الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الحلقة الأولى

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2020 / 11 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


عرفت الصراعات الطبقية بالغرب الإفريقي تصاعدا خلال 10 سنوات الماضية والتي يشكل فيها المغرب موقعا أساسيا، نظرا لموقعه الجيواستراتيجي في علاقته بالشمال والغرب الإفريقي عبر الصراعات الطبقية في أعلى تجلياته بالصحراء الغربية : الحرب الإمبريالية الرجعية ضد الحرب الوطنية الثورية، وامتداداتها بالغرب الإفريقي، فخلال نصف قرن شكلت قضية الصحراء الغربية محور الاستراتيجية الإمبريالية الجديدة الأمريكية ـ الفرنسية بالغرب الإفريقي في علاقتها بالحروب اللصوصية الجديدة، التي تم إشعالها بالمنطقة العربية وشمال إفريقيا وامتداداتها بإفريقيا عبر بلدان الساحل، مما فرض إعادة هيكلة الاستراتيجية الإمبريالية بإفريقيا من طرف أمريكا وفرنسا بعد بناء القاعة العسكرية لجيش أفريكوم لدعم القاعدة العسكرية الفرنسية بالنيجر، تحسبا للحروب الإمبريالية المقبلة ومراقبة الحركة الوطنية الثورية المتنامية بإفريقيا ضد الاستعمار الفرنسي الجديد، خاصة بعد بروز عملية التبادل التجاري بين الاتحادي الإفريقي مع الصين واليابان مما كشف زيف العلاقات الفرنسية الاستعمارية بإفريقيا، مما أزعج الإمبريالية الأمريكية وأشعل الصراع التجاري الأمريكي ـ الصيني، الشيء الذي غير مسار الاستراتيجية الأمريكية الاستعمارية بالمنطقة العربية بعد إشعال الحروب اللصوصية فيها وانخراط روسيا بشكل مباشر في الحرب على الشعب السوري نيابة عن أمريكا لحماية الكيان الصهيوني، وتوظيف النظام التركي الرجعي نيابة عن حلف الناتو كدركي بالمنطقة العربية لمنع تنامي الحركة الثورية وتغذية الحروب اللصوصية هناك، مما يحتم على الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية إعادة بناء استراتيجيتها الجديدة للتصدي للاستراتيجية الإمبريالية الجديدة بالغرب الإفريقي.

الجذور التاريخية للصراعات الطبقية بالغرب الإفريقي وتناقضاتها

بدأت الحرب الإمبريالية ضد الحرب الوطنية الثورية بالمغرب وامتداداتها بالغرب الإفريقي بعد خروج قوات جماهير الفلاحين من مراكش في 1912 في استراتيجية تراجعها الصحيح إلى الجنوب، بعد تشكلها كقوة ثورية جماهيرية في مرحلة الزحف لمواجهة الاستعمار الفرنسي وامتدت عبر جبال الأطلس الصغير الغربية الساحلية على شكل ملاحم الحرب الثورية بأيت باعمران ضد الحرب الإمبريالية الإسبانية ـ الفرنسية، واستمراريتها البطولية بالصحراء الغربية إبان الاستعمار الإسباني، مما أرقى ثورة الجنوب إلى قوة هائلة، وحول الجنوب الغربي إلى مركز استراتيجي عالمي، وركز مكانة الجنوب التاريخية في الثورة بالغرب الإفريقي وشمال إفريقيا، مما أعطى للنظام الملكي الدموي موقعا بارزا لتنفيذ برامج الاستراتيجية الإمبريالية الفرنسية وسياساتها الاستعمارية الجديدة بإفريقيا عبر القضاء على الثورة بالغرب الإفريقي.

وشكل القضاء على الحركة الثورية بالمغرب في السياسات الاستعمارية الجديدة هدفا استراتيجيا بعد القضاء على امتدادات ثورة الريف بالقضاء على امتدادات جيش التحرير بالشمال في 1958/1959، مما أعطى للصحراء الغربية موقعا استراتيجيا في برامج السياسات الإمبريالية الاستعمارية الحديثة بالغرب الإفريقي، بعد القضاء على جيش التحرير بالجنوب الغربي في 1960 وتصفية امتداداته بالحركة اليسارية الثورية، في ظل التحولات الاقتصادية الرأسمالية التي اعتمدت الدولار عملة رئيسية في التبادل التجاري في السوق التجارية العالمية في 1975، وأصبحت الإمبريالية الأمريكية مركز الدول الاحتكارية العالمية والقوة الاستعمارية الجديدة بعد نهاية حربها بفيتنام، وبداية الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفييتي بعد سقوط تجربة ماو الثورية ونهاية الصراع بين الصين والاتحاد السوفييتي.

وخلال 30 سنة من الصراعات الطبقية بالمغرب التي تغذيها الإمبريالية الفرنسية شكلت الصحراء الغربية مسرح حرب دائمة ضد الحركة الثورية بالمغرب والغرب الإفريقي، باعتبارها مجالا حيويا للتوتر القابل للاشتعال في أي لحظة تراها الإمبريالية مناسبة، مما جعل النظام الملكي الدموي يوظفها في علاقاته مع الإمبريالية الفرنسية من أجل دعمه وحمايته عبر قمع أي حركة ثورية ممكنة، وتوظفها من طرف الإمبريالية الفرنسية من أجل مزيد من الضغط للحصول على مزيد من التنازلات الاقتصادية واستمرارية استغلال ثروات الشعب المغربي، مما ساهم بشكل كبير في تعطيل النمو الاقتصادي وتدمير القوى المنتجة : تدهور الخدمات الاجتماعية وتقهقر مستوى العيش لدى الغالبية الساحقة من السكان، مما يمكن اعتباره مؤشرات وضع سياسي سائر في طريق الانفجار، بعد تنامي احتجاجات العمال والفلاحين التي يتم مواجهتها بالقمع والاعتقالات، في الوقت الذي تعرف فيه الحركة السياسية اليسارية ركودا نتيجة مؤامرة الأحزاب اليسارية والديمقراطية التي أصبحت أدوات لقمع إرادة الجماهير في التغيير، عبر نشر أيديولوجياتها الرجعية في صفوف العمال والفلاحين عبر تنظيماتها الموازية من نقابات وجمعيات حقوقية وتنموية.

خلال 20 سنة مضت عاش الشعب المغربي في ظل أوهام "العهد الجديد" ما لم يعشه في سنوات القمع الأسود، التي مهدت لهذا "العهد" وعبدت له الطريق من أجل سلب ما تبقى للعمال والفلاحين من حقوق، وطيلة عقدين من زمان "المغرب الجديد" نما الرأسمال المالي للبرجوازية التجارية بشكل مهول : المراكز المالية والاستراتيجية العالمية تصنف أغنياء المغرب على رؤوس الأصابع وعلى رأسهم رئيس الدولة، سيطروا على دواليب الحياة اليومية للجماهير الشعبية التي تكد بلا كلل من أجل حصد الفقر وتوريثه لأبنائهم، فكما قال ماركس: "الفقر لا يصنع الثورة إنما وعي الفقير هو الذي يصنع الثورة" يبقى الفقراء فقراء ما لم يصبحوا واعين، فأصبحت أعداد الفقراء بالمغرب تكبر والأغنياء محسوبون على رؤوس الأصابع، نتيجة سيادة فكر ما قيل ـ الرأسمالية المتجسد في علاقات الإنتاج المتخلفة في تناقض مع القوى المنتجة الهائلة المتجسدة في الواقع الموضوعي : العمال والفلاحون المنتجون ووسائل الإنتاج الهائلة، في ظل ثورة الإعلاميات التي تتحكم فيها البرجوازية التجارية خادمة الرأسمال المالي الإمبريالي، مما يؤكد إمكانية قيام الثورة الاجتماعية بالمغرب في أي لحظة عندما تكتمل شروطها الذاتية والموضوعية.

وتوسعت الهوة بين الطبقة الوسطى : البرجوازية الصغيرة، والبرجوازية التجارية في ظل نظام ملكي استرجع صفته الدموية في أقصر وقت، يتجسد في قمع احتجاجات الجماهير أبرزها : تماسينت بالشمال في 2005 وسيدي إفني بالجنوب في 2008، وتوالت الاحتجاجات بكل مناطق المغرب التي تتم مواجهتها بالقمع، المحاكمات والإدانات، وبلغت دروتها في احتجاجات 20 فبراير 2011 التي عرفت قمعا دمويا سقط على إثره خمسة شهداء بالحسيمة واستشهاد الشهيد كمال الحساني في أكتوبر 2011، وتوالت الاعتقالات، الاستشهادات والمحاكمات وفتحت السجون على مصراعيها، وبذلك تم إعلان "العهد الجديد الدموي" في وجه كل الحركات الاحتجاجية الجماهيرية التي تناسلت بشكل كبير وسريع بالمدن والبوادي وأكبرها تجسد في الحراك الشعبي بالحسيمة في 2016/2017، مما أعطى مؤشرا واضحا بأن القمع هو سيد الموقف ضد الاحتجاج والقمع الدموي بشكل صريح، الذي تم تتويجه بالمحاكمات الجنائية من صنف الستينات والسبعينات من القرن 20.

وكانت الحركة الاحتجاجية بالصحراء الغربية جد حيوية نظرا للوضع السياسي بهذه المنطقة المهمة في تاريخ الصراعات الطبقية بالغرب الإفريقي : احتجاجات شتنبر 1999 بالعيون ونونبر 2000، وأبرزها الاحتجاجات الدامية بأكديم إزيك من 16 أكتوبر إلى 08 نونبر 2010 أسفرت عن قتلى، جرحى واعتقالات، مما يؤكد أن قضية الصحراء الغربية على رأس الصراعات الطبقية بالغرب الإفريقي منذ حوالي 50 سنة، منذ أول انتفاضة للشعب الصحراوي في 1970، من الصراعات الطبقية السياسية في أعلى تجلياتها : الحرب، أرهقت النظام الملكي الدموي بالمغرب، مما دفعه إلى توظيفها في عرقلة الحركة الثورية بالغرب الإفريقي بدعم من الإمبريالية الفرنسية، إلا أن تلك المحاولات لم تستطع إيقاف زحف حركة جماهير العمال والفلاحين في سعيهم وراء تحقيق مطالبهم المشروعة في العيش الكريم وتقسيم ثروات البلاد بالمساواة في ظل دولة وطنية ديمقراطية شعبية.

وبين الحركة الثورية بالريف والحركة الثورية بالصحراء الغربية علاقة تاريخية مرتبطة بالاستعمار المباشر للإمبريالية الإسبانية، التي أبادت جماهير الفلاحين المنتفضين ضدها على شكل حرب وطنية ثورية أفضت إلى تأسيس أول دولة وطنية ديمقراطية شعبية بشمال إفريقيا، الحرب الثورية التي أسست معالم الحرب الشعبية بقيادة جماهير الفلاحين وألهمت حركات التحرر العالمية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي : معلم الحركة الوطنية الثورية بالبلدان المضطهدة في القرن 20، في علاقتها بثورة الجنوب التي استنهضت القوى الثورية للفلاحين ضد الإمبريالية الفرنسية بقيادة أحمد الهيبة، الذي أعلن نفسه ملكا في مملكته كتعبير عن حاجة الدولة بمراكش والغرب الإفريقي إلى قيادة جديدة من صلب الجنوب، بعد فشل الملكية التقليدية في مسايرة الصراعات السياسية الإقليمية والعالمية.

وبين ثورة الجنوب وثورة الشمال تكمن كل الصراعات الطبقية التي اندلعت بالجبال والسهود ضد الاستعمار القديم واستمراريتها في الصراعات السياسية القائمة اليوم بالصحراء الغربية وامتداداتها بالغرب الإفريقي، إلا أن تراكمات الماضي ذات العلاقة بالفكر المثالي السائد في أوساط جماهير العمال والفلاحين كقوى ثورية والتي يستغلها النظام الملكي الدموي في تمرير أيديولوجيته التبعية للإمبريالية واستبداده بالحكم، التي تتحكم في نمط الإنتاج شبه الرأسمالي عبر علاقات الإنتاج المتسمة بصفة ما قبل ـ الرأسمالية، جعلت الثورة المغربية تراوح مكانها، فالتضحيات التي قدمتها جماهير العمال والفلاحين في الخمسينات من القرن 20 تم استغلالها من طرف البرجوازية التجارية الحاكمة، بواسطة خادمتها البرجوازية الصغيرة في أوساط الجماهير عبر الأحزاب والنقابات، التي تحولت بعد 60 سنة من التدجين إلى أدوات أيديولوجية خطيرة، تقيس أنفاس الحركة الثورية بالمغرب، وتدمرها من داخل مراكز الطليعة الثورية : الطبقة العاملة وحليفها التاريخي الفلاحون، الذين حملوا بالأمس القريب السلاح ضد الإمبريالية وحققوا ملاحمة عظيمة.

وساهم تراكم الصراعات الطبقية في تحريك التاريخ عبر بروز التراكم الكمي للأحداث الثورية : انتفاضات العمال، الفلاحين، الطلبة، الانقلابات العسكرية، الانتفاضة المسلحة للفلاحين...إلخ المتسمة بالفشل، الذي أصبح يرافق الحركة الثورية بالمغرب، في بناء تراكم كيفي متسم بعناصر جديدة متقدمة، في ظل التراكم الكمي لمخلفات العالم القديم السائدة الذي نتج عنه تراكم كيفي متسم بمخلفات البنية الميتافيزيقية، الشيء الذي أبرز قبول العالم الجديد : للرأسمالية التبعية، التي عملت منذ تركيزها في ظل شروط العالم القديم، التي تسود فيه قوتين أساسيتين متصارعتين حول تقسيم السلطة : البرجوازية التجارية والفلاحون، مما ساهم في تحويل جزء من الفلاحين إلى طبقة عاملة أصبحت بعد زمان طويل من الصراعات الطبقية طبقة واعية بذاتها دون القدرة على الارتقاء إلى طبقة واعية لذاتها، ذلك ما أرهق الحركة الثورية الجديدة ـ اليسار الجديد : الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية ذات الجذور البرجوازية الصغيرة.

وكان للصراعات الطبقية المتسمة بالجذور ما قبل ـ الرأسمال وما تفرزه من تراكم كمي حاصل في أوساط العمال والفلاحين : تراكم كمي للفكر المثالي، أثر كبير في تشكيل المثالية الذاتية في أوساط قيادات الأحزاب والنقابات من ضمنها جزء من الحركة الماركسية ـ اللينينية، مما له أثر كبير في عرقلة تشكل وعي الطبقة العاملة لذاتها وتحولها إلى طبقة ثورية باستطاعتها فرز الطليعة الثورية.

وكان للتراكم الكمي الذي حصل في طبقة البرجوازية الصغيرة خاصة منها المثقفة عبر تاريخها السياسي وما أنتجه من تراكم كيفي متسم بصفات البنية ما قبل ـ الرأسمالية، أثر كبير في عرقلة جهود الحركة الماركسية ـ اللينينية في بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، وكان للقوى الهائلة للدول الاحتكارية العالمية : الإمبريالية العالمية، وسرعة تطورها في علاقته بالتطور الهائلة لوسائل الإنتاج المادية والثقافية الجديدة، الثي أبهرت البرجوازية الصغيرة، أثر كبير في عجز الحركة الثورية عن مواكبة التحولات الكمية التي حصلت وتحصل باستمرار في الحركة الصناعية والمعلوماتية وقوتها الهائلة في تحريك القوى المنتجة وفرز تحولات كيفية ضد ـ ثورية تعرقل الحركة الثورية العالمية، مما يتطلب مواكبة تطور وتحول وسائل الإنتاج المادية والثقافية ودراستها وتحليل تناقضاتها واستثمارها في تطوير أساليب العمل النضالي الديمقراطي الثوري.

وفي غياب النقد العلمي المادي لتاريخ الحركة الماركسية اللينينية ـ المغربية سقط الماركسيون اللينينيون في تناقض أساليب الممارسة الثورية القديمة : ما قبل نهوض الإمبريالية في مرحلة سيطرتها وهجومها على القوى الوطنية الثورية بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، مما جعل الماركسيين اللينينيين حبيسي محاولات فهم وتفسير أسباب سقوط التجارب الاشتراكية بدل فهم أسباب بقاء الإمبريالية سائدة عكس ما ذهبت إليه وثيقة "الثورة في الغرب العربي في مرحلة تصفية الإمبريالية"، التي تمت صياغتها دون دراسة تخلف التحولات الكمية في الصين التي أفرزت تحولات كيفية متخلفة، مما ساهم في سقوط التجربة الثورية بالصين والتي مازال يعتقد البعض أنها صالحة لكل زمان ومكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟