الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشلت مفاوضات تونس

عيسى مسعود بغني
(Issa Baghni)

2020 / 11 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


إجتماع تونس لم يكن حواراً بين المكونات الليبية بقدر أنه تفاوض بين نواب يمثلون دول ضالعة في تأزيم المشهد الليبي من أجل تنصيب دمى لتلك الدول وثلة من المعارضين لهذا النهج المقيط، وعلى الرغم من الوعود والمجهودات الكثيرة التي بدلت لإنجاح اللقاء من المبعوثة الأممية والطاقم التابع لها إلا أن الفشل كان ماثلا للعيان منذ إنعقاد أول جلساته. للخروج من ازمة الشرعية وسلطة الأمر الواقع، وضعت الهيئة الأممية ضوابط مهمة منها عدم إحتكار الأجسام المنتهية ولايتها للقرار، وعدم التعويل على شخصيات معينة، ومنع ترشيح المفاوضين أنفسهم لتولي مناصب الدولة، مع محاولة ترويض الفاعلين الدوليين مثل روسيا وتركيا ومصر لتأييد مخرجات التفاوض.
الحكومة المصرية كانت الغائب الحاضر في هذه المفاوضات، فلقد حزمت أمرها منذ ترتيب لقاء السيسي مع عقيلة وحفتر في 22 سبتمبر 2020م، وهو اللقاء الذي تم فيه تحجيم حفتر وتوكيل عقيله للقيام بدور الممثل للإرادة المصرية؛ ووافقت مصر على إجتماعات الغردقة ثم بوزنيقة في المغرب، وباركت تقسيم المناصب بأن يكون عقيلة رئيس المجلس الرئاسي ولا يهم أن يكون باشاغا أو معيتيق أو أي أخر على الجانب الأخر على أن يتم تنصيب حفتر وزيراً للدفاع وأحد أنصار مصر للخارجية الليبية.
رجع عقيلة جذلاناً فرحا من مصر ووجد ضالته في حزب العدالة والبناء المتعطش للسلطة، فاستمرت مداولات بوزنيقة ليتوصلوا إلى أن يكون عقيلة الرئيس وباشاغا رئيساً للوزراء والمشري النائب الأول لرئيس المجلس الرئاسي، أما الجنوب فله الله. بالمقابل كان معيتيق على تواصل مع حفتر ليستبقوا الخيرات ولو على حساب الشهداء واليتامى والتكالى، مقابل إنقاذ حفتر سياسيا بعد الهزيمة العسكرية، فكان قرار فتح الحقول النفطية، والموافقة على الحوار العسكري المفروض أمريكيا، ليس من أجل ليبيا ولكن من أجل أمريكا التي لا تتصور وجود قاعدة روسية على الشاطي المقابل لقواعدها على المتوسط .
عقيلة والمصريين ومن تبعهم بلعوا الطعم، ففي البداية كان الرفيق الروسي هو الداعم لهم ولكن دخول الأمريكان على المشهد إنحاز إليهم عقيلة والمصريين على أمل تمرير الصفقة دون موانع عند حضور صقور برلمان طبرق منهم دغيم كمقاول للمشروع في المفاوضات، ولكن الذي حدث أن الهيئة الأممية على دراية بالتفاهمات السابقة فأشركت من هم في عداء لهم، وناورت خلال الإجتماعات بأن تكون التفاهمات عن صلاحيات المجلس الرئاسي الجديد والحكومة وشروط تولي تلك المناصب وهذا ما جعل حوار الموائد في فندق خمسة نجوم يستمر لخمسة أيام، وما أن كان اليوم الأخير لتنفيذ الشروط على الشخصيات المقترحة حتى إنهار التفاوض. الذين رفضوا مخرجات بوزنيقة من مجموعة الحاضرين يقدر عددهم ب 44 عضو من مجموع الخمسة والسبعين شخصا، أما التسعة عشر فأتبثوا أنهم مرتهنين للقبلية الضيقة والجهوية المقيته وعبادة الطاغوت، وأنهم أقرب إلى العمالة للحكومة المصرية بعد رفضهم مقترح منع كل من تولى السلطة خلال السنوات الستة الماضية من تقلد أي منصب سيادي في الفترة الحالية، وتشبتهم بمخرجات بوزنيقة.
إنهيار الحل السياسي يلقي بضلاله على المسار العسكري بل يشجع المتطعطشين للدماء والمطلوبين للعدالة المحلية والدولية وسماسرة الحرب أن يستمروا في محاولات فرض أرائهم بالقوة وعدم إنضباطهم لأي سلطة مدنية، ويؤكد قناعات لديهم أن الحل الأمني هو الحل الناجع رغم فشله الدريع لإسقاط العاصمة.
ما يحد من هكذا نهج إجرامي دموي أن المزاج الدولي ومنهم روسيا ومصر وصل إلى قناعة أن خوض الحرب في ليبيا لن يكون مجديا ولن يصل إلى نتيجة رغم إصرارهم على تنصيب شخصيات تحفظ مصالحهم الأنية والمستقبلية.
مشكلة أخرى ساهمت في فشل الحوار هو إختيار تونس كمقر للتفاوض، فهذا البلد المجاور والمهم لليبيا يتسم بصفات لا تساعد على أداء دور سياسي مهم مقارنه بالمغرب، فمثلا منذ قيام الثورة الليبية والنخبة المثقفة التونسية في خصام كبير وفي تجني على هذا الوليد بسبب نضوب المزايا التى حبا القذافي بها الحكومة التونسية السابقة؛ مثل عدم منع التصدير للمواد المستوردة الى تونس، والتزويد بالنفط باسعار خاصة، وتشغيل أسواق تعتمد على التهريب مثل سوق بن قردان، وإيجاد سوق كبير للشركات و للعمالة التونسية في ليبيا، وأكثر من مليون ليبي يدخلون تونس سنويا للسياحة أو العلاج، كل ذلك تقلص وإنحسر بعد 2011م.
في الصيف الماضي تصرف الرئيس التونسي "بعنترية" غير محسوبة وهو أن يقيم حوار للقبائل في تونس ( وإجتمع ببعضهم) وبداء يدعوا إلى دستور وبرلمان للقبائل كما في أفغانستان وهو لا يعلم أن الدستور الليبي الأكثر حداثه صدر قبل الدستور التونسي بسنوات وأن الليبيين خاضوا الكثير من الإنتخابات وكان لهم أحزاب عريقة حتى في زمن الإحتلال الإيطالي، أخيرا ان القوى التونسية متشتته وليس لها منظور واحد، بل هناك من يشجع الطرفين على الحرب والقتال خلال السنة الماضية وهناك أحزاب ايدت حفتر في حربه على العاصمة، كل ذلك لا يساعد على أن يكون لتونس دور سياسي في القضية الليبية سوى قرب المكان للإجتماع بلا تأشيرات دخول.
فشل المفاضات لا تعني نهاية الدنيا، فالمسار العسكري لا يزال قائما وإن لم يستطيع الأمريكان عمل شئ فإن الإتفاق التركي الروسي هو البديل، وهوالأقرب للواقع وأن الشرق الليبي سيخرج من فكرة الصقر الأوحد عقيلة إلى براح المنافسة، وهو ما حدث في مدينة واحدة وهي مصراته لها أربعة منافسين على رئاسة الحكومة ويمكن للمجتمع الليبي والدولي أن يختار أي منهم أو غيرهم في زمن لم تنضج فيه التجربة الديموقراطية المرتكزة على برامج حزبية.
الأمر المهم في هذا التفاوض أن الهيئة الأممية على قناعة أن إجراء الإنتخابات ممكناً، وأن عشرات البلديات تم فيها إنتخابات بلدية بشفافية منقطعة النظير وتبادل سلمي على رئاسة المجالس البلدية، أما مسألة القاعدة الدستورية فهي شماعة يقوم بتسويقها كل الأجسام المتنهية الصلاحية مثل الرئاسي والبرلمان ومجلس الدولة من أجل البقاء في السلطة وإستمرار الأزمات التي لا إحساس لهم بالمسئولية عنها، فالمؤتمر الوطني تم إنتخابه على أسس الإعلان الدستوري وهو دستور ليبي مؤقت، ومجلس النواب تم إنتخابه على أساس لجنة فبراير المزعومة لرد ألأمانه للشعب، ولن تحتاج الدولة إلا إلى حكومة وحدة وطنية لأشهر تجهز للإنتخابات، وينتهي الكابوس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024