة" وكذلك "الجماعة الخيرية" وأخيرا تم تسميتها سنة 1987 ب "جماعة العدل والإحسان" .
أرسل الشيخ عبد السلام ياسين رسالة سياسية إلى الراحل الملك الحسن الثاني بعنوان " الإسلام أو الطوفان" تتألف من مائة صفحة ينتقد من خلالها السياسة التدبيرية للملك؛ الأمر الذي دفع هذا الأخير إلى الزج به في السجن لمدة ثلاث سنوات ونصف بدون محاكمة مقابل خمسة عشر شهرا لصديقيه: "محمد العلوي السليماني" و "أحمد الملاخ" في سجن سري بالدار البيضاء، إضافة إلى معاقبة الشيخ بعد خروجه من السجن بالإقامة الجبرية لمدة تسع سنوات إلى حين سنة2000 حيث تم رفع هذه العقوبة من قبل الملك محمد السادس.
بعد الإفراج عن الشيخ عبد السلام ياسين أرسل رسالة إلى الملك محمد السادس بعنوان " إلى من يهمه الأمر" باللغة الفرنسية مكونة من خمسة وثلاثين صفحة؛ يدعو من خلالها إلى إعادة الثروات التي راكمها والده إلى الشعب لنيل رضاه .
تقوم الأسس الإيديولوجية لجماعة العدل والإحسان على ثلاثة مبادئ أساسية: "لا للعنف" و" لا للسرية" و "لا لقبول منح مالية خارجية" . يشير مبدأ "لا للعنف" عند الجماعة إلى أن الفعل السياسي للجماعة لا يستند إلى العنف؛ بل إلى السلم والتواصل الخالي من كل أشكال العنف، ويجد هذا المبدأ جذوره في النزعة الصوفية التي تأسست عليها الجماعة، وذلك باعتبار الشيخ ياسين كان من مريدي الزاوية البوتشيشية. أما مبدأ "لا للسرية" لدى الجماعة فيقوم على المكاشفة الصريحة والعلنية، لأن فعلها السياسي كما ذكرنا سلفا لا يقوم على العنف. في حين يبين مبدأ "لا لقبول منح مالية خارجية " أن الجماعة لا تقبل الدعم الخارجي، والغاية من الإعلان عن هذا المبدأ بالنسبة للجماعة هو إبعاد كل الشبهات التي من شانها أن تفتح أبواب التهم اتجاهها من طرف النظام السياسي أو الفاعلين السياسيين الآخرين كتهمة خدمة أجندات سياسية خارجية مثلا.
إن الجماعة لاتهتم فقط بالتربية الدينية والروحية بل تقوم كذلك بأعمال اجتماعية ذات طابع خيري كالتدريس والتطبيب... إلخ كما تؤثر من خلال الحركة الطلابية التابعة لها بالجامعات، بالإضافة إلى أطر إدارية كبرى( أساتذة جامعيين، أطباء، مهندسين).
تعتمد الجماعة في تنظميها على بنيات محكمة مستمدة من تجربة الإخوان المسلمين في المشرق العربي، وكذا من التنظيمات الطرقية التي لها علاقة بالزوايا بالمغرب ؛ حيث يقوم التنظيم الهرمي للجماعة على التقسيم الإداري للمملكة (الجهة والولاية والعمالة) حتى تتمكن من الانتشار في جميع أنحاء المغرب .
يعد الشيخ "عبد السلام ياسين" أعلى سلطة في الجماعة، فهو الركيزة الأساسية داخلها وذلك باعتباره المرشد العام لها، وله سلطات كبيرة داخل التنظيم إذ يمثل الجماعة حتى بالخارج، فيقوم بتعيين أو إعفاء الأطر الجهوية، كما يحسم في أمر قبول أو رفض أعضاء جدد، فهو لا يلزمه أي قانون أو عرف لتبرير قراراته .
2.1. حركة 20 فبراير
تعتبر حركة 20 فبراير من الحركات الاجتماعية التي شهدها المغرب مع مطلع سنة 2011 كانعكاس للحراك الاجتماعي والسياسي الذي عرفته بعض الدول العربية والمغاربية، ولاسيما الأحداث التي أدت إلى سقوط النظامين التونسي والمصري.
تشكلت الحركة من كل الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية، كما نالت دعما من طرف بعض الهيئات السياسية والحقوقية والجمعوية. انطلقت من داخل المواقع الاجتماعية لاسيما الفايسبوك، كما لا يترأسها قادة أو زعماء، بالإضافة إلى ذلك تفتقد الحركة إلى مقر رسمي خاص بها، فالجموع العامة واللقاءات والنداوات التي تقوم بها تتم داخل مقرات المكونات السياسية و الحقوقية الداعمة لها فمثلا في مدينة الخميسات كانت الحركة تقوم باجتماعاتها في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ أما في مدينة الدار البيضاء فكانت الحركة تقيم اجتماعاتها في مقر الحزب الاشتراكي الموحد.
من أسباب ظهور حركة 20 فبراير حسب الأرضية التأسيسية لها هو تردي "الحالة الاجتماعية للأغلبية الساحقة التي تتعمق حدتها بغلاء الأسعار وتدني الأجور وتفشي البطالة حتى في صفوف حملة الشواهد العليا الذين تقابل مطالبهم العادلة والمشروعة بالتعامل اللاإنساني من طرف النظام . ومن أجل تجاوز الأوضاع البائسة التي يعيشها المغرب حسب لغة الأرضية التأسيسية، دعت الحركة "المغاربة إلى التظاهر السلمي المتواصل يوم 20 فبراير 2011 أمام كل المصالح الإدارية للدولة. إلى حين تحقيق مطلب الشعب في تحقيق كرامته" . وقد تم تحديد مطالب الحركة في مايلي:
1) "إلغاء دستور 1996 وتهيئ الظروف لانتخاب هيئة تأسيسية من طرف الشعب تناط بها مهام إعداد دستور يعرض للاستفتاء، نقترح أن يقوم على أسس حديثة تأخذ فيه الملكية شكلها الحديث كرمز لوحدة الأمة، دون صلاحيات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية؛
2) إقالة الحكومة الحالية وحل البرلمان بمجلسيه؛
3) تعيين حكومة انتقالية، تناط بها مهام اتخاذ مبادرات عاجلة من أجل التخفيف من حدة الأزمة الاجتماعية بخفض الأسعار والزيادة في الأجور وفتح صندوق عاجل للتعويض عن البطالة وتشغيل جميع حاملي الشهادات المعطلين فورا بدون قيد أو شرط؛
4) تطبيق القانون على الجميع بمحاكمة كل من ثبت تورطه من المسؤولين في جرائم ضد الشعب المغربي؛
5) إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين" .
2. علاقة العدل والإحسان بحركة 20فبراير
سنركز في هذا المحور على أسباب التحاق العدل والإحسان بحركة 20 فبراير، وذلك من أجل تعميق فهمنا للأسباب التي دفعت الجماعة لولوج الحركة، و أيضا محاولة فهم الغايات التي تريد تحقيقها بالتحاقها هذا. وكذا معرفة الدوافع التي أدت بالجماعة إلى ترك حركة 20 فبراير بعد عشرة أشهر من خروجها معها .
1.2. أسباب التحاق جماعة العدل والإحسان بحركة 20 فبراير
لم تكن لجماعة العدل والإحسان القدرة على التظاهر قبل ظهور حركة 20 فبراير ضد النظام السياسي المغربي لوحدها؛ باستثناء بعض الوقفات الاحتجاجية التي كانت تقوم بها في بعض الفضاءات العمومية و أمام المساجد تضامنا مع بعض القضايا" القومية والإسلامية" كالقضية الفلسطينية مثلا.
فكان ظهور الحركة بمثابة "فرصة سياسية" جيدة لجماعة العدل والإحسان، لاقتحام الفضاء العمومي والتعبير عن وجودها كفاعل سياسي قوي داخل النسق السياسي المغربي. تم استغلال فرصة ظهور الحركة من طرف الجماعة من اجل إرسال رسائل غير مباشرة إلى المخزن المغربي وأيضا من أجل تحقيق أهداف غير معلنة .
تعتبر جماعة العدل والإحسان أن مطالب حركة 20 فبراير هي المطالب نفسها التي كانت تندد بها منذ وقت طويل مثل "إسقاط الاستبداد" و"القضاء على الفساد"، وإن ولوجها للحركة ما هو إلا تأكيد لإصرارها على إسقاط الاستبداد والقضاء على الفساد. وفي هذا الصدد يقول السيد "إدريس أوعلي" عضو الدائرة السياسية للجماعة "العدل والإحسان كانت أولى القوى السياسية التي دعمت حركة 20 فبراير، لان العدل والإحسان تجمع هما عدة نقط مشتركة، ومن أهم هذه النقط هي: محاربة الفساد، والنضال من أجل القضاء على الاستبداد" .
قدم سياق أحداث ما يسمى "بالربيع العربي" وبروز حركة 20 فبراير فرصة سياسية كبيرة لجماعة العدل والإحسان، من أجل تحقيق بعض أهدافها غير المعلنة من خلال مشاركتها داخل الحركة والتي حددها بعض الفاعلين السياسيين في ما يلي:
أولا: جماعة العدل والإحسان شاركت داخل الحركة من أجل اختبار قدراتها على المستوى المحلي والوطني، وقياس قدرات مناضليها على التعبئة.
ثانيا: تريد إرسال رسائل مشفرة إلى المخزن على أنها قوة سياسية يحسب لها ألف حساب
ثالثا: تريد الجماعة اختبار قابليتها على التعايش مع القوى السياسية العلمانية المكونة للحركة -في حالة قيام الثورة-ومن أجل تضييق الهوة بين الإسلاميين واليساريين .

2.2. أسباب مغادرة جماعة العدل والإحسان لحركة 20 فبراير
لم تعلن العدل والإحسان عن الأسباب الحقيقية وراء انسحابها يوم الأحد 18 دجنبر 2011 من الحركة، فالبيان الذي صدر عن الأمانة العامة للدائرة السياسية للعدل والإحسان، لم يشر إلى الدوافع الكامنة وراء إعلانه مغادرة الحركة، فقط تضمن نقدا للنظام السياسي المغربي"حين هبت موجة التغيير على الأمة تعالت أصوات رسمية وشبه رسمية متحدثة عن "الاستثناء المغربي" ومتجاهلة حقيقة الوضع في بلادنا التي ترزح منذ قرون تحت نير الفساد والاستبداد، وسرعان ما فضح الواقع كذب هذه الادعاءات، حيث أبدى شباب غيور على مصلحة البلاد رغبته في التحرك بهذا النفس التغييري .
فتحت مغادرة جماعة العدل والإحسان، لحركة 20 فبراير العديد من التأويلات حول موقفها هذا، فمناضلي الحركة اعتبروا مغادرة الجماعة خيانة للحركة، وتقويضا لإرادة التغيير السياسي بالمغرب الذي كانت تنشده الحركة، لاسيما أن الجماعة كانت تقدم كتلة جماهيرية كبيرة وتعطي زخما كبيرا لها.أضف إلى ذلك، أن من الفاعلين السياسيين من اعتبروا انسحاب الحركة مرده إلى وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة " يمكن اعتبار قرار الجماعة الأخير عربون مودة تقدمه الجماعة لرئيس الحكومة الجديدة وللقصر، وإشارة سياسية لإظهار حسن النية تجاه بنكيران والعدالة والتنمية، للعمل على إيجاد حلول لخلافات الدولة مع الجماعة على المستويات الحقوقية والقضائية والسياسية كذلك" .
كما أن هناك من اعتبر مغادرة الجماعة للحركة يعود إلى تحقيق الحركة لأهدافها غير المعلنة التي تمثلت في إرسال رسائل مشفرة إلى النظام قصد التأكيد على كثافة قاعدتها السيويولوجية. وفي هذا الصدد، قال الناطق باسم الجماعة السيد فتح الله أرسلان:"إن قرار المغادرة كان جيدا، كنا نريد أن نحافظ على الهوة مفتوحة بيننا من أجل التعاون والحوار، وخلق مرحلة جديدة للالتحاق تكون مبنية على العمل المتوازن؛ لكن للأسف، واجهنا عدة مشاكل بعد هذه الحركة، التي خلقت مجهودات كبيرة" .
أما البعض فرأى في هذا الانسحاب خوفا من انفتاح شبابها على المكونات العلمانية، لأن البنية التنظيمية المغلقة للجماعة كانت تحصر شبابها في دائرة ضيقة، وبالتالي ففرصة تفاعلهم مع المكونات اليسارية والحقوقية والجمعوية، من شأنها أن تزحزح عقيدة الخضوع التي تقوم بين الشيخ والمريد.


خاتمة
من خلال ما تقدم، يتبين أن حركة 20 فبراير كانت بمثابة فرصة سياسية كبيرة لجماعة العدل والإحسان، للظهور بشكل قوي في الفضاء العمومي، ولاستعراض قاعدتها السوسيولوجية الكبيرة، بالإضافة إلى إرسال رسائل مشفرة إلى النظام السياسي- الذي لطالما مارس عليها بعض الممارسات التي كانت تعتبرها الجماعة غير قانونية وغير أخلاقية: مثل تشميع بعض بيوت ومقرات أعضائها، إلصاق تهم لا أخلاقية بأعضائها- على كون الجماعة قوة سياسية يحسب لها ألف حساب. لكن عدم استمرار الجماعة لدعمها للحركة بعد عشرة أشهر من الانخراط، أفقد الحركة بريقها وقوتها؛ وهذا ما طرح بعض التأويلات لقرار انسحاب الجماعة من الحركة، حيث اعتبره البعض بمثابة خيانة للحركة، ورأى فيه آخرون أن الجماعة قد حققت الأهداف التي دفعتها إلى الالتحاق بالحركة؛ لكن يبقى السبب الحقيقي عند الجماعة، لأن بنيتها المغلقة والهرمية تجعل من الصعب على الباحث الوصول إلى الأسباب الحقيقة.



المراجع:
1. Political islam and the Moroccan arab spring, supervisor lenie brouwer , 2012,
2. د.محمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي بالمغرب، مطبعة النجاح الجدية 2001.
3. Quand Le maroc sera Islamiste,nicolas beau et catherina graciet,la découverte poche.
4. الأرضية التأسيسية لحركة 20 فبراير،مجلة وجهة نظر، العدد 50،خريف ،2011.
5. http://www.aljamaa.net/ar/document/51003.shtml
6. http://ar.yabiladi.com/articles/details/7963/%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D9%86.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي


.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه




.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر