الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد النخبة السياسية الأمازيغية -1-

عبد الكريم اوبجا

2020 / 11 / 19
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


أصول و طبيعة النخبة السياسية الأمازيغية المغربية:

لقد كان أول عمل سياسي قام به أمازيغ المغرب هو حمل السلاح ضد الفرنسيين و ضد السلطة المركزية و ذلك ضمن شروط المجتمع القبلي و الزراعي. و بعد ذلك واصلوا المقاومة بأدوات مرتبطة بالمجتمع الصناعي عبر الانخراط في الحركة الوطنية والأحزاب السياسية و النقابات المهنية خاصة في مدينة الدار البيضاء التي شكل الأمازيغ القادمون من الأطلس الصغير و الكبير و الصحراء أغلب السكان المهاجرين إليها.

و بذلك تسلمت المدن مشعل المقاومة و حلت محل المقاومة القبلية التقليدية، و تمثلت المقاومة السياسية الحديثة في الأحزاب و النقابات و الجمعيات المهنية و خلايا المقاومة الحضرية و الجرائد و المناشير و الإضرابات. فمباشرة بعد وضع أمازيغ سوس للسلاح في 1934 شارك العديد منهم في أول إضراب كبير للعمال المغاربة في المجال الصناعي ضد شركة كوسوما في 1936.

و عمل الوطنيون السوسيون الأمازيغ أمثال الأخوين المانوزي و احمد اولحاج و الطاهر صدقي على تنظيم حزب الاستقلال و المقاومة في الدار البيضاء و منطقة سوس الكبير. و ساهموا في توحيد الكفاح الوطني ضد الاستعمار عن طريق إنجاح الاضرابات المنددة باغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد في دجنبر 1952 و في تنظيم الخلايا و إيواء الفدائيين و إخفاء الأسلحة و بعد ذلك عبر مقاطعة شركات التبغ التي تخضع للاحتكار الفرنسي في 1954.

لقد شكل الأمازيغ القاعدة الاجتماعية الواسعة لحزب الاستقلال خاصة في الدار البيضاء و المناطق الجنوبية وسوس الكبرى. و لأن الأمازيغ يعطون الأولوية للتضامن القبلي على حساب القيم الفردية فقد نقلوا تقاليدهم من المجال الاجتماعي و الاقتصادي إلى المجال السياسي. و تشكل بذلك حلف "أهل سوس" كتعبير عن وعي سياسي تقليدي أمازيغي يدافع عن المصالح المباشرة للبورجوازية الأمازيغية السوسية، مما جعلهم عرضة لمضايقات البورجوازية الفاسية.

و بعد الاستقلال الشكلي استحوذت النخبة الفاسية على المناصب البارزة في الحكومة و الإدارة المغربية و استغلت نفوذها و مناصبها للاغتناء و الحصول على الامتيازات. و نظرا للمزاحمة و التهميش الذي جوبهت به النخبة الأمازيغية السوسية داخل حزب الاستقلال، اختار الأمازيغ الاصطفاف إلى جانب الجناح اليساري بقيادة المهدي بن بركة و الانضمام الجماعي بعد ذلك إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 1959.

إلا أن السياسة بالنسبة للنخبة الأمازيغية السوسية هي في الغالب الوجه الآخر للتجارة حيث أن انضمامهم للاتحاد الوطني للقوات الشعبية لم يكن بالأساس انتصارا للتوجهات الايديولوجية للحزب الجديد و للخطاب الاشتراكي في العالم الثالث و إنما كان وسيلة للتخلص من هيمنة البورجوازية الفاسية. و حقق الأمازيغ السوسيون أول انتصار لهم في السياسة الحضرية على النخبة الفاسية بفوزهم بجميع مقاعد غرفة التجارة و الصناعة بالدار البيضاء و في عدد من المدن المغربية في ماي 1960. و عندما قاطع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية انتخابات غرفة التجارة و الصناعة جراء الاعتقالات التي طالت أعضاءه بعد التصويت بلا على دستور 1962 واصل التجار السوسيون الأمازيغ تحكمهم في الغرفة لكن بعد تحول أغلبهم إلى جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية.

وبعد الانتخابات التشريعية في ماي 1963 شكل البرلمانيون السوسيون الأمازيغ تكتلا داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية تحت اسم "الوفد الشعبي" لتميزه عن النواب البرلمانيين المثقفين لذات الحزب. و كانت للوفد الشعبي ملاحظات و انتقادات للخط الثوري للحزب من قبيل رفض استغلال هذا الأخير للنخبة الأمازيغية السوسية في الصراع القائم ضد القصر و التدخل في شؤون غرفة التجارة و الصناعة و عدم خدمة الحزب و سياسته المعارضة لمصالح التجار السوسيين الأمازيغ.

إن هذا الانخراط السياسي الجماعي للنخبة الأمازيغية السوسية هو تعبير سياسي هوياتي تقليدي عن مصالح بورجوازية تجارية لكنه اصطدم بمنظور "الطبقات الشعبية" لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مما سرع من وثيرة تفرق النخبة الأمازيغية إلى تيارات و توجهات ثقافية و ايديولوجية و سياسية مختلفة. كان أبرزها المجموعة التي يقودها محمد بن سعيد آيتا يدر كتعبير عن تيار يساري راديكالي قام بتأسيس منظمة 23 مارس و منظمة العمل الديمقراطي الشعبي فيما بعد. و بقي الفقيه البصري وفيا للاختيار الثوري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية قبل تحوله في انعطافة إصلاحية (الاختيار الديمقراطي) إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

فيما حاولت كل من مجموعة "التجار الكبار" بزعامة احمد اخنوش و مجموعة "المقاومين" بقيادة عبد الله الصنهاجي التوحد في حزب سياسي جديد يركز على إحياء الوعي الثقافي و السياسي التقليدي لأمازيغ سوس، إلا أن تباين المصالح الاقتصادية و الاجتماعية للمجموعتين حال دون تحقيق وحدتهم المنشودة. فقامت المجموعة الأولى (مجموعة الدار البيضاء) بتأسيس الحزب الحر التقدمي كتعبير عن توجه اقتصادي و اجتماعي و سياسي ليبرالي وجد ملاذه لاحقا في حزب إداري جديد هو التجمع الوطني للأحرار. أما المجموعة الثانية (مجموعة الرباط) فشكلت "حزب العمل" كتعبير عن الامتداد السياسي الإصلاحي للمقاومة و واصل تواجده التنظيمي بدون أي تأثير سياسي.

و بمجرد إعلان حالة الطوارئ في يونيو 1965 ابتعد عدد من النخبة السياسية الأمازيغية السوسية عن السياسة مجسدين لمبدأ الواقعية و لمضمون الاستسلام للحكم المطلق و منحه المشروعية السياسية. و في 1966 تم تأسيس الاتحاد المغربي لتجار الجملة و استقطاب أغلب التجار السوسيين الأمازيغ إليه و التصويت بنعم على دستور 1970.

و قد أكد "واتربوري" على أنه يصعب التعرف على الانتماء السياسي للنخبة السياسية الأمازيغية التقليدية و القيام بالتمييز الكلاسيكي بين جناحيها اليساري و اليميني حيث أنها ليبرالية و محافظة في الوقت نفسه و يعرف سلوكها السياسي تقلبات فجائية. و يمكن تفسير هذا السلوك على أنه نتاج منظومة فكرية مركبة (محافظة و ليبرالية و اشتراكية) بالنظر لوضعها الاجتماعي المركب (الشبه-اقطاعي و البورجوازي و العمالي). و سوف يسعى خلفها فيما بعد للتأسيس لمشاريع سياسية تدّعي دمج المصالح الطبقية المشتركة لجميع طبقات المجتمع.
========================

المراجع:
- جون واتربوري، أمير المؤمنين: الملكية و النخبة السياسية المغربية.
- جون واتربوري، الهجرة إلى الشمال: سيرة تاجر أمازيغي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات