الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مقصلة الوعي الاستهلاكي
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
2020 / 11 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر
*ملخص من إعداد فريق دار الأكاديمية لمداخلة شفهية قدمها مصعب قاسم عزاوي في المركز الثقافي العربي في لندن.
قد يكون من أكثر المهمات إلحاحية على جدول الأعمال الثقافي التنويري في مجتمعاتنا العربية هو عملية القيام بوقفة نقدية مدققة عند مركبات العطالة الذاتية التي تقف بتعنت في وجه عملية الدفاع عن أي من تلك المجتمعات ضمن مخاضها الوجودي والجلل راهناً. وتمثل هذه المركبات حصيلة تنكس منظومات القيم من خلال عملية التذرية التاريخية لسيرورة النضج الاجتماعي الاقتصادي المؤسسي والذي ينوس في مسبباته بين مركبات التناقض الداخلية في تلك المجتمعات، وبين عناصر التأثير الخارجي التفتيتية التهشيمية والتي تتداخل فيما بينها بجدلية تجمع الكل الداخلي والخارجي في عملية تآثر عميق ناتجه العياني المشخص حالة البؤس المقيم التي ترزح تحت كاهلها جل المجتمعات العربية.
ويمكن الإشارة إلى نموذج من الوعي التنكسي الاهترائي والمتمثل بالوعي الاستهلاكي والذي أصبح حالة مستعصية تحتاج التدخل التنويري ومن كل منّ هو قادر على المساهمة بأي قسط من التنوير حسب طاقته للوقوف في وجه التردي المتسارع في بنى الوعي والسلوك الاجتماعي في المجتمع الذي ينتسب إليه، وإلاّ فإنّه يمثل نذير شؤم على دخول المجتمع إلى دوامة الموت السريري، وتحوله من مجتمع إلى تجمع من البشر فقط، فاقداً بذلك صفة المجتمع كشبكة روحية إنسانية اجتماعية اقتصادية توحد هؤلاء البشر وتجمعهم في بوتقة تنظر إلى المصلحة الفردية كناتج مباشر لسلامة المجتمع وقدرته على العطاء لمصلحة كل الأفراد المتشاركين فيه.
وحقيقة يمكن لنا توصيف الحدود العامة للوعي الاستهلاكي بكونه نموذجاً من الوعي يستند إلى طريقة تحليلية ونموذج للاستيعاب يوجه الإنسان في فهمه لحاجاته الاجتماعية ولموقعه الاجتماعي وعلاقته بتلك الحاجات من خلال التركيز الأولي على عملية الاستهلاك وليس على قيمة العمل والإنتاج التي تتنكس في منظومة الوعي الاستهلاكي إلى موقع يختزلها بكونها وسيلة محضة لتأمين الوصول إلى الحاجة الاستهلاكية دون أن تحمل قيمة جوهرية ومحورية في ذاتها أولاً.
ويمكن تلمس السمات الجوهرية والسياسية للوعي الاستهلاكي والتي تتمحور حول ثلاثة مفاهيم نستطيع المرورعليها فيما يلي:
أولاً : النمطية الإسفنجية
والتي تتمثل في تقهقر الفرد الاجتماعي من المستوى الإنساني (مادياً وروحياً واجتماعياً) إلى مستوى كائن بيولوجي منتسب إلى قطيع من البشر تحكمه نزعة سلوكية عمياء لتقليد أولئك الآخرين الذين يستهلكون أكثر، واعتبار التقارب في درجة الاستهلاك معهم مدخلاً للتماهي بهم، ضمن إحساس ضمني بالقزامة تجاههم، والانصياع العبودي لما يدعى (الموضة)، دون النظر بأي تدقيق نحو الأهمية الوظيفية لهذا النمط من الاستهلاك أو ذاك، وبالتالي يكون سلوك النمطية الإسفنجية محكوماً بتفكير أحادي النظرة نمطياً يتقن فقط العمل باتجاه واحد يسير من تحويل المدخرات المادية إلى سلع استهلاكية قد لا تكون ضرورية للبقاء ضمن حد الكرامة الإنسانية وصيانتها.
ثانياً : القشرية السطحية
والتي تتمحور حول أنّ الوعي الاستهلاكي يركز في المقام الأول على جملة المواضيع الهامشية السطحية التي لا تمتلك أي أهمية تذكر في التأسيس لتطور الإنسان معرفياً وروحياً وتعزيز شعوره بتحقق ذاته قيمياً وأخلاقياً وإنسانياً، وإنّما تبقى في حيز الحاجات المؤقتة السطحية، والتي لا تمتلك أي قدرة على الصمود في وجه الزمن، والتي تتميز أساساً بكونها غير إنتاجية، فتكون السلعة الاستهلاكية تارة (سيارة) وتارة أخرى (كساء على نسق الموضة هذه أو تلك)، وأحياناً كثيرة (هاتفاً نقالاً) أو نموذجاً للاستهلاك على طريقة الرفاهية الأمريكية المعولمة والتي تستند إلى إطعام البطون وتنويم العقول إلى درجة التخمة، بينما تعاني دور السينما وعروض المسرح الراقي والأماسي الموسيقية، وقاعات المحاضرات في المراكز الثقافية من خريف مطبق مقفر.
ثالثاً: النكوصية الانتهازية على مستوى التفكير والسلوك
والتي تفصح عن نفسها بتصعد قيم النفعية الوصولية القصيرة النظر والصبر، والباحثة عن أيسر السبل -والتي قد تكون أقلها استقامة- الساعية بكل جوارحها إلى تلبية الهدف الاستهلاكي الذي يمثل شكله الأول المنعكس في وعي صاحبه سلعة يجب الوصول إليها بأي وسيلة كانت، وضمن منهج قد يصل في بعض الحالات إلى الذرائعية التي تبرر الوسيلة بالهدف، وبحيث تصبح البهلوانية والشطارة نهجاً يختبئ في جرابه كل الطرق الملتوية المحمومة لتأمين تلك الحاجات الاستهلاكية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر