الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل فقد نتنياهو إجماع اليمين

عصمت منصور

2020 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


هل فقد نتنياهو اليمين؟

تحاول هذه الورقة أن تستكشف إلى أي مدى أثرت إدارة نتنياهو وحكومته الفاشلة لأزمة جائحة كورونا، وما نتج عنها من أزمة اقتصادية واجتماعية في إضعاف مكانة نتنياهو وحزب الليكود في أوساط الجمهور الإسرائيلي بشكل عام، وجمهور اليمين بشكل خاص، وإذا ما كانت الأزمة وحالة الضعف والتراجع التي يشهدها نتنياهو وحزبه، في استطلاعات الرأي العام المتواترة قد أفقدت نتنياهو الدعم المطلق الذي كان يتلقاه من أحزاب اليمين الديني والقومي، وأنهت زعامته لهذا المعسكر، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة فقدانه لأهم ورقة ضمنت له البقاء في على كرسي رئاسة الوزراء لأطول فترة منذ إنشاء دولة إسرائيل رغم فشله في ثلاث دورات انتخابية في الحصول على الأغلبية التي تمنحه إمكانية تشكيل حكومة.
تحاول هذه الورقة أن ترسم التصورات والسيناريوهات المستقبلية أمام اليمين الإسرائيلي وزعيمه نتنياهو على ضوء تحديين رئيسيين هما:
الأول صعود نجم نفتالي بينت الذي يعد منافس نتنياهو الأبرز من داخل اليمين، بعد أن أهمله وتركه وحيدا في الصحراء السياسية، لصالح مقرّبيه المستوزرين في حزب الليكود، إلى أن أصبح المنافس الأبرز الذي يزاحمه على زعامة اليمين، والثاني ضمور هامش المناورة أمام نتنياهو في مواجهة شريكه/ خصمه في إدارة الحكومة بيني جانتس بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، وحالة التخبط وفقدان السيطرة في مواجهة انتشار كورونا، وتصاعد موجة الاحتجاجات ضده، والذي قد يحقق طموحه بتولّي رئاسة الوزراء إذا ما انعدمت السبل أمام نتنياهو، مع اقتراب لحظات الحسم في مسار قضايا الفساد التي يواجهها في المحاكم ما يعني فقدان اليمين للحكم بشكل فعلي لأول مرة منذ 2009.
مقدمة
اعتبرت جبهة اليمين بشقيه الديني والقومي الاستيطاني، وحالة الاستقطاب التي غذّاها نتنياهو طوال فترات حكمه بخطابه الهجومي والتحريضي ضد خصومه ومنافسيه الذين صنفهم على أنهم يسار، الركيزة الأساسية التي استند إليها نتنياهو لضمان إعادة انتخابه كل مرة من جديد والتصدي وإضعاف منظومات إنفاذ القانون، والجهاز القضائي والإعلام في ظل تهم الفساد التي تهدد استمرار حكمه.
وقف اليمين بأحزابه وممثليه وإعلامه وماكينته النشطة في الميدان إلى جانب نتنياهو باعتباره الزعيم القوي القادر على ضمان استمرار حكم اليمين، وتنفيذ أجنداته الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وإعادة صياغة هوية دولة إسرائيل على نحو أكثر يمينية وفاشية.
التطورات الأخيرة التي أعقبت فشل نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية خالصة على مقاسه، واضطراره إلى تشكيل حكومة شراكة يتناوب على رئاستها مع حزب ازرق ابيض ورئيسه بيني جانتس، بالتزامن مع تخليه عن أحد ابرز ممثلي اليمين القومي المتطرف (نفتالي بينت) ومع تفشّي فايروس كورونا والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها، تنبئ بحدوث تصدعات في جبهة اليمين، وتراجع قبضة نتنياهو القوية، وقدرته على الاحتفاظ بزعامة معسكر اليمين، وفتح الباب لإعادة بناء الخارطة السياسية والحزبية من جديد، وفتح آفاق للتغيير على نحو لا يتوافق مع تطلعات نتنياهو.
الأخوة الأعداء
إذا كانت هناك ظاهرة مقلقة يمكنها أن تؤرق نتنياهو، فهي تخلّي معسكر اليمين عنه، وبروز وجوه جديدة قادرة على تحدي زعامته الفردية المطلقة لهذا المعسكر، الذي لا تظهر المؤشرات أي تراجع له، بل على العكس نجد أن الاستطلاعات تبيّن أنه قادر على تشكيل حكومة من 66 عضو كنيست في حال أجريت الانتخابات قريبا.
الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي أوجد سُلّما مناسبا لنتنياهو للنزول عن شجرة الضم العالية التي وجد نفسه عالقا فوقها بعد فتور رغبة الإدارة الأميركية تجاه الفكرة، وتخليها عن دعمها، ومعارضة شركائه في الائتلاف لها، أطلق شرارة البداية لانتقادات علنية من قبل قادة مجلس المستوطنات "يشع" ومواجهة إعلامية ضد نتنياهو، تحولت من انتقادات علنية رافضة للثمن الذي قُدّم على مذبح الاتفاق (تأجيل الضم) الى حملات تطالبه بالاستقالة والرحيل والتخلي عن منصبه، بعد أن فقد الأهلية لقيادة وتمثيل مصالح وأجندة معسكر اليمين.
إذا كان قرار تأجيل الضم قد طوي بسبب ازدحام جدول الأعمال الإعلامي والسياسي في إسرائيل بقضايا لا تقل سخونة وراهنيه، إلا أن القضايا الأخرى التي احتلت جدول الأعمال اليومي لا تقل إشكالية وكارثية على نتنياهو من سابقاتها.
أزمة كورونا والإدارة الفاشلة لها، وما نتج عنها من آثار اقتصادية، مست بشكل مباشر قطاعات كبيرة من قاعدة الليكود واليمين، وهزت ثقة الشارع بنتنياهو وأضعفته بشكل كبير، خاصة بعد ان تقاطعت مصالح هذه الفئات ورغبتها في الاحتجاج والتذمر من السياسات التي يقودها نتنياهو، مع الحملات المنظمة والمظاهرات التي تخرج كل نهاية أسبوع للتظاهر والمطالبة برحيله بسبب قضايا الفساد المتورط بها.
التعبير الأكثر مباشرة عن تململ قاعدة اليمين من نتنياهو، لا يقتصر على استطلاعات الرأي التي تظهر تراجعه بشكل ثابت ليصل إلى 29 مقعدا وفق آخر استطلاع أجرته القناة 13، وحملات قادة المستوطنين، والهجوم المتواصل من قبل حزب يمينا وزعيمه نفتالي بينت، ولا في وقوف حزبي شاس ويهدوت هتوراه أكثر من مرة إلى جانب جانتس، وتأييده في موقفه من إقرار ميزانية لعامين من قبل الحكومة، بل بلغت ذروتها مع إطلاق دعوة صريحة لنتنياهو بالمغادرة بشكل مشرّف (عقد صفقة مع النيابة) من كبار قادة الرأي في معسكر اليمين.
المقالات التي جاءت متزامنة*، وهو ما يجعلنا ننظر إليها على أنها أشبه بحملة منظمة، وأطلقها أربعة من كبار الصحفيين اليمينيين، بدأت بمقال نشره الصحفي عكيفا نوبيك في هآرتس طالب فيها نتنياهو بالقبول بعقد صفقة مع النيابة تفضي إلى مغادرته منصبه مقابل إغلاق ملفات الفساد ضده، ليتبعه الصحفي كلمن ليبيسكين في مقال مماثل في معاريف، ومن ثم محرر موقع "مكور ريشون" حجاي سيجل ومحرر "هشبوع" عمونئيل شيلو، تظهر إلى أي مدى فقد اليمين ثقته بنتنياهو وبات ينظر إليه على انه عبء.
آيفون12 وتلفون نوكيا
صحيح ان نتنياهو شهد لحظات صدام مع هوامش معسكره اليميني الذي يتزعمه خلال فترات حكمه السابقة، الا أنه نجح في كل مرة في احتوائها بسبب عدم وجود بديل من داخل اليمين يمكن ان يرثه، وخشية اليمين من فقدان الحكم لصالح أحزاب اليسار والوسط، وهو الأمر الذي بدأ يظهر أنه آخذ في التغير مع بروز شخصية نفتالي بينت رئيس حزب يمينا.
صعود نفتالي بينت المتسارع في استطلاعات الرأي العام وحيويته في الحلبة السياسية والإعلام، دفعه لأن يستعير من ماضيه في مجال التقنية المتطورة (الهاي تك) تعبيرا أراد من خلاله أن يهيل التراب على شخصية نتنياهو، فوصفه بأنه جهاز اتصال قديم من نوع نوكيا، بينما هو أشبه بجهاز حديث ومتطور(ايفون 12).
حزب يمينا الذي يرأسه نفتالي بينت حصل في الانتخابات الاخيرة على 6 مقاعد فقط، بينما تتنبأ الاستطلاعات بأن يصل إلى 21 مقعدا في الانتخابات القادمة، في الوقت الذي قلص فيه بينت الفارق بينه وبين نتنياهو في الأهلية لترؤس الحكومة إلى 9% فقط*.
الخلاصة
على الرغم من الأزمات غير المسبوقة في عمقها وشموليتها التي يمر بها نتنياهو، وتراجع شعبيته، وخروج أصوات من اليمين تطالبه بالرحيل او تسوية وضعه القانوني مقابل اعتزاله على ضوء حالة عدم الثقة التي يبديها الجمهور له.
ورغم صعود نجم نفتالي بينت وطرح نفسه كبديل محتمل في زعامة اليمين بديلا عن نتنياهو، إلا أن هناك الكثير من العوامل التي تجعل خيار تخلي اليمين عن نتنياهو غير واقعي، وبعيد عن التحقق في الفترة الحالية، أهمها ما لخصته الكاتبة اليمينية شيريت ابيتان كوهين* كما يلي:
اعتماد حزب (يمينا) على شخص نفتالي بينت بينما قائمته مجهولة وإشكالية، وفيها شخصيات متطرفة بالنسبة للجمهور العام وهو ما يجعل الارقام التي تحصل عليها في الاستطلاعات أرقاما مكتوبة على لوح من ثلج، (وهو ما يؤكده خبير الاستطلاعات شلومو فيلبر بأن قوة يمينا لن تتجاوز العشر مقاعد).
عدم قدرة نفتالي بينت على تصعيد هجومه على نتنياهو لأن هذا ستكون له آثار عكسية وسيؤدي إلى هروب مصوّتين من اليمين المعتدل ممن يجدون أنفسهم اقرب الى جانتس من نفتالي بينت.
فرصة نجاح نفتالي بينت في الإطاحة بنتنياهو وافتراض حصوله على ما تتنبأ به الاستطلاعات، مرهونة بحدوث انتخابات وهذا قرار بيد نتنياهو ويخضع لاعتباراته والتوقيت الذي يراه مناسبا له.
بالإضافة إلى أن تجربة الجولات الانتخابية السابقة تعلمنا أن النواة الصلبة الحزبية في الليكود تسمح لنفسها ان تعبر عن تذمرها وهو ما ينعكس على الاستطلاعات، الا انها وفي لحظة الحقيقة تعود الى بيتها الأصلي.
رغم ان الدائرة تضيق على نتنياهو إلا أنه لا زال قادرا على الصمود في ظل عدم وجود منافس حقيقي له من المعارضة وبهوت شخصية نفتالي بينت أمامه.
في مواجهة المصير غير الواضح انتخابيا وتصاعد الأزمات الداخلية، واشتداد حدة المظاهرات وديمومتها، قد يجد نتنياهو نفسه مضطرا إلى الاستمرار في الائتلاف إلى أطول فترة ممكنه والاستدارة قليلا نحو الوسط، وإعادة إنتاج نفسه خاصة إذا ما أضيف إلى كل ما ذكر انتخاب المرشح الديمقراطي في الولايات المتحدة الامريكية، لتبقى قاعة المحكمة هي العامل الأقوى في تحديد مصيره السياسي والشخصي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: لم سيصوت الناخبون الفرنسيون م


.. جهود إيجاد -بديل- لحماس في غزة.. إلى أين وصلت؟| المسائية




.. السباق الرئاسي الأميركي.. تاريخ المناظرات منذ عام 1960


.. مع اشتعال جبهة الشمال.. إلى أين سيصل التصعيد بين حزب الله وإ




.. سرايا القدس: استهداف التمركزات الإسرائيلية في محيط معبر رفح