الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهلة مقلد / أنين الحنين

بهاء الدين محمد الصالحى

2020 / 11 / 20
الادب والفن


الغنائية كطابع رئيسى لشعر الديوان نابع من عدة اعتبارات :
1- الطبيعة النوعية للشاعرة وبالتالى ملائمة اللون الرومانسي وبالتالى تواءم التصنيف الموضوعي ، فكل شعر غنائي رومانسي بطبيعته الحال هو غنائي قائم على الجرس الموسيقى حيث يتعامل مع أذن المتلقي وبالتالى المراهنة على اللغة المكتوبة لتصبح الكلمات بديلا عن فكرة جاذبية إلقاء الشعر .
2- فكرة الموسيقى الشعرية وتوافرها عبر الديوان من خلال عدة آليات :
• موسيقى اللفظ * وحدة الحالة الشعورية * حاجة الذات للأخر .
وذلك لأن الموسيقى والإيقاع خبرة اجتماعية مشتركة وفقا للغة المشتركة بين المبدع والمجتمع الذى أنتجه ، وكذلك قدرة المبدع على امتلاك لغته .
ومن هنا تحدد المنهج الملائم لمعالجة الديوان وهو المهج الاسلوبى من خلال تحديد ملامح اللغة المستخدمة وتوافق المدلولات المعنوية لتلك اللغة ، وتوافق المعنى مع تعدد القوالب الشعرية التى أبدعت من خلالها الشاعرة مضمون القصائد ، ولعل الطابع العام هنا هو تأرجح مراكز القوة داخل الذات تجاه الأخر ومن هنا يصبح الأخر مؤشر على جودة الذات ، وكذلك يتكثف الشعر الرومانسي فى معالجة ثنائية مابين الأنا والأخر ولكنه أخر وهمي أثار مناطق تناقض الحياة وكذلك طرح فكرة الحافز لتطوير الذات تجاه الأخر كمقدمة للحياة الصحيحة .
زهرة الربيع
ككل شعر رومانسي يدرك الحياة من خلال إسباغ روحه على الاشياء المادية ليطرح نفسه المشتاقة للتحقق ليستنطق الواقع بكل ألامه وإحباطاته ، ، ولعل الأفعال التى أفتتح بها أبياته ، ثمانية أفعال أمر من واقع ثمانية عشر بيتا عدد أبيات القصيدة علاوة على توافق الافتتاح مع الختام وهو أمر يشى بتألق الروح كدفقة ولحدة :
فتح يازهر الربيع جوه قلب البنات / فتح يازهر الربيع ونور خدود البنات .
وكأنما المعنى مكتمل من خلال خلق الصورة الذهنية حيث يعكس الوجه كمرأة للروح ، كم الفرحة التى تغلغلت للروح مابين مدلول لفظي ( قلوب ف خدود )
علاوة على أنماط الأداء الحركي : مينا يخطف الكورة منى / وأمينة تأخذها منى بسكات / لما كنا تحت ضلك بنلعب صبيان وبنات .
ولعل ذكاء الشاعرة بتحكمها فى سياق اللغة من خلال قافية حرف التاء وعلاقته بتاء التأنيث وهو أمر يشي بسيولة اللغة وسلاسة استخدامها حيث ورد حرف التاء كقافية سبعة عشر مرة خلال القصيدة .
كذلك انتشار الصور المركبة من خلال النبذة السردية كفخ من خلال ألية التضمين وهى ألية شعرية بدأها أبو نؤاس بتخليه عن وحدة البيت ليزدوج البيت لخلق مفهوم المقدمة والنتيجة كصدى لدراسة الفلسفة فى عصره العباسي :
ولما يفرد الليل ستايره والضلمة تملى الطرقات / نجرى نتخفى ف بيوتنا وصوتنا عالي بالضحكات .
الطبيعة كصدى للذات
الطابع الرومانسي هو إدراك متمايز للأشياء فالأشياء لها قانونها الموضوعي خارج الذات وبالتالى فإن حركة الأشياء تفرض طابع أخلاقي وسلوكي معين ولعل شعر ت أس إليوت كصدى لقانون الأشياء الواقعي قد أفرز لنا قصيدة الأرض اليباب لأن قانون الحرب والعدمية المفروض على ذلك الواقع ، قد إنعكس على ذات الشاعر لأنها كانت ذاتا مصنوعة بفعل الواقع فكانت كمية اليأس من أى بعث أخلاقي جديد منعكس فى قصيدته الأرض اليباب .
أما الحالة التى نحن بصددها فهي تجسد طبيعة مغايرة فالذات هنا متجاوزة للطبائع الواقعية للأشياء وتريد أن تصبغ الواقع من باب الحب والتقدير وفق قانون التفاؤل ورؤية الجانب المشرق دوما فى الأشياء .
قصيدة تغيب
موسيقى لفظة الغياب كفعل رئيسي متدرج من العمومية إلى التفاصيل إذ تفتتح القصيدة بحالة تقريرية : تغيب الشمس والضى عن العيون .
وكأننا بصدد تصدير كباب يلج فيه القارئ إلى روح القصيدة وهنا إستخدام ذكى لفكرة العقدة الدرامية كنوع من الصدمة أو الحافز لتقصى أسباب ذلك ، ثم يثنى بمدخل شارح لتلك الصورة : ترجع ألاقى دموعي فرحت ملت الجفون .
وهنا مهارة استخدام اللغة من خلال اشتراك البيتين الأولين بالقصيدة فى فكرة الاستمرار من خلال استخدام الفعل المضارع ( تغيب ، ترجع ) وكذلك إستخدام حرف الواو وهو حرف عطف يفيد الارتباط السببي وهنا التداخل مابين الأنا التى تسعى للسطوع فى مرآة الأخر فينعكس ذلك الصعود على العالم ليقتسم فرحته مع العالم لأنه يصبح ذاتا متجاوزة .
حرصت الشاعرة على الربط مابين الذات والأخر من خلال المقابلة الفعلية وإعادة ترتيب مفردات الجملة فى نفس نطاق الصورة المكثفة :
تغيب الشمس والضى عن العيون / تغيب فتغيب الشمس والضى عن العيون .
والغرابة هنا فى توافق حركة النون من خلال حركة ثلاثية متداخلة بما يعنى اندياح الحدود مابين الحالات الحركية الثلاثة :
وتحلف إن عمري عندك تانى ما أهون / ولسه عندها المقدرة للحب يكون / ولسه عشانى بيعافر ولسه عشانى يكون .
ولعل من اللافت للنظر سيطرة الفعل الأمر على جنبات الديوان وكأن روح الشاعرة ممتلئة بزخم الحب والتفاؤل والخروج إلى النهار وهو أمر تشعر بكثافته فى قصيدة ( شمس بكره )
تستخدم الشاعرة ألية التفريع كنوع من الاستخدام المتميز لآلية التكرار كصيغة أسلوبية تعكس تمكن الشاعرة من ألية تقطيع المعنى العام وتوزيعه على أكثر من صورة عبر القصيدة وكأنها تقنية الحكاية مصاغة شعرا :
اطلعي ياشمس بكره : عشان أحلف أنى عايشه / نورى لعقولنا فكره / أبعتى شعاع لدارنا / طيبي أهات جروحنا / حسنى الخط فى كلامنا .
ونحن هنا بصدد خمس أخبار على مبتدأ واحد وكذلك خمسة أوجه وتصاريف لفعل واحد تعكس تدرج الوعى الانسانى ، فالفكرة تنير العقول لتشعر الفرد بجدوى حياته لتخلق إشعاعات من الأفكار تجلى مناطق الظلام فى عقولنا وتعطينا تشخيصا جيدا لنبدع وعيا جديدا هو الخط أى حسن التعبير عن ذواتنا .
هنا ذكاء الشاعرة فى استدعاء مدلول الشمس عبر العقل الجمعي المصري تحديدا فهي رمز النور والدفء والعطاء ، ولكن مايعاب تلك القصيدة هو طولها المفرط الذى يفقد المتلقي قدرته على التواصل علاوة على الوقوع فى فخ تكرار المعاني ، علاوة على تضاد السياق مابين الثمانية والعشرين بيتا ، بدءا من : مش أخر ربيع . مع غياب المعنى الدلالي للتكرار لنفس البيت ، إلا إذا كان ذلك البيت محل وقفة مغايرة أو بداية قصيدة جديدة ، مع الوقوع فى فخ الاسترسال الذى يكسر الشاعرية القائمة على الاختزال الشعري ، ولعل ذلك المأخذ على تلك القصيدة الحرص على وحدة الحالة الشعورية مع الحاجة لقاموس لغوى متعدد تكتسبها الشاعرة مع الوقت .
أنين الحنين
أسم ومفتتح للديوان فماذا أرادت الشاعرة تقديمه خلال القصيدة ؟
هي قصيدة بطلها الإيقاع حيث تألفت كل الموسيقى على إبراز لمحة أراد الشاعر إبرازها كمدخل دلالي لفهم محتويات الديوان ، حيث بلغت أبيات القصيدة إحدى وسبعون بيتا ، تتوزع قوافيها كالتالي :فى ست قوافي ( 24 قافية بحرف النون – 14 قافية بحرف اللام – 7قوافى بحرف الهاء – 10 قوافي بحرف الياء – 2قافية بحرف الألف – 2 قافيه بحرف الراء ) علاوة على أن الإخراج بطل رئيسى من حيث عدد الكلمات داخل البيت الواحد من كلمتين فقط فى 52 بيت ، وأهمية ذلك كتكثيف لغوى وتقطيع مبنى على المعنى المتواتر كجزء من الصورة الكلية وهنا درجة التأثير تكون الأقوى :
ياضحكة وبسمة / وحيرة وخيال / أنا عمري كله جواب للسؤال .
ويأتي إستخدام العنوان كفواصل وهى استدراكات ذهنية حتى يقطع فكرة الاسترسال المؤدية للوقوع فى فخ السرد ، وذلك من خلال عبارة ( ويفضل جوايا أنين الحنين ) ، وقد وردت تلك الجملة ثماني مرات كتقنية لمقاومة جاذبية السرد خاصة فى القصائد الطويلة .
تقاليد الرومانسية من خلال إبراز الحزن كطقس أو كظل قابع خلف الاشياء ، فالحنين دوما هو القفز فرحا داخل الروح عندما يرد ذكر الحبيب ، ولكن أن يكون الحنين مبعثا للألم فتلك المعضلة فى التناول الرومانسي .
الحرص على الإيقاع مع وضوح المعنى والتأكيد على تكراره يؤكد على لب الغنائية التى تحرص عليها الشاعرة وذلك من خلال صيغ النداء ( يا ، أنت ) :
أنت قمر نور ليالي الحياة / ياحلم غالى فى العمر لمنتهاه / يانجم عالي يجذب الانتباه / / يابحر هادي مانعرف مداه .
ولعل البدايات هكذا تكون رومانسية الطابع بحكم النوستالجيا لبداوة الفكر الانسانى بعدما تعقدت سبل الحياة مع التدوين .
تتنوع قصائد الديوان مابين الطول المفرط ومابين الاختزال ( وحشتك – الصورة – أنت قمر – السكات ............ )
الإمساك بمهارة اللحظة المعبرة عن التوهج الإنساني ، حيث يعالج الشاعر لحظة الشبق الإنساني بلحظة الحقيقة ليحولها الى ديمومة قابلة للتحقق وإنزالها من سماء التفرد الى اعتيادية العلاقات الانسانية ، هكذا يكون تفرد الشعر الرومانسي فى رؤيته للعالم ، وهى مهارة تشعر بها أكثر فى القصائد التى تمتلك ناصية الموسيقى اللغوية التى تعبر عن قدرة الشاعر على امتلاك مفردات لحظتها .
ففي قصيدة علمني بديوان تمرد ، تمارس معنا الشاعرة تلك المباراة فى استلاب الألباب من خلال كلمة واحدة كمفتتح لثمانية عشر بيتا من تسعة عشر بيتا هي عدد أبيات القصيدة ، وهى كلمة علمني وهو لفظ موحى يفيد كم المعاناة التى يعانيها الشاعر / الإنسان فى توحده مع الآخرين ورغبته فى أن يكتمل صفاء الكون وتختفي كل مشاهد الخوف والرهبة والزيف عبر هذا العالم .
مهارة اللغة فى استعمال فعل أمر يعكس اليقين بنتائج الأمر وتواصل الذات مع العالم المتوافر فى الأنت الوهما الذى هو صدى للذات :
علمني كيف أسير برب لاأخشى فيه هوان .
ولكن الشاعرة تريد أن تتمرد على قواعد الرومانسية من خلال التوحد مع العالم المقهور والخروج للتعامل مع العالم بموضوعيته :
علمني ألا أنطق حرفا لايترك فى القلب مكان .
فالشاعر / الانسان الرومانسي يذوب فى تفاصيل مأساة العالم المحيط به ولا يملك إلا التوحد معه لتجاوز أزمة الذات :
علمنى ألا أغطي الأحرف بالألوان / علمني أن أخطو خطوات ثابتة مثل البنيان / علمني أن الفجر سيكسر كل الأسوار / علمني كيف أسير بدرب لاأخشى فيه البركان .
هنا تطور نوعى فى مرحلة الفهم الرومانسي للعالم فهي صياغة جديدة للإدراك تتجاوز مرحلة التأثر ، لتخلق حالة من الفعل الانسانى المتجاوز لحدود الذات لخلق ذات جديدة قادرة على كسر الطغيان :
علمني أن الكلمة سيف فوق أعناق الطغيان .
وهنا يعاودنا طيف أبى القاسم الشابى الذى شكل شعره على الرغم من رومانسيته شعر الثورة فى تونس .
كذلك أبرزت الشاعرة مهارة أخرى من خلال فعل واحد مع نتائج متعددة وهنا تكامل إدراك البعد الانسانى لعمق الشخصية الانسانية وعدم اقتصارها على بعد واحد :
علمني أن أعتنق الصبر لأواصل حتى الشطأن / علمني أن البسمة مجداف يأخذ ناحية الشطأن ، سياق لغوى واحد مع اختلاف فى النتائج وإدخال الفعل المضارع فى ( يأخذ ) وهنا المدلول الفعلى للفظ وطرحه فى سياق الحركة الحتمية فى بلوغ النجاة حيث الشطأن مرادف للحقيقة والأمان .
تقاس الشاعرية بعدة مؤشرات :
1- استراق اللحظة الانسانية النادرة التى لايدركها إلا الجانب الملائكي فى الشعراء .
2- موسيقى الكلمات مع تناسق الشكل الواحد للقصيدة الواحدة وفق الأسس المتوارثة إبداعيا .
ففي قصيدة أصعب شئ فى ديوان تمرد ، حيث ورد بها عدة معانى :
1- كم الذاتية فى معالجة اللحظة الانسانية وهو من أعمق طقوس المدرسة الرومتنسية فى الأداء الشعري .
2- إبتعاث قيمة الحب كقيمة محورية محركة للعالم ففي القصيدة تسعة عشر بيتا وردت ياء التخصيص أربعة عشر مرة .
3- تكامل بداية النص مع نهايته :
أصعب شئ فى الدنيا غربة الانسان جوه منه / كل حاجه بتبقى غامقة لما يهرب قلبي منى .
4- الأخر الصانع ليقين الأنا من خلال ذاتية وقهر فعل العشق : مش برضه السبب حبي اللى جوه منى .
5- الصراع الأزلي مابين العقل والقلب :
ياما عشت أحلم بقلبي / إن عقلي جوه مني / بس الأيام أثبتتلى إن عقلي أقوى مني / وأنا أقوله حبه بس دهب ينبض منى .
التفانى فى طقوس معبد الرومانسية من خلال عمق الصورة ، ففى قصيدة أقسمت فى ديوان تمرد : إذا رأيت حروفي يوما تدمع لاتبالي / وإذا رأيت عيوني يوما تدمع فلاتبالى / ولكن إذا أحسست دموع قلبي يوما فعليك أن تبالي / فبكاء قلبي يحطم تكويني / ويمحق النهار فى تفكيري
الجديد فى هذه الصورة تدرج وتصنيف لكل أنواع الحزن المعبر عنها بالدمع :
1- التعبير بالكلمات حيث يفترض خروج الألم من داخل زنازين الروح لفضاء الكلمات كنوع من التطهر ورفع الحجر بثقله عن القلب ،
2- دموع العين ذلك المشهد الخادع ، هل هي مرأأأأأأة للروح أم حيلة لإخراج الحزن من الروح وهى مخالفة للطبيعة النوعية للحزن حيث تعتبر الذات والنفس نطاقها الأثير .
3- الأخطر فى هذه المسألة دموع القلب ولكن ذلك التعبير يضعنا فى مأزق إنساني ولغوى ومعرفى إذ كيف يدرك شخص قلب شخص أخر يدمع ، إلا إذا كان قادرا على اختراق تلافيف روحه ، وهنا درجة والتماهى الكامل بين نطاق الروح للحبيب والمحبوب .
4- سوء مصير الروح فى حالة عدم تحقق والتماهى فهو إظلام للروح ، ولعل إشعاعات كلمة الروح تفيض فى مملكة الرومانسية جيئة وذهابا .
الرائع فى شاعرتنا قدرتها على تجاوز كل ضروب القنوط واليأس الوجودي بحكم الحياة الرومانسية المتوحشة التى نحياها ، إلا أنها مقاومة بفعل الروح وقدرتها على التعالى على الألم وصنعة رؤية خاصة تصيغ بها ردود الأفعال تجاه الاشياء والآخرين .
الشكر موصول للأستاذ محمد عجم عرفني على ذلك الانتاج .
ماتبقى ان الشاعرة تمتلك أدواتها ولكن تجديد الموضوع والاختزال الشعري مع المحافظة على طقوس المدرسة الرومانسية لأنها نابعة من طبيعة شخصيتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية