الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيوعيين في فترة البعث.. بين أساليب الأقصاء والانسحاب

مصطفى أحمد

2020 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


عند بدأ أي نظام يجب النظر إلى عدة أمور سياسية في الشعب، وإلى الأعمدة التي استند عليها النظام المنطوي، وإلى المؤثرات الخارجية والداخلية، والأهم هو النظر إلى الشعب بعينٍ واسعة، إلى كبارهِ ومعتقداتهِ، مطالبهِ ومستوياتهِ..
ولا أعتقد إن هذهِ الأمور صعبة على حاكمٍ من الشعب، فبالتأكيد يعرف جيدًا مقدار أهميتها، باعتباره نشأ وتربى فيها.
تعتبر الحركة الشيوعية والفكر الشيوعي من أكثر الأنظمة والأفكار القوية السائدة في العراق في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، الكثير من الأمور كانتْ لها أثر في قوة الحزب الشيوعي العراقي.. بالإضافة إلى إنه النظام الذي حكم به عبد الكريم قاسم في العراق.

بعد انقلاب عام ١٩٦٣ قام النظام البعثي بعمليات تصفية ضد الحزب الشيوعي، دون النظر لمكانتهم، حتى إن صدّام نفسه اشرف على هذه التصفيات بعد عودتهِ من المنفى بقولهِ "يجب ان نقتل أولئك الذين يتآمرون ضدنا"*١. ولحسن حظ البعثيين إن عبد الكريم قاسم قام بمنع تسليحهم*٢، ولو إنه لم يفعل ذلكَ لتغيرت الكثير من الحقائق، ولتحول العراق إلى ساحة حرب أهلية؛ فالبعث يريد أن يسيطر على الحكم، والشيوعيين يريدون استرجاعه والثأر لزعيمهم عبد الكريم.. ولأصبحت الأرض تغطُ بالدماء
في حين كانت المقاومة الشعبية أغلب عناصرها شيوعيين، قام الحرس القومي بجرائم لا حصر لها ضدهم، حيث قامت هذه الجماعة المسلحة بقتل اغلب الموالين لعبد الكريم قاسم، ووصل عدد القتلى عقب عشية الانقلاب إلى عشرة آلاف - ثلاثين ألفًا، كمٌ هائل تم تصفيته بوقت قصير جدًا!
كان المسلحون يطرقون الأبواب وعندما يظهر أي شخصٍ يرشقونهُ بالرصاص ٣* هذه هي أحد الأمور التي قام بها البعث ضد الشيوعيين.

عند قدوم حزب البعث اتبع نظامًا سياسيًا تخويفيًا، قمعيًا وترهيبيًا..
كان الفكر الشيوعي لا يقتصر على الحركة السياسية فقط، بل أصبح منهج حياة وقومية وفكر وثقافة، وبقي يمتد في جذور المجتمع.. ويتميز اغلب كبار المجتمع من الناحية العلمية، الأدبية بكونهم شيوعيين، حتى أتى النظام الجديد وقام بتوجيه ضربات يعرف بأنها ستكون ذات ردود فعل عليهِ، فقتل واعتقل الكثير من الشيوعيين بمختلف القضايا، وقد تكون أهمها:

قضايا سياسية
قام حزب البعث العراقي بقتل ممثل الشيوعيين الأكبر(عبد الكريم قاسم) بمسدس (صدّام حسين).. أمرٌ خلقَ غضبًا جماهيريًا لا بد منهُ من قِبل الشعب وبالأغلب الشيوعيين، وقد قُمِعَ هذا الغضب بصورةٍ عكسية، خاصة وإن العداوة قد كانت موجودة بين الحزبين منذ تأسيس حزب البعث وبعدها الانقلابات التي حصلت ضد نظام عبد الكريم.. حاول صدّام تهدئة هذه العداوة فيما سبق عندما أرسل تأييدين لعبد الكريم قاسم عندما حاول ضمَّ الكويت، لكن قاسم قد تجاهلهُ وهو يعرفُ مغزاه.
كان من الممكن لعبد الكريم أن يجعل هذين التأييدين طريق رجعة لحزب البعث وبالتالي يأمن شرهم، عند إعطائهم القوة العسكرية بالتدريج، لكنه لم يكن يثق بهم.. ولو إنه فعل هذا الأمر واشغلهم بضمّ الكويت وبعدها الدخول في الوحدة العربية لتراجع حزب البعث وأصبح مناصرًا لعبد الكريم، لكن الأخير لم يثق بهم ولم يضع لهم حدًا.
نرجع لأصل موضوعنا حيث أن حزب البعث قد طبق نظامه على الحزب الشيوعي بالمجازر والاعتقال، حاول البعثيين التقليل من هذه الأساليب بإتباع اسلوب (البراءة) حيث يُطلب من المعتقلين السياسيين تقديم براءة من الحزب الشيوعي مقابل حريتهم، وقد فعل بعضهم هذا لكن المتمسكين بمعتقدات الحزب لم يهتزوا شعرة، وبقوا في السجون حيث كان مصيرهم الإعدام وبعضٌ منهم السجن المؤبد والتعذيب إلى أن أتى قرار العفو فيما بعد.
كما وقام حزب البعث بإدخال أربع وزراء شيوعيين مما قلل هذا الأمر زخم الشيوعيين وكان بمثابة افيون لهم.

قضايا علمية
من ضمن ضحايا الحزب الشيوعي (الغير سياسيين) هم أشخاص ذوي كفاءات عالية، وذوي علم وافر.. وما كان من حزب البعث سوى قتلهم واعتقال الكثير منهم. وترهيب البقية لكونهم شيوعيين فقط، غير سياسيين اطلاقًا
تفرق أصحاب العلم بين قتيل وسجين ومغترب.. ولم يتم الاستفادة منهم إطلاقًا، وقد أثر هذا على اقتصاد العراق ومكانته العلمية بصورة كبيرة..
الحق يُقال ان حزب البعث قد نهض بالاقتصاد والمكانة العلمية في العراق لكن البدأ من الصفر يختلفُ عن البدأ من مراحلٍ متقدمة
والعمل الحق الإجباري بالأشخاص الغير مناسبين يختلف عن وضع اشخاصٍ يتفننون في اختصاصهم.
لو بدأ صدّام وحزب البعث بنفس الأشخاص الغير سياسيين الذين كانوا عبد الكريم قاسم لاستطاع بناء عراق عام ١٩٧٥ في عام ١٩٧٠ أو أقل.. مع انعدام المغالطات التي حصلت، أو الاستغلال الأمريكي والروسي للنفط العراقي، وأيضاً الاستقرار الذي حصل في نهاية السبعينيات كان من الممكن أن يحصل في بدايتها؛ لكن إصرار حزب البعث وبالأخص صدّام على احتكار القرارات وعدم النقاش حولها هو أحد الأمور الرئيسية إن لم تكن اكثرها تأثيرًا على هذا التأخر الخاصة في الاقتصاد العراقي.
اتبع صدّام الأساليب التي ذكرناها وأحد المواقف التي نتجت عن أساليبهِ هو موقفهُ مع الدكتور طالب البغدادي (أحد دكاترة علم الاقتصاد في جامعة بغداد) حيث جرت أحداث هذا الموقف في نهاية عام ١٩٧٦ عندما ألقى الدكتور محاضرة علمية اقتصادية تبين الأخطاء التي تؤدي إلى فشل النظام الاقتصادي المُطلق حديثًا (من لا يُنتج لا يأكل) وهو لا يعلم أن هذا هو شعار الحزب الاقتصادي. فتم استدعائه من قبل صدّام حسين حينما كان نائبًا وبعدها التحقيق معه وسجنه وتعذيبهُ وفصلهُ والصاق التهم بهِ، ولأنه كان شيوعيًا فقط!٤* وقد اعتقدوا انه سيتلف افكار الأجيال القادمة (هذهِ التهمة التي الصقت للكثير) وتم التعامل معهُ بهذا الطريقة التي استعملت مع الكثير من أقرانه سواء في المجال العلمي او الاجتماعي. وإن الدكتور طالب البغدادي له عقلية فذة لو وظفها حزب البعث في جانبه لاستفاد كثيرًا.. فشخصٌ يثبت عكس ما تقوم به حكومة قوية كحكومة البعث يُعامل بهذه الطريقة؟.

عندما اصنع من عدوي صديقًا وأضمه إلى جانبي، بهذه الحالة كسبت شخصًا يستطيع إثبات فشلي، وبالتالي يجعلني اسير بطريقٍ أصح مما انا عليه.. لكن عندما أهينهُ وأفصلهُ فإني صنعتُ شخصًا أو عدوًا اكبر وأقوى.. وستكون النتائج عكسية.

قضايا أدبية
من ضمن الاعتقالات الجماعية التي حصلت تم اعتقال الكثير من الأدباء والشعراء الشيوعيين، سواء كان دورهم سياسيًا أم لم يكن، وخلّف هذا العمل الكثير من ردّات الفعل سواء كانت على شكل قصائد أو كتب أو حتى نقاشات تحرض ضد البعث أو ضد صدّام حسين.

لو تم العمل بعكس ما تعرض له الشيوعيين من أهوال تمثلت بالقتل والسجن والتعذيب والترهيب، لكان من الممكن العمل على ضم الحزب الشيوعي إلى جانبهِ في الحكم (حيث كان يمثل أغلبية الشعب) لجانبهِ ومن ثم العمل رويدًا رويدًا على تضعيفهِ من خلال سحب أعضائه بإرادتهم عن طريق إعطائهم ما يريدونه، ولا يمكن للحزب الشيوعي أن يوفرهُ لهم، ما دام لا يمتلك الصلاحيات التي تسمح له بفعل ذلك، وكل هذا في يد حزب البعث؛ لكن، نظرة صدّام حسين وحزب البعث نظرة فردية حزبية لا سياسية؛ فقد كان الولاء للحزب أكبر من العمل على تثبيته، فبنظرتي الخاصة كان حزب البعث على شفير الهاوية حتى عام ١٩٧٢.

كان أسلوب البعث تجاه الشيوعيين فرديًا همجيًا عنيفا، بدل أن يكون سياسيًا فعليًا.. إلا في حالاتٍ نادرة، أهمها:

انقلاب عام ١٩٦٨
في عام ١٩٦٨ قام أحمد حسن البكر بالاتصال بالحزب الشيوعي ليجس نبضهم تجاه عمليته الانقلابية ضد حكومة عبد الرحمن عارف، وقد أبدى الحزب الشيوعي موافقته شريطة أن يتم الاعتراف بجرائم عام ١٩٦٢ لكن البكر رفض ذلك. ٥*
كانت خطوة ذكية، أو بالأحرى خطواتٍ ذكية من الطرفين.. فالبكر لم ينقصه شيء للانقلاب لكنه أراد أن يأمن شر الشيوعيين، ولا استبعد أنه اتصل بالحركة الكردية المسلحة قبل الاتصال بالحزب الشيوعي، ليأخذ موافقة الأكراد وبالتالي قد ضَمِنَ موافقة الطرفين وخاصة عدوهم الأول.
اتخاذ الحزب الشيوعي هذا الشرط كان ذريعة بإقصاء البعث فيما بعد، وعدم قبول البكر كان لأنه يعرف نواياهم.. وليثبت حزمه وصرامته
كان باستطاعة الحزب الشيوعي الرجوع عن كلامهم وقبول عرض البكر ووضع شرط آخر وهو اشراكهم في الحكم والعملية السياسية القادمة، لكنهم يعلمون أن البعث لن يفي بوعده ويعلمون إن الشيوعيين لقمة سائغة.

قانون رقم ٢٠٠
في عام ١٩٧٨ أعلن حزب البعث قانون رقم ٢٠٠ والذي يقضي بالعقوبة الشديدة ضد أي عمل سياسي داخل القوى المسلحة باستثناء حزب البعث ٦*

هذا الأمر أعطى نتيجتين أساسيتين، الأولى هي تقوية وتثبيت جذور حزب البعث داخل المعسكر والقوى العسكرية، وتدعيمه بالولاء العسكري
الثانية، هي منع أي شخص يحاول إرجاع الحزب الشيوعي من خلال الحركة العسكرية.. وإعطاء ذريعة قانونية لقمع الشيوعيين.

نعرف جيدًا كم كان اهتمام صدّام وحزب البعث بالجيش والحركة العسكرية، خاصة وإن صدّام وحكومته أغلبهم عسكريين.. ويعرفون جيدًا مدى أهمية العسكر، وبنفس الوقت يعرفون مدى سرعة الخيانة فيه، وخصوصًا بفكر كالفكر الشيوعي وشعاراتهِ ومعتقداتهِ، وإن الناس قد كانوا لازالوا يحملون ثأر عبد الكريم في قلوبهم حتى وإن لم يفصحوا عنه.. لذا فحزب البعث قد سيطر على الجيش من هذه الناحية
لكن، كان بالإمكان تعميم هذا القانون بالتدريج وجعله يمتد لباقي المؤسسات الحكومية، وكبح الشيوعيين بهذا القانون، لكن تفكير صدّام وحزب البعث كان بإعطاء الفرصة ليتحركوا ومن ثم القضاء عليهم بطريقتهم المفضلة.

خلّفت هذه الأمور المهمة، وغيرها أمرين لحكم البعث، الأول:
السيطرة وكبح جماح الشيوعيين عن طريق قمعهم، واستخدام أساليب القوة والقتل

أمّا الثاني:
بقاء الحزب الشيوعي حزب مخيف، وسيأخذ بثأر عبد الكريم في أي وقت، وقد عطّل عمل الحكومة في الكثير من الأوقات. ولم يقم صدّام حسين بملاقفة هذا الأمر.








المصادر
* ١، ٢، ٣، ٥، ٦ موجز تاريخ العراق (د. كمال ديب)
* ٤ حكايتي مع صدّام (د. طالب البغدادي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟