الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 5

دلور ميقري

2020 / 11 / 17
الادب والفن


جيل بيان، عاشَ في مراحل كثيرة على حافة الحرب، ولو أنه لم يقدّر له أن يشهد إحداها بشكلها الحقيقي إلا عندما تجاوز سنّ الثمانين. لقد كانت طفلةً في الثامنة، لما أوقعت طائرة للحلفاء، منطلقة من الأردن أو فلسطين، قنبلة ضخمة على مطار المزة العسكريّ فلم يبقَ زجاجُ نافذةٍ سليماً بدمشق. بعد ذلك بأربع سنين، قصفت الطائرات الفرنسية أماكن محددة في العاصمة وذلك رداً على هجمات قوى أمن الحكومة المحلية، المطالبة بالاستقلال وإنهاء الانتداب.
حرب 1948، جرت على أراضي فلسطين، وسمعوا عنها من اللاجئين، الذين سكنوا في الحي. حربُ حزيران/ يونيو من عام 1967، الموصوفة ب " النكسة " في الإعلام العربيّ، مرّت بسرعة خاطفة دونَ أن يشعر بها أحد، اللهم إلا في أيامها الثلاثة الأولى على أثير الإذاعة المحلية ومارشات النصر المزعوم. لكن على مستوى العائلة، كان الأمر أكثر تراجيدية؛ بمقتل ابن عمة بيان، وكان مجنداً على جبهة الجولان.
انقضت ستة أعوام أخرى، لينخرط هذه المرة ابنُ بطلة سيرتنا في حرب تشرين/ أكتوبر، المنعوتة ب " التحريرية "، وكان من نتيجتها خسارة المزيد من القرى حتى في بر الشام. بحسَب قائده المباشر، وكان من حوران، أنّ الفتى البالغ العشرين قد استبسل في المعارك ويستحق وساماً. لكنه نال ضربة هراوة على رأسه، ستسبب له إعاقة عقلية دائمة، وذلك في سجن تدمر الصحراوي الرهيب. هذه الحادثة، بقيت غصّة في حلق رَبّي الأسرة وباقي أفرادها.

***
في الأثناء، استمرَ منجلُ ملاك الموت في حصد المزيد من الأرواح. آكو، أسلمَ الروحَ عاماً عقبَ حرب حزيران/ يونيو. لمحض المصادفة، أنّ ديبو سيلحقه وذلك قبل أشهر قليلة من نشوب حرب تشرين/ أكتوبر. امرأته بيروزا، عاشت بعده ثلاث سنين، حَسْب، ورحلت غبَّ رحلة حياةٍ كلها شقاء ومهانة ومعاناة. مع أنها كانت ضربة أليمة جداً للسيّدة ريما، فإنها عاشت خمسة عشرة عاماً أخرى. احتفظت بصفاء ذهنها، لحين معرفتها بموت سلطانة، شقيقة رجلها الراحل.
كانت السيّدة ريما قد تركت حجرة لنفسها في منزل الزوج، وعرضت حجرتين للإيجار. بيد أنها قضت أكثر أيامها لدى بيان، تساعدها في شتى المشاغل وتهتم بالأولاد الصغار. أخوها غير الشقيق، حدّو، الذي كانت له بمثابة الأم في صغره، عمّرَ أيضاً مطولاً ورحل عن الدنيا بعدها ببضعة أشهر. كان قد تآنسَ في أيامه الأخيرة مع قريبه، معمو، في حجرة واحدة بالمستشقى. إلى أن أفاق في صبيحة أحد الأيام، ليجد سرير قريبه فارغاً. لما علم بوفاة الرجل العجوز، اختلط عقله.
وإلى تلك الأيام، يُعزى خَرَفُ رابعة، وكان من الصعوبة أنهم في منزل ابنها حبسوها في حجرتها إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة. هكذا حالة، سبقَ أن دهمت هَدي أيضاً؛ لكن نهايتها كانت أكثر مأسوية: لقد طُردت من الجميع، بما في ذلك ابنيها. الشقيقة الوحيدة، حَني، كانت لا تحرك ساكناً عندما كان الأولاد يقذفون المرأة الخرفة بالماء. أخيراً، أنهى الابنُ حسينو هذه المأساة بايداع والدته في مستشفى الأمراض العقلية، لتفارق الحياةَ ثمة بعد نحو شهرين.

***
حسينو، وكنا قد علمنا بمدى طموحاته عندما عوّل على تحقيقها بركوب الموجة الشيوعية في خلال عقد الخمسينات، أصبح من أبرز شخصيات الحزب الحاكم في الحي في عقد السبعينات. هذا جعله معقد آمال الأقارب والمعارف، للوساطة لدى دوائر الدولة بوظيفة أو عمل أو تسهيل معاملة. قبل انتقاله لشقة أنيقة في رأس الحارة، استقر مع أسرته في بيت بديع إلى أن عاد هذا من أوروبا. حديقة ذلك البيت، وكانت قد أضحت قطعة من الفردوس بجهود عمه جمّو، آلت إلى الخراب كيلا يؤدي سقيها إلى رفع فاتورة الماء.
بديع، اقترن في تلك السنّ المتأخرة من امرأة أربعينية. شقيقته، بديعة، كانت قد تنازلت له عن حصتها ببيت أبيهما لقاء فيلا الزبداني، التي خسرها زوجها على طاولة القمار. بيت بديع، كان الأول في الزقاق، المتحوّل إلى عمارة حديثة من مبنيين. مع مستهل عقد الثمانينات، اكتسح متعهدو البناء الحارةَ كي يقيموا على أنقاض دورها القديمة العمارات الحديثة. وكان من نتيجة ذلك، أن عدد الغرباء صارَ أضعاف عدد السكان الأصليين. من هؤلاء الأخيرين، كان قسمٌ كبير قد انتقل للعيش في أماكن أخرى داخل وخارج الحي بعدما قبض من المتعهد ثمن بيته. آخرون، مثل أولاد صبيح ابن عمّة جمّو، صاروا بين ليلة وضحاها من أصحاب الملايين بفضل بيتهم الأشبه بالخرابة والمتحوّل بدَوره إلى محضر كبير.
لمشيئة القَدَر، أن دار الحاج حسين، وكانت الأولى في الزقاق المُشادة في بداية القرن التاسع عشر، ستبقى على حالها إلى يومنا الحاضر. ذلك كان بسبب قضايا في المحكمة من قبل ورثة مزعومين، أوقفت المتعهّد طوال ما يزيد عن الثلاثة عقود. حديقة الدار، وكانت مزدهرة على يد جمّو الخضراء، أضحت في الأثناء مزاراً للمسنّين من أهالي الزقاق الأصليين: كانوا من خلالها يتنشقون عبيرَ دورهم وحدائقها، التي أتت عليها جرافات المتعهّدين كي تقام على أسسها العماراتُ الفارهة والأنيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع